هبة محمد
تحتضن تونس في 31 من شهر آذار/مارس الجاري، القمة العربية في دورتها الثلاثين، حيث ستجمع القادة العرب. إلا أن المتحدث باسم الأمين العام للجامعة العربية، محمود عفيفي، أكد أن عودة النظام السوري غير مدرجة على جدول أعمال القمة حتى الآن، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن القمم العربية «تؤكد دوماً على عروبة الجولان السوري المحتل إلا أن أي طرف لم يطرح بشكل رسمي عودة النظام السوري حتى الآن، ولكن الأزمة السورية مدرجة على جدول الأعمال».
وتربط بعض العرب بالنظام السوري علاقات فردية، توصف على أقل تقدير بأنها خطوط اتصال دبلوماسية أمنية ومنافع اقتصادية وضرورات إقليمية، ولكن رغم المواقف العربية الأحادية المؤيدة للأسد، إلا أن الجامعة العربية عاجزة حتى الساعة عن تجميعها ضمن صوت عربي واحد لإعادة مقعد سوريا للنظام السوري، أو حتى دحض الشك باليقين ونعي عودته إليها، ولعل هذا يكشف أن قرار هذه الاطراف غير ذاتي وإنما مرهون بقرارات وضرورات يصعب عليهم تجاوزها.
فيما تخفي تناقضات المواقف العربية ما بين الفردية والجامعة منها، الكثير من الخطوط الحمراء التي يصعب عليها تبنيها بشكل جماعي، وفي هذا الصدد يقول الباحث في مركز عمران للدراسات أيمن الدسوقي: «ليس هنالك من قرار للجامعة العربية باستعادة النظام عضويته المجمدة منذ سنة 2011، رغم كل الجهود التي قامت بها روسيا لإعادة دمج النظام عربياً والانفتاح الذي قامت به بعض الدول العربية وفي مقدمتها الإمارات».
ويبدو أن التوجه الأمريكي الضاغط على العرب هو السبب الذي يكبح محاولات عودة نظام الأسد إلى الجامعة العربية، وهو من «فرمل» اندفاعة دول أخرى لفتح سفاراتها في دمشق، حيث ساهمت الضغوط الأمريكية بضبط سياستي مصر والسعودية تجاه النظام، وهما من أبرز الأقطاب المؤثرة في الجامعة العربية.
ومنذ تشرين الثاني/نوفمبر عام 2011 والنظام السوري خارج منظومة جامعة الدول العربية، ولكن بعض الدول العربية لم تقطع علاقتها مع النظام أو مع رأس السلطة وبعد التدخل الروسي في سوريا وربط بعض الدول العربية علاقتها مع الحليف الروسي للنظام، بدأ الجميع يسمع أصوات بعض وزراء وبرلمانيي العرب بأن حرمان النظام من مقعده في الجامعة العربية كان خطأً فادحاً.
ويرى السياسي السوري درويش خليفة، ان المنظومة العربية لم تستطع فعل شيء مع الدول التي خالفت ميثاق الجامعة العربية بدءًا من مصر عندما وقعت اتفاق كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، وكذلك العراق عام 1990 عند دخوله الكويت، وفي السياق ذاته استخدمت الجامعة العربية مبدأ التعليق مع الحالة السورية.
الشعوب العربية لم تعد تنتظر أي جديد أو فاعلية من الجامعة العربية لعدم جدية الدول الأعضاء كونها مظلة تقيهم حرارة الأنظمة التي تقتل شعوبها وتنتهك كرامتهم، وعلى ما يبدو الحلف السعودي – الإماراتي – المصري حاول خلط الأوراق على الساحة السورية بإعادة النظام للمحور العربي، عبر فتح سفارتي الإمارات والبحرين وسبقتها زيارة للرئيس السوداني الملاحق من الجنايات الدولية.
ويستغرب «خليفة» في تصريحات لـ «القدس العربي» ظنون بعض الزعماء العرب بأن دخولهم الملعب السوري سيعزل النظام عن حليفه الإيراني الذي قدم الغالي والنفيس من أجل بقاء الأسد ونظامه في الحكم، ولكنه يرى في هذه الخطوة أهدافاً أخرى من مسابقة تركيا قبل دخولها لشرق الفرات السوري، وفي الوقت ذاته رداً على مطالب تركيا بمحاسبة قتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، المتهم الأساسي فيه هم المقربون من ولي العهد السعودي. ويبدو ان الحلف السعودي يحاول منع أي تقارب تركي – أمريكي من شأنه إعطاء تركيا مساحات تحرك اكبر ضمن الشرق الأوسط، المنهك بمشاكله الداخلية وتصديره ما أمكن منها للغرب عبر موجات اللاجئين المتتالية.
وأن فرضية قبول النظام السوري ضمن الجامعة العربية مجدداً، لن تغير في واقع الأمر شيئاً، خاصة بعد إخماد حماس الدول العربية بالانفتاح على النظام عبر تصريح الادارة الامريكية عن سحب قواتها شرق الفرات، واتصال الرئيس الأمريكي ترامب بنظيره التركي بعد تصريحه الأول والطلب من الأتراك دخول شرق الفرات، وفق ما قاله السياسي «خليفة» لـ «القدس العربي». فروسيا التي كثف مسؤولوها زياراتهم الدبلوماسية إلى الجوار السوري والخليج العربي من اجل تجميع أصوات مؤيدة لرئيس النظام السوري بشار الأسد، يبدو أنها أخفقت في توليد قرار عربي جامع تجاه إعادة «تعويمه» عربياً، ورغم استجماعها لبعض الأصوات العربية إلا أن قرار «قيصر» الذي تبنته الولايات المتحدة الأمريكية مؤخراً، تحول إلى «فيتو» يمنع إنعاش الأسد عربياً، ويجعل من واشنطن قابضة على مفاتيح الحل السياسي كافة في سوريا.
ويقول «الدسوقي» لـ «القدس العربي»: كذلك ما يزال الانقسام مستمراً في الجامعة العربية حيال الانفتاح على النظام السوري، ولا يلغي عدم عودة النظام للجامعة العربية، قيام بعضها بشكل منفرد بالتواصل مع النظام لمتابعة ملفات أمنية بالدرجة الأولى، والهدف من هذه العلاقات ليس اقتصادياً وإنما أمني وتنسيق سياسي تفرضه التطورات على المستويين الإقليمي والدولي. مشيراً إلى أن عودة النظام السوري إلى الجامعة العربية فيما لو حصلت، ستكون لها – حسب الباحث – دلالات سياسية كبيرة، من إعادة دمجه عربياً.
المصدر: القدس العربي