أحمد مظهر سعدو
يجري الحديث مؤخرًا وخاصة بعد مؤتمر وارسو، المفترض أنه جاء لمواجهة تمدد إيران في المنطقة، حول أن الأميركان ليسوا بالجدية الممكنة ليحشدوا ضد إيران، ومن ثم يتم إنهاء حالة الفزاعة الإيرانية لدول الخليج والمنطقة برمتها، وهم مازالوا رغم كل ما يصرحون به معنيون ببقاء البعبع الإيراني لابتزاز الدول العربية، والأنظمة الخليجية تحديدًا. حيث يقول برهان غليون ” من السذاجة الاعتقاد أن واشنطن أو إسرائيل سوف توقفان التهديد الإيراني إزاء الدول العربية، من أجل عيون هذه الدول وضمان الاستقرار الإقليمي والدولي. إنهما يسعيان بالعكس إلى توتير العلاقات العربية الإيرانية بشكل أكبر، وتعميق الشرخ بين الجارين المتخاصمين، من أجل تحقيق أهدافهما الخاصة على حساب الدول العربية. وبمعنى آخر، تحميل هذه الدول ثمن مواجهة إيران وتحجيم نفوذها، من دون تقديم أي تنازلٍ سياسي أو استراتيجي للدول العربية”.
ويبقى السؤال قائمًا: إلى أي حد يمكن لهذا الكلام أن يكون موافقًا للواقع؟ وهل يستطيع العرب تغيير استراتيجيات أميركا في منطقتنا أصلًا أو حتى تعديلها؟ وكيف لنا نحن السوريين أن نتعامل مع مثل هكذا سياسات ونستفيد منها من أجل مستقبل قضيتنا السورية؟
أليس مفرج عضوة هيئة التفاوض أكدت لجيرون أن ” إسرائيل وإيران عدوتان تاريخيتان لقضايا الشعوب العادلة في المنطقة ، فإن تحاربتا أو تصالحتا فنحن من يدفع الثمن لجهة استراتيجيتهما في السيطرة النافذة بتحوير الصراع المتناقض من خلال دعم الأطراف الدولية ذات المصالح بتأجيجه والمشاركة في دعم كل منهما، ما يزيد المشهد تعقيدًا بخضوعه لحروب باردة وساخنة لدفع الساحة لمزيد من الاستنقاع حيث تضطلع أميركا بهذا الدور عبر توسيع هيمنتها سواء كان بالتدخل العسكري، أو من خلال تغيير خططها التكتيكية، حيث تريد تنفيذ أجندتها الخاصة بقيام أنظمة تجعل العامل الأميركي حاجة لطرفي الصراع بتحديد شروط الحرب وإنهائها، وضامنًا لاستقرار ومصالح العدو الإسرائيلي من جهة، وللدول العربية التي تعتمد عليها كلاعب رئيسي في المنطقة لضرب النفوذ الإيراني الجار الخطير، الذي صدر أجندة المقاومة التحريرية للاحتلال الإسرائيلي، والتي كانت ومازالت ذريعة لتفتيت المنطقة، وخاصة بعد مد نفوذها وسيطرتها العضوية على العراق واليمن ولبنان وفلسطين وسورية، خاصة بعد الاتفاق النووي والذي كان الأثر المباشر لدخولها بشكل رسمي في الملف السوري، وبالضوء الأميركي الأخضر، وبالتالي إعطاء المشروعية للتدخل الإسرائيلي لذات الذريعة، أي مواجهة الخطر الإيراني، وعليه تستمر المقايضات الابتزازية للدول العربية، والتي أبدت انفتاحًا ببداية التطبيع مع إسرائيل في شكلها العلني في مؤتمر وارسو “. وتساءلت مفرج ” هل يمكن مقايضة الانسحاب الأميركي بانسحاب إيراني، وتحديدًا في المشهد السوري، الذي يعتبر حجر الزاوية والفصل في تحديد معالم المنطقة، حيث إيران لصيقة بالنظام السوري، وتتحكم به كأداة في المواجهة ، وما يزال الموقف الأميركي يغير تموضعه حسب مصالحه وتوازن القوى مع روسيا، حيث يكمن التحدي الأميركي/ الإسرائيلي في التوصل إلى تفاهمات استراتيجية مع روسيا، وقد اضطلعت بدور الوسيط بين الطرفين الإيراني والإسرائيلي، في سياق التشارك والتناقض مع جميع الأطراف، وبالتالي كسوريين علينا البناء على هذه التناقضات الدولية والإقليمية، حيث تحول العامل الخارجي لعامل داخلي فرض علينا بضرورة التعاطي معه، بهدف تحقيق التسوية السياسية وفق مصالحنا الوطنية، وفق مظلة جنيف التي تتطلب خروج جميع الميليشيات الأجنبية من أرضنا، وعلى رأسها إيران ومن المؤسف تاريخيًا أن نكون خارج السياق، بتغيير السياسات الدولية، إلا وفق المشروع الوطني الذي يتطلب دعمًا لاستقلالية القرار الذي نفتقده، والذي يزيد الاستنقاع بحرب طويلة الأمد على حسابنا “.
الباحث والمعارض السوري حسن النيفي أكد لجيرون “على الرغم من أهمية ما قاله الدكتور برهان غليون إلا أن ما قاله لا يبدو جديدًا، ذلك أن العداء المزعوم بين الأميركان وإيران هو عداء تمت هندسته وتوظيفه بحدود معينة لخدمة الاستراتيجيات الأميركية والاسرائيلية في المنطقة، إلى درجة يمكننا فيها القول إن وجود إيران كعامل استنزاف للأمن القومي العربي هو ضرورة استراتيجية لأميركا واسرائيل معًا، وفي ضوء ذلك يمكننا تفسير لماذا قامت أميركا بتسليم العراق لإيران، ولماذا لا تهدف أميركا إلى إسقاط نظام الأسد، أو الاستهداف المباشر لحزب الله في لبنان، علمًا أن زوال نظام دمشق وحزب الله، يمكن أن يجسدا تقزيمًا كبيرًا لنفوذ إيران في المنطقة”. ثم أضاف النيفي ” أعتقد أن مواجهة العرب للخطر الايراني مشروطة بقيام استراتيجية أمنية عربية على المستوى القومي، والمؤسف أن هذا الأمر متعذر في الراهن المنظور، بسبب تسلط الأنظمة العربية القائمة، وتبعيتها المطلقة للخارج غير الوطني، وبالتالي ليس أمامنا كسوريين سوى العمل الجاد والتأسيس الصحيح لبنى الثورة، والتمسك بثوابتنا الوطنية وبناء استراتيجيات تمكننا من الاستمرار في المقاومة في ضوء اختلال موازين القوى الراهنة، كما أعتقد أن العمل على إنتاج قيادة للثورة تتجاوز الكيانات المهلهلة وتستطيع العمل على استعادة المبادرة الوطنية هو من الأولويات الأساسية”.
أما الكاتب السوري عبد الباسط حمودة فقال لجيرون ” ما تفضل به برهان غليون هو قولٌ يحمل الكثير من المصداقية واستشراف حقيقة العلاقات العربية مع الجوار الاقليمي والدولي؛ فبعد مرور أربعة عقودٍ على نظام الملالي والوعيد والتهديد المتبادل بينهم من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى، إلا أنها بقيت حبيسة الشعارات وحناجر الهتافين، فيما لم يكن التنفيذ إلا من خلال ضربهم جميعًا لعددٍ من دولنا العربية، ليأتي الوقت الذي تتخلى فيه طهران وتل أبيب وواشنطن، ليس فقط عن التهديدات العسكرية المباشرة، بل وحتى عن شعاراتهم العدائية المتبادلة. إذ أن نظام الملالي مُنتج أميركي في الأصل. فالعلاقات الإيرانية من جهة والأميركية والاسرائيلية والعربية من جهة أخرى، لم تنقطع أساسًا منذ ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، وقد تنوعت هذه الاتصالات ومستوياتها، وتمخض عن هذا النوع من التواصل تفاهمات أميركية أساسية مع نظام طهران في أكثر من محطة، حيث كانت عاملًا مهمًا، وحاسمًا، في تنسيق ودعم الهجوم الأميركي على أفغانستان لإسقاط طالبان وحليفها تنظيم القاعدة عام 2001، وعلى نفس النسق والتوجه تم التنسيق الكامل بينهما بشأن العمليات العسكرية الأميركية لاحتلال العراق وإسقاط نظام صدام حسين عام 2003، حيث أكدت إيران مرارًا وعلى لسان قادتها أنها ساهمت في حسم عملية الاحتلال وإنجاحها وبتأييد عربي من كل الدول حينها، وخاصة من يحمل لواء العداء لإيران والرغبة بتحجيم دورها في هذه الأيام. ناهيك عن المساهمة العسكرية لهذه الدول ومنها متشدقي القومية والممانعة كنظام آل أسد الجواسيس”. وأضاف حمودة ” المسألة مكشوفة لكل مهتم بالشأن العام؛ إذ أن ضرب مفاعل تموز بالعراق لم يتطلب أي حلف دولي، سوى الايعاز لكلب حراسة مصالح أميركا بالمنطقة العربية لقصفه، وهو الكيان الصهيوني ربيب نظام الملالي وحليفهم الاقتصادي. وفضيحة إيران/غيت لم ننس أطرافها بعد، خاصة مهندسها المدعو (صادق طبطبائي) أحد أقارب (الخميني) كما أن التبادل التجاري بين الكيان الصهيوني وإيران لا يخفى على أحد، وخاصة في النفط والصناعات النفطية وبإشراف تام من يهود إيران المشابه لدور عملاء طهران وحلفائها في بلداننا العربية. فالعلاقات الإيرانية الصهيونية رافعتها كره العرب، وأدواتها يهود إيران بالداخل الإيراني من جهة وميليشيا إيران وعملائها التابعين والطائفيين في بلداننا العربية من جهةٍ أخرى. وتغيير الاستراتيجية الكونية الأميركية حيال منطقتنا العربية، بالمدى المنظور، غير ممكن طالما أن العمل العربي المشترك معطل إلا بالتنسيق الأمني ضد شعوبنا وآمالها، وطالما أن أنظمة الطغيان العربي هي التي تحتمي واهمةً بأميركا و(إسرائيل) من أي تهديد داخلي، وهي التي ستنهي تلكم الأنظمة ولكن لمصلحتها وليس لأي شيء آخر.” ثم نبه إلى أنه يجب أن ” لا ننسى تبعية الأنظمة العربية والارتهان للخطط الخارجية وتقديم الأوطان عربون وفاء للطغيان الدولي ومادة لسياسة إيران وبراغماتيتها التي لا تخطئها العين. ولن يكون من مستقبل لمنطقتنا وشعوبنا إلا بالعمل الدؤوب والمستقل عن تلكم السياسات، فكم كشفت ثورتنا السورية العظيمة خاصة، والربيع الديمقراطي العربي عامة حجم العُهر العربي والدولي حيال مستقبل بلداننا وشعوبنا، وعن زيف تشدقهم بحقوق الانسان وحرية الرأي والرأي الآخر وهم كاذبون جميعًا ومشاركون بخطط الاحتلالين الصهيوني والإيراني وباقي الاحتلالات، وبالتالي تأخير التقدم ووحدتنا العربية التي بدونها لا مستقبل ولا استقلال عربي ولا تقدم أيضًا؛ لشعوبنا وأوطاننا. على ألا يخدعنا التواطؤ الروسي الإيراني الأميركي المكشوف”.
محيي الدين بنانا الأكاديمي ووزير التربية والتعليم السابق في الحكومة السورية المؤقتة له رأي مختلف إذ قال لجيرون “من وجهة نظري إن ما قاله د. برهان غليون لا يتطابق مع الواقع على الإطلاق، فلا حاجة للإنسان العربي لأميركا حتى تقول له إن إيران دولة عدوة. بل إن إيران نفسها تقول لنا يوميًا بأنها عدوة للعرب من خلال ممارساتها اليومية في سورية والعراق واليمن ولبنان، وحتى في كل أرجاء الوطن العربي. انطلاقًا من ذلك فإنني أقول إن العدو الآني والاستراتيجي للعرب هو إيران”. ثم أضاف بنانا ” إن أميركا ليست بحاجة للعرب كي يدعموا استراتيجيتها في تحجيم دور إيران في المنطقة، أو تغيير النظام الإيراني، بل هناك تقاطع مصالح معها في العداء لإيران، ويجب ألا ننسى أننا عندما نتكلم عن أميركا تكون المعنية إسرائيل التي لا يمكن أن تقبل بالوجود الإيراني في الأراضي العربية. فهي أي إسرائيل تعتبر أن هذه المنطقة لها، ولن تسمح لأية دولة بالهيمنة عليها، خاصة بضعف المشروع العربي، أو حتى غيابه، وبالطبع علينا نحن السوريون محاربة هذا العدو الفارسي المجوسي بكل الوسائل بغض النظر أكانت صادقة أميركا بعدائها لإيران أم لا.”
محمد عمر كرداس كاتب ومعارض سوري يرى أن ” الثورة الايرانية على الشاه في بدايتها لم تكن ثورة ملالي، بل كانت ثورة شعب بكل فئاته ومختلف اتجاهاته الليبرالية واليسارية والشيوعية والقومية والدينية، ومن هنا جاء التأييد الواسع لها في الوطن العربي. ولكن الخميني ومجموعة المتطرفين الدينيين استطاعوا التخلص من كل حلفاء الثورة من بني صدر، إلى مهدي بازركان إلى قطب زادة، إلى توده، ومجاهدي خلق، إما بالطرد، أو الاعتقال، وحتى القتل، وأعلنوها جمهورية إسلامية، تأخذ بولاية الفقيه بوصفها البديل عن حال الطوارئ، لتحكم قبضتها ولتمنع الأحزاب، وكل حركات المجتمع المدني، وتعلن شعار تصدير الثورة، والمقصود به الاقليم العربي من البحر الأبيض إلى الخليج. ويعني ذلك أن إيران ستتمدد خارج حدودها، وقد بدأ هذا التمدد في لبنان، حيث تم القضاء على المقاومة الوطنية، لتقوم مقاومة من نوع جديد تحت رايات الولي الفقيه”. ثم أضاف كرداس ” بعد ذلك قامت الحرب بين إيران والعراق، والدليل الواضح على الاستراتيجية الغربية فيها هي دعم الطرفين لاستمرار الحرب، والتدمير والقتل، لقد أسفرت هذه الحرب بالنتيجة النهائية عن إحتلال العراق، وإطلاق يد إيران فيه، خلافًا لكل الكلام الأميركي الذي كان يعلن عداؤه لإيران. وهنا تتكشف بشكل واضح استراتيجية أميركا وحلفائها، فبعد التعاون الأميركي الايراني في أفغانستان، جاء التمدد الايراني في العراق، وهذا معناه ان كل ما يقال ويشاع عن عداء أميركي لإيران هو مجرد تعمية تخفي تحتها رغبة في استمرار الصراع والعمل على تأجيجه بين العرب وإيران، لاستمرار الابتزاز ولإعاقة أي تقدم للتنمية والديمقراطية في المنطقة بحجة التهديد الإيراني”. وتابع يقول ” لا شك أن أنظمة الأمن القومي الأميركي من العرب والغون ومرتاحون لهذا الوضع، الذي يبقيهم على رأس شعوبهم لسنين طويلة. وإذا نظرنا إلى الخلاف بين إيران والكيان الصهيوني، نجده خلافًا بالإعلام فقط، مع بعض الرتوش، ضربة هنا وضربة هناك قضية ثانوية، لكن الحقيقي هو عندما عمل الكيان على تحطيم المشروع النووي العراقي وبقي المشروع الايراني سليمًا وكوفئ على يد أوباما الذي يرى في إيران بلدًا حضاريًا، ويرى العرب بدو ومخالفون ولا يثق بهم”. ثم انتهى إلى القول ” الإدارة الأميركية تريد من إيران حماية مصالح أميركا في المنطقة، وعدم التعطيل عليها، وإيقاف التهديد الايراني للكيان الصهيوني، ولو كان لفظيًا، وهي على استعداد لاعتمادها كشرطي في الخليج مرة أخرى، لتضمن بذلك استمرار عدائها للعرب واستفزازهم، وقد أعلنها ترامب صريحة إنه إذا رفع الحماية عن آل سعود ستسقط دولتهم خلال أسابيع، وهذا هو جوهر الموضوع، أما في الوضع السوري فالموضوع أصبح أكثر تعقيدًا، ولا يمكن حل مشكلة الوجود الايراني في سورية، الذي انتقل من مجرد تحالف في الثمانينات، إلى وجود على الأرض منذ بداية المسألة السورية ولا أتصور أن هناك حلًا إلا في إطار الحل الكامل للمسألة، وأرى ذلك مازال في بداياته وبعيد المنال “.
المصدر: جيرون