عدنان أحمد
شكّل سقوط مدينة داريا في الشهر السابع من عام 2016 بيد قوات النظام السوري، بداية انهيار فصائل المعارضة في مجمل مناطق ريف دمشق، فتم تهجير مقاتليها وأهلها قسراً بالحافلات نحو الشمال السوري، ليتبعها في العام ذاته تهجير مدينة المعضمية، ثم بلدات خان الشيح وزاكية والكسوة والتل وقدسيا وقرى وادي بردى.
وعلى الرغم من مرور أكثر من عامين على سقوط المدينة بيد قوات النظام، إلا أنه لم يُسمح للأهالي البالغ عددهم قبل الثورة أكثر من 250 ألف نسمة، بالعودة إليها حتى الآن، على الرغم من صدور بعض التصريحات من قِبل مسؤولي النظام ومحافظة دمشق في الأيام الأخيرة بشأن السماح لعدد محدود من الأهالي بالعودة.
وفي هذا الإطار، قال رئيس مجلس مدينة داريا مروان عبيد، في حديث لصحيفة محلية الخميس الماضي، إن عدد العائلات التي سُمح لها بالدخول إلى المدينة ارتفع إلى 5 آلاف عائلة بعد وصول أسماء ثلاثة آلاف عائلة جديدة تُضاف إلى ألفي عائلة سبق أن سُمح لها بالدخول إلى المدينة وذلك من أصل 19 ألف عائلة تنتظر وصول أسمائها للعودة إلى المدينة، حسب قوله. وأضاف أن عمليات دخول العوائل الجديدة أصبحت تشمل كل مدينة داريا وليست محددة بمنطقة واحدة فقط، زاعماً أن عمليات الدخول تتم بمعدل مائة عائلة يومياً. وحسب عبيد، فإنه يتم إعداد بطاقة دخول لكل عائلة ممن وصلت أسماؤها للمجلس بغية تسهيل عملية الدخول والخروج للأهالي والقيام بأعمال الترميم وإدخال مواد البناء.
غير أنه من خلال مراجعة التعليقات والردود على صفحة “فيسبوك” التي خصصها المجلس التنفيذي لبلدية داريا لنشر أسماء الأشخاص المسموح لهم بالدخول، يتضح أنه لم يُسمح لهؤلاء الأشخاص بالدخول من قِبل الحاجز الموجود على مدخل المدينة لأن الكثير من الأسماء لم تصل للحاجز. أما من سُمح لهم بالدخول، فلم يبقوا هناك سوى ساعات محدودة، ولم يبِت أي منهم في منزله، إما بسبب تعرضه للتدمير الكلي أو الجزئي، أو بسبب عدم توفر الخدمات الأساسية التي تسمح لهم بالعيش.
وتُقسم المدينة اليوم إلى قسمين: المنطقة (أ) التي كانت تحت سيطرة قوات النظام ونسبة التدمير فيها ليست عالية، والمنطقة (ب) والتي كانت تحت سيطرة قوات المعارضة، وتزيد نسبة تدمير المنازل فيها عن 90 في المائة. وذكر عبيد أن البلدية رفعت ملفات كل المشاريع في المنطقتين (أ) و(ب) بانتظار الموافقة عليها من المحافظة، مشيراً إلى أن إجمالي المبالغ التي تتطلبها المشاريع الخدمية التي تم رفعها من البلدية يصل إلى 5 مليارات ليرة سورية (نحو 10 ملايين دولار).
ويقول بعض الأهالي ممن تمكنوا من الوصول إلى منازلهم في أحياء شريدي، النكاشات، الشاميات، الكورنيش، دوار الزيتونة في المنطقة (أ) التي كانت تابعة للنظام، إنه تم نهبها بالكامل، لكن وضعها الهيكلي مقبول، ويمكن إعادة ترميمها، مقارنة بما أصاب منازل المنطقة (ب) والتي تعرضت لآلاف البراميل المتفجرة والقنابل الارتجاجية.
وقال زهير أبو الخير، وهو واحد ممن تمكنوا قبل أيام من الوصول إلى بيوتهم في المنطقة (أ) في داريا، لـ”العربي الجديد”، إن معظم البيوت سليمة أو فيها أضرار يمكن ترميمها، ولا خطورة من سقوطها. كما أن البنية الأساسية للخدمات ما زالت قائمة. واستدرك أن المشكلة هي في كلفة المواد الأولية الباهظة، إضافة إلى سبل إدخال هذه المواد إلى داخل داريا، مشيراً إلى أن حواجز النظام كثيراً ما تمنع إدخال مواد البناء حتى مع وجود موافقة رسمية بغية الحصول على رشاوى. وأوضح أنه في إحدى الحالات رفض عناصر الحاجز إدخال مواد الترميم بوجود موافقة رسمية ومع دفع رشوة أيضاً، لسبب غير معلوم. وعن حالة بيته في المنطقة، قال أبو الخير إنه وجد البيت في حالة يرثى لها، فالأبواب والنوافذ إما محطمة أو منزوعة من مكانها، فضلاً عن نهب كل محتويات المنزل، مع وجود بعض الفتحات في الجدران. لكن المنزل بشكل عام يمكن ترميمه، ويحتاج إلى المال فقط، وهو غير متاح، بحسب قوله.
أما المنطقة (ب) فهي ما زالت مغلقة حتى اليوم، وتخضع لسلطة المخابرات الجوية أمنياً، وللفرقة الرابعة ومليشيا البعث والمليشيات الإيرانية عسكرياً.
وقال الناشط الإعلامي محمد خولاني، لـ”العربي الجديد”، إن غالبية من وصلوا إلى منازلهم في المنطقة (أ) قاموا بتفقدها ثم غادروا، فيما عدد قليل منهم قرروا البدء بصيانة منازلهم. وأوضح خولاني أن عملية ترميم المنازل تحتاج إلى رخصة من البلدية تتخللها موافقات أمنية، مشيراً إلى أن من يريد الدخول إلى داريا، عليه أولاً الحصول على بطاقة يتم تقديمها عبر مراجعة بلدية داريا الموجودة مؤقتاً خارج المدينة في منطقة الدحاديل عند مدخل دمشق الجنوبي، وتعبئة استمارة تحوي كل البيانات التفصيلية، مثل رقم العقار وعدد أفراد الأسرة وأعمارهم، ومن ثم الانتظار حتى تعلن الأسماء التي يتم الموافقة عليها عبر صفحة البلدية في “فيسبوك”. ولفت إلى أن إجراءات الحصول على هذه البطاقات معقّدة، إذ بعد عملية التسجيل في البلدية تُرفع الأسماء إلى “الأمن الوطني” الذي يقوم بإصدار الموافقات، ومن ثم إرسالها إلى الفرقة الرابعة التي ترسل هذه القوائم بدورها إلى البلدية عبر “واتساب” ليتم نشرها على صفحة المكتب التنفيذي. ورأى خولاني ان تصريحات مسؤولي النظام عن عودة كبيرة للأهالي دعائية أو تستهدف الحصول على دعم مالي من جهات خارجية.
من جهته، ألقى محافظ ريف دمشق علاء منير إبراهيم، باللوم على رئيس بلدية داريا لتأخره بتأهيل البنى التحتية في المنطقة (ب) لتسهيل عودة الأهالي، نافياً منع الأهالي من دخول المنطقة (أ)، موضحاً أن التأخر في إنجاز مدخل مدينة داريا يعود لضياع الإضبارة الخاصة بالمشروع والعقد البالغ 975 مليون ليرة (نحو مليوني دولار)، وأنه بعد أن وُجدت سيأخذ المشروع طريقه للتنفيذ.
وكان رئيس النظام السوري بشار الأسد، وفي إطار المساعي لإخلاء مناطق المعارضة في العاصمة وتلك الملاصقة لها من سكانها، أصدر عام 2012، المرسوم رقم 66 المتضمّن إحداث منطقتين تنظيميتين في دمشق، تقع الأولى جنوب شرقي حي المزة غرب العاصمة، وتتكوّن من منطقتين عقاريتين هما المزة وكفر سوسة، بينما تمتد الثانية من الأجزاء الجنوبية الشرقية لحي كفر سوسة لتصل إلى أحياء في جنوب دمشق وتشمل المناطق الواقعة جنوب الجسر المتحلق الجنوبي، وهي الأجزاء الجنوبية الشرقية من حي كفر سوسة وداريا وأحياء القدم والعسالي ونهر عيشة ومنطقة شارع الثلاثين الفاصلة بين حي القدم ومخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين، وتبلغ مساحتها 9 ملايين متر مربع. وكل الأحياء التي شملها المرسوم 66 شهدت حراكاً شعبياً أو عسكرياً مناهضاً للنظام، وجرى تدمير كثير منها مثل داريا والقدم والعسالي.
وفي مقابل هذا التضييق على الأهالي وشروط عودتهم، وضعف الخدمات المتاحة، تشهد مدينة داريا حركة نشطة لإيران وأتباعها في المدينة، مع وفرة في الإمكانيات والتجهيزات. وقالت مصادر متابعة لهذا الملف، إن مدينة داريا تدخل ضمن دائرة النفوذ الإيراني، إذ أبرم مسؤولون إيرانيون عقداً مع النظام يقضي بإعمار 30 ألف وحدة سكنية تتضمن إسكان الضباط الإيرانيين في مربع أمني في مدينة داريا نظراً لقربها من مفاصل مواقع النفوذ الإيراني. وتقع مدينة داريا جنوب السفارة الإيرانية، ولا تبعد عنها أكثر من 5 كيلومترات، وعن مطار المزة العسكري سوى مئات الأمتار، وتزعم طهران أن اهتمامها بالمدينة يعود لوجود مزار السيدة سكينة فيها. كما أن مدينة داريا قريبة من مراكز القيادة الحساسة للفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري، والمخابرات الجوية اللذين يرتبطان بعلاقات قوية مع الإيرانيين. وحسب موقع “صوت العاصمة”، فإن الفرقة الرابعة المنتشرة على مداخل المدينة وفي داخلها، تمنع الأهالي من الخروج من المربع المأهول والذي لا تتجاوز مساحته 8 في المائة من المدينة، وتحظّر الدخول إلى بقية الأحياء حتى على أصحاب المنازل هناك. وأوضح أن السلطات شارفت على الانتهاء من عملية ترميم مقام السيدة سكينة التي ترعاها إيران.
المصدر: العربي الجديد