رياض معسعس
في العاشر من حزيران/ يونيو من العام 1982، وفي معركة السلطان يعقوب في سهل البقاع إثر اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان ( وكان الجيش السوري متواجدا في لبنان أنذاك) قتل ثلاثة جنود إسرائيليون وهم: زخاريا باومل، يهودا كاتز، زفي فيلدمان.
زيارة نتنياهو لروسيا
واعتبر الجيش الإسرائيلي أنهم في عداد المفقودين مع جنديين آخرين. إلى أن تيقن ضابط المخابرات الذي قاد فريق البحث لمدة أكثر من ثلاثة عقود على الجنود المفقودين أنه تم دفنهم في مقبرة في مخيم اليرموك جنوب دمشق الذي تسيطر عليه قوات الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين القيادة العامة، وذلك بمساعدة جهاز الاستخبارات الروسي الذي يصول ويجول اليوم على الأراضي السورية.
وقد قام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بزيارة لموسكو ليطلب من صديقه الحميم فلاديمير بوتين إعادة رفات الجنود الثلاثة، وقد تمت العملية قبيل الانتخابات الإسرائيلية لدعم نتنياهو للفوز بها. بعض الأوساط تقول إن القوات الروسية في سوريا نبشت عشرات القبور في المقبرة الإسلامية في المخيم وأرسلت عشرات الرفات إلى إسرائيل للتأكد من الحمض النووي لرفات هؤلاء الجنود، إذ تبين أن معظم الرفات تعود لأشخاص سوريين وفلسطينيين، وفقط رفات الرقيب زخاريا باومل التي تم التأكد منها.
الصمت المطبق
السلطات السورية التزمت الصمت المطبق إزاء هذه العملية. فهي إن كانت على علم بها فتلك مصيبة كون تسليم رفات جندي إسرائيلي في وقت تقوم فيه الطائرات الإسرائيلية بقصف مواقع إيرانية في سوريا بشكل متواصل، وتوقع فيهم الكثير من القتلى يحرجها أمام حليفها الإيراني الذي يعتبر إسرائيل العدو الأول في المنطقة ومصدر تهديد مستمر لإيران. وإذا كانت السلطات السورية لا تعلم فالمصيبة أعظم لأن ذلك يعني أنها لم تعد حتى تملك السيادة على الأراضي السورية والروس لا يستشيرونها في مسألة بهذا القدر من الحساسية.
رفات كوهين
المسألة لم تتوقف عند رفات الجنود الثلاثة، فإسرائيل كانت ومازالت تطالب برفات الجاسوس إيليا كوهين الذي تم إعدامه شنقا في ساحة المرجة في دمشق في 18/5/1965 بعد أن اكتشف أمره الضابط السوري الرائد محمد وداد بشير بعد أن تسلل كوهين إلى قيادات عليا في القيادة السورية وزود إسرائيل بمعلومات خطيرة حول وضع الجيش السوري قبيل حرب 1967 . ودفنت جثته في مكان سري حتى الآن. بعض التقارير الإعلامية الإسرائيلية زعمت أن الروس قد نقلوا أيضا رفات الجاسوس الشهير إلى خارج سوريا، ما دفع وزارة الخارجية الروسية إلى تكذيب هذه المعلومات التي وصفتها عارية عن الصحة و» تدحضها بعزم» واعتبرتها «استفزازا». لكن السلطات السورية هنا أيضا تلتزم الصمت، وكأن روسيا باتت هي الناطقة باسمها. لكن قبل الرفات كانت ساعة كوهين قد سبقتها إلى معصم أرملته في إسرائيل، بعد أكثر من خمسة عقود على إعدامه. وهنا أيضا نحن أمام لغز آخر: كيف وصلت ساعة كوهين إلى معصم أرملته ناديا كوهين؟
مكافأة القابض على الجاسوس بالسجن مدى الحياة
الموساد يقول إنه حصل عليها بعملية خاصة هنأه عليها نتنياهو بوصفها « عملية شجاعة»، كيف تمت هذه» العملية الشجاعة «؟ هل تمت على الأراضي السورية؟ أم خارجها؟ ابنة كوهين أكدت أن العائلة حصلت على الساعة بعملية شراء بالمزاد العلني على الإنترنيت.. وهنا أيضا نتساءل هل باتت مقتنيات الجاسوس كوهين تباع على الإنترنيت؟ ومن يبيعها؟ وما من مجيب.
لم يكن يعلم الرائد بشير أن مكافأته على اكتشاف الجاسوس الخطير وإلقاء القبض عليه ستكون قضاء أربع عشرة سنة في سجن المزة العسكري والموت مرضا. بدل تكريمه على هذا العمل الوطني، أما من كانوا متورطين مع الجاسوس الخطير من ضباط ومسؤولين فقد طواهم النسيان. إذ تلقى الرائد بشير معلومات عن احتمال اعتقاله لطي القضية والتخلص منه كشاهد رئيسي، ففي العام 1968 هرب إلى العراق ثم انتقل إلى بيروت حيث أقام فيها لغاية عام 1976 حيث تم اختطافه من قبل المخابرات السورية التي أودعته سجن المزة، ثم سجن تدمر، وأطلق سراحه بعد أن باتت أيامه معدودات بسبب إصابته بعدة أمراض عضال وتوفي في قريته الحفة شمال سوريا في أواخر عام 1989.
ويبقى السؤال مطروحا هل خرجت رفات كوهين من قبره على أيادي روسية ( رغم التكذيب)، ووصلت إسرائيل، أم أنها أعطت وعودا لنتنياهو أن العملية ستتم ولكن في وقت مناسب.
المصدر: القدس العربي