حسن الشاغل
فكرة الحرب لأجل الاقتصاد فكرة قديمة جدا، والان في هذا العصر الذي نعيشه برز الدور الاقتصادي بشكل كبير على الساحة الدولية، وأصبح من اهم عوامل قوة الدولة، فسقوط الاتحاد السوفياتي كان أحد اهم أسبابه ضعف اقتصاده. وهناك دول لا تمتلك أي قوة عسكرية مثل المانيا واليابان ولكنها دول مؤثرة في السياسة الدولية بفضل قوة اقتصاداتها. فالزمن الذي نعيشه هو زمن الاقتصاد. وأصبح المحرك الأساسي لسياسة الدول، وأصبحت الدول تحرك كافة وسائل السياسة الخارجية لأجل تحقيق منافع اقتصادية.
إن الاقتصادات القوية تقوم على الصناعة والتجارة، ودوام الصناعة يتوقف على وجود موارد الطاقة، لهذا أضحى امتلاك موارد الطاقة من اهم اهداف الدول الصناعية الكبرى، وأصبحت الدول الكبرى مستعدة لدخول في حروب لأجل تحقيق امن الطاقة.
في ظل تصاعد أهمية موارد الطاقة والتنافس المتزايد بين المصدرين والحاجة والتسابق المستمر لمستوردي موارد الطاقة، أصبحت طرق انابيب الغاز والبترول من اهم القضايا المؤثرة في العلاقات الدولية من اجل تحقيق امن الطاقة للدول. وتعتبر خطوط الأنابيب من أكفأ وسائل النقل، حيث تنقل كميات كبيرة من المواد بتدفق مستمر مباشر من المصدر إلى المستهلك.
بداية الحكاية
تسعى الدول الاوربية للتخلص من الاحتكار الروسي لسوق الطاقة الأوروبي، حيث دائما ما تهدد روسيا بقطع امدادات الغاز او رفع أسعار موارد الطاقة. وهنا تكمن الحكاية، ان دول الاتحاد الأوربي ومن ورائهم الولايات المتحدة الامريكية يريدون الوصول الى الغاز القطري عبر انابيب تمتد من قطر المصدر الرئيسي للغاز، ومن ثم السعودية الأردن وسوريا ووصله مع مشروع تاناب في تركيا الذي سوف يصدر الغاز الى أوروبا.
حرب أنابيب الغاز في سوريا:
الموقع الجيوسياسي لبلد ما له تأثيرات على محيطه الإقليمي والدولي، وهناك عوامل أساسية في صناعة التوازن بين اللاعبين الاقليمين والدوليين، مثل العوامل العرقية، الدينية، التاريخية، الاقتصادية، الاجتماعية، والجغرافية. لأجل تحقيق هذا البلد لمصالحه الاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والسياسية.
خط انابيب الصداقة الاسلامي:
مشروع خط غاز طبيعي يمتد من حقل فاس جنوب غرب إيران، عبر العراق وسوريا والبنان وصولا الى أوروبا. ليمد المستهلكين في أوروبا وسوريا والعراق بالغاز.
مشروع خط انابيب غاز قطر تركيا الاتحاد الأوربي:
يهدف مشروع خط انابيب غاز قطر الى توصيل غاز قطر الى دول الاتحاد الأوربي، عبر المملكة العربية السعودية، الأردن، سوريا ثم الى تركيا.
في عام 2009 شهدت العاصمة السورية دمشق قمة بين فرنسا وقطر وتركيا مع الأسد، وعرضت هذه الدول على الأسد مشروع تمديد انابيب الغاز عبر الأراضي السورية الى تركيا ومنها الى أوروبا، لكن رفض بشار الأسد العرض لحماية مصالح حلفائه الروس والإيرانيين في سوريا. وبعد سنتين من رفض الأسد مشروع خط انابيب غاز قطر، وقع مع إيران عام 2011 اتفاقية تمديد خط انابيب من إيران مرورا بالعراق الى سوريا، ولبنان لتصديره الى أوروبا. الامر الذي فسره كثير من الباحثين ان التقارب المذهبي الشيعي بين النظامين كان الدور الأساسي في رفض المشروع القطري رغم تقديم قطر الى الحكومة السورية استثمارات ضخمة وأسعار منخفضة للغاز، وقبول المشروع الإيراني.
أدركت روسيا ان الدول الاوربية تعمل على سياسة تنويع مصادر الغاز للاستغناء عن الغاز الروسي، وأصبح التخلص من احتكار الغاز الروسي هدفا استراتيجيا في السياسة الامريكية والاوربية. لذلك تسعى الدول الأوربية الحصول على الغاز القطري اما من خلال إنشاء خط انابيب يربط بين قطر في تركيا. وبالنسبة الى قطر فان سوريا تمثل طريق لنقل الغاز بأسعار رخيصة الى السوق الأوربية، اما الولايات المتحدة فتساند انشاء خط الانابيب القطري لكونه سيشكل اداة مواجهة وتوازن مع إيران، وسيوفر ايضاً مصادر متعددة للغاز الى أوروبا بعيداً عن التأثير الروسي، كما ان خط انابيب قطر سيوفر لتركيا فرصة لتأمين مصادر متعددة لتلبية حاجاتها من الغاز بعيداً عن روسيا وسيعزز ذلك طموحات تركيا لتكون محطة محورية لنقل الغاز بين آسيا وأوروبا.
ومن خلال النظرة إلى الصراع في سوريا من تلك الزاوية، نجد أن التمسك الروسي بنظام الأسد يحقق مكاسب استراتيجية، تتلخص في قطع الطريق على مشروع نقل الغاز القطري إلى أوروبا عبر الأراضي السورية، ومنع تركيا من الحصول على أية منافع اقتصادية من مرور الغاز القطري عبر أراضيها إلى أوروبا والتي سوف تقلل من الاعتماد التركي على الغاز الروسي والايراني، وان وصول الغاز القطري الى السوق الاوربية سوف يكون ضربة قوية للغاز الروسي والإيراني , وسوف يزيد من حصة الغاز القطري في السوق الاوربية على حساب حصة الغاز الروسي, كما يسمح بقاء الأسد بوصول الغاز الإيراني إلى الموانئ السورية على البحر الأبيض المتوسط، إذ تسعى روسيا إلى إبرام عقود مع إيران طويلة الأمد، تتمكن من خلالها روسيا من تصدير الغاز الإيراني إلى أوروبا، على غرار العقود التي أبرمتها مع تركمنستان وأذربيجان للحصول على إنتاجها من الغاز بأسعار زهيدة، وإعادة تصديرها بالأسعار العالمية للدول الأوروبية.
Comments 1