أحمد مظهر سعدو
أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب إنهاء الإعفاءات التي كانت الولايات المتحدة قد سمحت بموجبها لثماني دول بشراء النفط الإيراني. بهدفش تحقيق (صادرات صفر) من الخام في هذا البلد، بحسب ما أعلن البيت الأبيض.
واعتبارا من مطلع أيار/مايو، ستواجه الدول الثمانية، ومن ضمنها الصين والهند وكوريا الجنوبية وتركيا، عقوبات أميركية إذا استمرت في شراء النفط الإيراني. وبحسب البيت الأبيض، ستعمل الولايات المتحدة الأميركية والسعودية والإمارات على ضمان تلبية سوق النفط العالمي.
هذا الإعلان الأميركي سوف يطبق قريبًا جدًا فأيار أصبح على الأبواب، ومن ثم فإن انتهاء فترة الاستثناء للدول التي تتمتع بالاستثناء فيما سبق قد باتت ناجزة. وهو ما يدعونا لطرح السؤال التالي: هل سينهار رأس الإرهاب الإيراني في قادم الأيام اقتصاديًا على الأقل؟ وهل يمكن أن يحصل ذلك ومن بعدها تتلوه أدواته؟ وإلى أي حد تريد الإدارة الأميركية فعلًا لا قولًا انهيار حكم الملالي في إيران؟
الأكاديمي اللبناني جميل حمود عميد كلية إدارة الأعمال والاقتصاد في جامعة رفيق الحريري في بيروت أكد لجيرون وبعد أن ” أعلن وزير الخارجية الأميركي بومبيو بالفعل عدم تجديد الاستثناء المعطى سابقًا لثمانية دول، 5 منها كانت لا تزال تستورد النفط الإيراني. يتوقع عمليًا انخفاض صادرات إيران النفطية من 1.9 إلى أقل من 1 مليون برميل يوميًا. لكن ستواجه الإدارة الأميركية صعوبات في تشديد عقوباتها التي تطال الاقتصاد الايراني، الذي بدأ فعلًا بالانزلاق نحو حال ركود عميقة يصحبها انخفاض كبير في قيمة العملة الإيرانية، وارتفاع حاد في الاسعار. ستجد الادارة الأميركية صعوبة في تحفيز الصين على التعاون في العقوبات نتيجة تأزم العلاقات التجارية بين البلدين وحاجة الصين للنفط. كما ستواجه الإدارة الأميركية تحد في اقناع الاتحاد الأوروبي، الذي يعمل على إيجاد آلية شرعية تتيح للشركات الأوروبية تجنب العقوبات في تعاملها مع إيران. يبقى أن نشير إلى أن إيران تعمل وستعمل على الالتفاف على العقوبات بوسائل عدة منها السوق السوداء والاستعانة بالحلفاء. لذلك”. وتوقع حمود ” اشتداد الضغط على الاقتصاد الإيراني، لكن ذلك لن يؤدي إلى انهيار في المدى المنظور. علمًا أن الإدارة الأميركية تبدو حتى الآن مهتمة بالضغط الهادف إلى التفاوض مع النظام الإيراني وليس تغييره.”
أما الباحث السوري عبد القادر نعناع أشار إلى أننا ” نتفق على أن النظام الإيراني، كأي نظام استبدادي، يحمل في بنيته مقومات انهياره، وما استمراره إلا عبر الأدوات القهرية العنفية التي تجعل من الانهيار مدويًا وكارثيًا على الدولة ومحيطها، ورأينا ذلك في النماذج العربية.
لكن مع حضور ما نسميه متغيرًا دخيلاً، وهو العقوبات الأميركية الجديدة وتصعيدها الحاد الأخير، فهي بنتيجة الأمر، ستؤدي إلى تآكل القدرة التسلطية/القهرية للنظام الإيراني، حيث سيفقد غالبية الأداة الاقتصادية القهرية، ولن يكون بإمكانه استرضاء مجتمع تدهورت معيشته إلى مستويات غير مسبوقة حتى إبان الحرب مع العراق، أي أن ما يحاول ترامب فعله مع إيران، هو شبيه بما فعله ريغان مع الاتحاد السوفييتي، من خلال دفع إيران إلى الانهيار من الداخل، ويبقى السؤال هل ترامب راغب بهذا السيناريو؟
لكن ذلك لا يعني أيضًا، أن الانهيار سيكون بمجرد تصعيد العقوبات، أو خسارة بعض المعارك السياسية والعسكرية، الانهيار ذاته لا يمكن توقعه بالضبط، لكن مقوماته باتت حاضرة، وهو بحاجة إلى ما يسمى “فرصة سياسية” وهي حدث قد يكون قليل الأهمية، لكنه على شكل فتيل أزمة تؤدي إلى انفجار عام (كما حصل مع حرق بوعزيزي لنفسه مثلًا). وهنا قد يكون ارتفاع حدة الفقر مع عقوبات حادة وارتفاع مستوى التسلط محفزًا لوجود (فرصة سياسية).
عدا عن أن إيران تضم كثيرًا مما يمكن أن يشكل فرصًا سياسية مقبلة، ومنها نشاط الإثنيات المناهض للسلطة، سلميًا وعسكريًا، إلى جانب أثر المشهد الإقليمي، فأي خسارة خارجية ستضاف إلى مبررات الانفجار الداخلي، أو حتى قرار تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، وما قد يترتب عليه من إشكاليات حتى داخل المؤسسات الإيرانية العسكرية والسياسية.
أما أدواته، فهي بطبيعة الحال مرتبطة به، أي الميليشيات، لكن حتى لو انهار النظام الإيراني فرضًا، فإن هذه الميليشيات المسلحة، قد يبقى بعضها في الفترة الأولى، عاملة على شكل عصابات مسلحة “مرتزقة وعصابات جريمة منظمة، وتحديدًا في سورية والعراق ولبنان واليمن، إلى أن يتم اجتثاثها أو تآكل قدرتها على العمل، وهو منوط بحكومات هذه الدول، أو أن تنخرط في مسارات سياسية محلية إن كان بإمكانها ذلك باستثناء سورية”.
لكن السؤال إلى أي حد تريد الإدارة الأميركية فعلاً لا قولاً انهيار حكم الملالي؟ فقال نعناع “
يبقى الفصل في ذلك، بيد الإدارة الدولية، الولايات المتحدة، إذ إن تفضيلات ترامب هي من يحدد مستقبل إيران، وتسويات الشرق الأوسط، وتوزيع المصالح الإقليمية. وكان ترامب واضحًا منذ اليوم الأول، لنهجه العالمي، تجاه الأعداء والأصدقاء، بأنه شخصية حادة التفاوض، لا يقبل سوى بمكاسب كاملة من الآخرين. أما بالنسبة لخصومه، فسياسته باتت ضمن الخيارين التاليين:
- خيار إجبار الخصم على تقديم تنازلات شاملة، ثم النظر في التعامل معه (كوريا الشمالية).
- خيار الدفع بالخصم إلى الانهيار الداخلي، مع الحفاظ على استمراره بغية جره إلى الخيار الأول أو دعم بديل له (فنزويلا).
ولن تخرج إيران من هذين الخيارين حتى الآن، ومما هو واضح فإن ترامب وضع إيران في الخيار الثاني حاليًا، على أمل نقلها إلى الخيار الأول.” وأضاف نعناع ” أما فرضية تفضيل ترامب لإحداث انهيار كامل في (الدولة الإيرانية)، فلا نرى ذلك حاليًا، حيث أن انهيار الدولة الإيرانية سيقود إلى حروب أهلية/داخلية، وأخرى إقليمية جديدة، على شاكلة ما جرى في يوغسلافيا. وإن كان هناك سيناريو تغيير للنظام مع الحفاظ على الدولة بشكلها المركزي أو بشكل لا مركزي، فإن ذلك سيكون عبر دفع جماعات فارسية معارضة (خلق مثلًا)، إلى أن تكون البديل عن نظام الملالي، لكن بعد ضمان مصالح الولايات المتحدة النفطية والاستثمارية في إيران. فرضية ثالثة ترى أن الولايات المتحدة تدفع باتجاه حرب عربية-إيرانية، ربما نشهد ذلك، لكن ليس الآن، بل بعد إعادة صياغة الشرق الأوسط “العربي، ليكون مؤهلًا لذلك، وإنجاز مسألة (السلام) مع إسرائيل”.
محمود أحمد الأحوازي الأمين العام لجبهة الأحواز الديمقراطية أكد لجيرون أن ” الإدارة الأميركية حتى الآن لم تعلن نيتها تغيير النظام الإيراني لسببين، أولًا تريد البقاء على حكم طائفي لاستمرار الصدام الطائفي في الشرق الأوسط، ثانيًا توسع هذا النظام خدم الأميركان تريليونات من الدولارات من عدة دول عربية وغير عربية بغية دفاع أميركا عنهم، أما النظام سيتفكك، فهذا محتمل جدًا وأحدث الدلائل، أولًا داخل إيران يغلي ومن كل الطبقات الاجتماعية والقوميات غير الفارسية، ثانيًا، استقدامه المليشيات غير الإيرانية تدل على إحساسه بالخطر وخصوصًا من الداخل ، و هناك احتمالات أخرى موجودة من الجيش فهو غير راضي من الحكم وقادة من الحرس أصبح لديهم تململ من سياسة الحرس نفسه وخامنئي، وهناك احتمالات أخرى بأن تسرع في زعزعة الاستقرار بعد التوقف الكامل عن تصدير النفط، وإذا نفذت سياسة تشبه ( النفط مقابل الغذاء) والأهم إذا الأميركان اتخذوا قرارًا ضد السلطة العراقية لتوقف التعاون مع إيران، والعراق أصبح رئة إيران للتنفس، وجسرها مع حلفائها وزبائنها لبيع النفط بعيدًا عن الإجراءات الأميركية.” وأضاف ” مازال الكثير مما يواجه إعادة تحسن الاقتصاد الإيراني حتى لو سمح لهم ببيع النفط، حيث كل أجهزة انتاج وتصديره تحتاج إعادة بناء كامل وهذا يحتاج ١٠ سنوات ومئات المليارات والوضع الاجتماعي الفعلي لن يسمح بهذا الوقت بدون تغيير”.
أما العقيد السوري المنشق أحمد الحمادي فقال ” لا أتوقع انهيار إيران، ولكن ستتضرر بشكل كبير، مما يجعلها تتخلى عن دعم أدواتها، وترضخ لبعض المطالب الدولية، لأن الشارع الإيراني سبق وأن ثار نتيجة الوضع الاقتصادي”. ثم أضاف “الولايات المتحدة قادرة على استخدام أساليب متعددة ومنها الاقتصادية لتمرير سياستها في المنطقة، ومشروع التموضع العسكري الإيراني في سورية مرفوض إسرائيليًا وبالتالي أميركيًا والممر البري الذي يتيح لإيران التخفي عن أنظار وسائط الاستطلاع لأنها ستمد أدواتها عسكريًا للمنطقة، كذلك مرفوض، وقد نشهد تحركًا عسكريًا باتجاه قطع الطريق من خلال عملية عسكرية في منطقة القائم البو كمال”.
أما المحامي السوري المعارض طارق غريبي فقال “وضعت العقوبات الأمريكية على إيران موضع التنفيذ في تشرين الثاني العام الماضي على أثر إلغاء الاتفاق النووي مع الإدارة الأمريكية التي اعتبرت أن الضغط الاقتصادي سيجبر إيران على عقد صفقة جديدة توقف بموجبها نشاطاتها النووية…و بالطبع فإن الحظر و العقوبات الاقتصادية و العسكرية الأخيرة والتي كان من أهم آثارها انخفاض صادرات النفط الإيراني إلى مليون برميل يوميا فقط بعد أن كان يصل قبل الحظر إلى 2.5 مليون برميل و تسعى الإدارة الأمريكية مجدداً لخفض الصادرات النفطية-التي تشكل المصدر الرئيس للدخل الإيراني -إلى مستوى الصفر.!
و بالتالي قطعت العقوبات الأمريكية على النظام الإيراني طريق الحصول على مليارات الدولارات (بلغت أكثر من عشرة مليارات منذ تطبيق الحظر /نوڤمبر 2018)و هذا ما ساهم بدوره بانخفاض قيمة عملتها إلى مستويات متدنية جداً” ثم قال ” لكن بالرغم من أن تلك العقوبات و الحظر الاقتصادي يشكل ضربات موجعة قد تكسر يمين نظام الملالي إلا أني لا أعتقد بأنها كافية للقضاء على رأس نظام الإرهاب العالمي إلا إذا اقترن ذلك بحراك و احتجاجات شعبية تملأ الشوارع الإيرانية لا سيما أن الاحتجاجات التي انطلقت منذ فترة ما زالت جذورها قابلة للنمو في الساحات و الشوارع الإيرانية…عندها سيتكامل إطباق الحصار على النظام من الخارج و الداخل و بالتالي فإن شُحّ الحالة الاقتصادية التي وصل إليها مؤخرا النظام الإيراني قد انعكس على مستوى دعمه لنظام الأسد لا سيما النفطي منه الذي تجلى واضحاً في الأيام الأخيرة بطوابير الوقوف على محطات الوقود في مناطق نفوذ نظام الأسد…و أعتقد أن وضع هذا الأخير سيزداد سوءاً إذا ترافق تطبيق(قانون سيزر) الخاص بمعاقبة النظام السوري مع التطبيق التام للحظر الأمريكي على إيران. إضافة إلى أن اعتبار الإدارة الأمريكية أن الحرس الثوري (الذي يسيطر على ثلث الاقتصاد الإيراني) منظمة إرهابية قد منع بدوره وصول شحنات نفطية تابعة لفيلق القدس إلى منظمات إرهابية كحزب الله ونظام الأسد.
و بالرغم من تلك الضغوط و العقوبات القوية التي تنتهجها الإدارة الأمريكية بحق نظام الملالي..إلا أننا لا نعتقد بوجود نيّة فعلية حقيقية لدى الإدارة الأمريكية لإزاحته أو تغييره و إنما هي مجرد(بروباغاندا)هدفها الحقيقي هو إجبار النظام الإيراني على وقف نشاطاته النووية التي لا تهدد الأمن القومي الأمريكي لكنها قد تهدد-بشكل أو بآخر-الأمن الإسرائيلي الذي دأبت الإدارات الأمريكية بالحفاظ عليه.! وهذه السياسة (عدم العمل بجدية على إسقاط العدو المفترض: نظام الملالي) بدت واضحة منذ تولي جورج بوش الابن رئاسة الولايات المتحدة بداية هذا القرن.”
أما الباحث الأحوازي جابر أحمد فقال ” نعم أميركا تسعى إلى إيصال النفط الايراني الصفر، وبما أن إيران اقتصادها وحيد الجانب، أي يعتمد على البترول فسوف تواجه أزمة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها، ولعل هذا الذي دفع وزير الخارجية الأميركي إلى القول إن هذه العقوبات هي الأقسى في تاريخ العقوبات، التي تفرضها أميركا، الأمر ليس عادي وسوف ينعكس آجلاً أم عاجلًا على سياسة النظام الإيراني من مواصلة دعمه للأنظمة الحليفة له مثل النظام السوري، وأيضًا للمليشيات مثل حزب الله وفاطميون وزينبيون”.
المصدر: جيرون