تتواصل المظاهرات في ريف دير الزور ضد سلطات الإدارة الكردية، حيث دعا ناشطون عديدون من أبناء ريف دير الزور عبر مواقع التواصل الاهالي للخروج للتظاهر تنديدًا بما وصفوه بـ(عنصرية «قسد» (قوات سوريا الديمقراطية) وتهميشها لمناطقهم وللمطالبة بحقوقهم وتحسين الأوضاع المعاشية في المنطقة، وكذلك ضد الاعتقالات التعسفية وسرقة النفط.
بداية انطلاق التظاهرات كانت من الريف الغربي قبل عدة ايام، حيث خرج ابناء بلدة محيميدة في مظاهرة امتدت نحو بلدة الحصان في 24 أبريل الجاري، احتجاجاً على الفساد وارتفاع أسعار المحروقات، ليتدخل عناصر الشرطة العسكرية و الدفاع الذاتي والآسايش التابعين ل «قسد» الذين قاموا بتفريق المظاهرة من خلال اطلاق الرصاص الحي في الهواء .
وفي اليوم نفسه، قام أهالي بلدة سفيرة تحتاني، بطرد عناصر الشرطة العسكرية والدفاع الذاتي والآسايش التابعين لـ «قسد» من القرية، وأشعلوا الإطارات وهتفوا ضد ممارسات «قسد» .وفي اليوم التالي، 25 نيسان/أبريل، توسعت رقعة الاحتجاجات ضد «قسد» لتصل الريف الشرقي، حيث قامت مظاهرة حاشدة للاهالي في مدينة البصيرة، بالتزامن مع إضراب عام داخل المدينة وقام التجار بإغلاق المحال التجارية احتجاجاً على ممارسات «قسد» في المنطقة .
ومن الريف الشرقي، إلى الشمالي، حيث خرج اهالي بلدة العزبة بمظاهرة ضد «قسد»، رد عليها عناصر «قسد»، بإطلاق النار في الهواء وتفريقها، وفي الريف الشمالي ايضاً خرج أهالي قرية معيزيلة في مظاهرة وشهدت أغلب المحال التجارية في قرى وبلدات الريف الشمالي إضراباً عاماً، المظاهرات طالت اغلب بلدات أرياف دير الزور، حيث تواصلت في قرية الدحلة والطيانة والحصين وضمان، والشنان و ماشخ والنملية وطيب الفال وغريبة ، والمويلح.
وبعد المظاهرات المتواصلة في بلدة محيميدة، حاولت «قسد» احتواء الموقف حيث اجتمعت قيادات كردية وعربية من «قسد» بالشيخ حاكم البشير، أحد شيوخ عشيرة البقارة وحضر الاجتماع ممثل المجلس العسكري التابع لقسد، أحمد الخبيل أبو خولة، بالإضافة لقياديين آخرين وهم خليل الوحش ومحمد الخليل وحاتم البوسعود، وتم من خلال الاجتماع التأكيد ان مطالب المحتجين ستنفذ على مراحل وان جميع مطالبهم محقة .وكان اللافت في هذه المظاهرات هو تنظيمها وسلميتها وتوحد شعاراتها في المناطق كافة، وعدم لجوء المتظاهرين للعنف نهائيا .
أسباب التظاهر
وتعود الأسباب التي دفعت بسكان ريف دير الزور للتظاهر لعوامل متعددة تتعلق بالادارة الأمنية والخدمية لقوات «قسد» ذات الهيمنة الكردية في مناطق ذات أغلبية عربية عشائرية، ففي مطلع عام 2018 أحكمت «قسد» سيطرتها على أغلب ارياف محافظة دير الزور الواقعة في شرق الفرات (جزيرة)، ولم يتبق لها آنذاك سوى جيب صغير مكون من بلدات هجين والسوسة والشعفه والباغوز، كان يتحصن فيه عناصر تنظيم الدولة، قبل أن تسيطر «قسد» على الباغوز، آخر المناطق التي كانت ضمن هذا الجيب. وعلى الرغم من مضي نحو عام على إتمام «قسد» سيطرتها على غالبية مناطق أرياف دير الزور، الا ان قواتها واجهت انتقادات من السكان المحليين، بأنها «لم تقم بأعمال كافية على صعيد تحسين حياة سكان المنطقة».
فعلى صعيد الخدمات، ظلت غالبية محطات المياه متوقفة، وبعض المحطات تم تشغيلها بمبادرات من الأهالي أنفسهم وليس من قبل المجلس المحلي التابع للإدارة الذاتية او ما يعرف بـ» مسد» ، وحسب سكان محليين في دير الزور تحدثت اليهم «القدس العربي»، فإن قرى الريف تعاني من ندرة المدارس اذ ان غالبية المدارس تمت إعادة تأهيلها عبر تبرعات الاهالي، حتى ان بعض هذه المدارس هي عبارة عن غرف طينية بدائية، حيث يفترش الأطفال الارض خلال الدروس وبعض المدرسين يقومون بالتعليم بالمجان، وآخرون بقيم رمزية.
أما في المجال الصحي، الذي يعتبر بدائياً في مناطق قسد، فإن غالبية المشافي الخاصة في المنطقة تفتقر للأطباء والنظافة، حسب السكان ، عدا عن هذا فأن هذه المشافي تعتبر بغالبيتها تجارية بحتة، عدا عن الأخطاء الطبية التي ذهب ضحيتها عدة مرضى، آخرهم كان الطفل عبد الرحمن العطوان البالغ من العمر عامين، وهو من أبناء بلدة سفيرة تحتاتي وقد قضى إثر خطأ طبي في مشفى الكسرة، حيث تعرض لجرعة زائدة من المخدر أثناء إجراء عمليه له في لسانه والحادثة وقعت منذ ثلاثة ايام فقط .
وبالنسبة للكهرباء، فيصفها الناشطون الذين تحدثنا اليهم بـ «المعدومة» على الرغم من وجود حقل العمر النفطي وحقل كونيكو للغاز، اكبر حقول سوريا النفطية والغازية، اللذين كانا يغذيان غالبية محافظة دير الزور بالكهرباء، قبل ان تقوم «قسد» بتفكيك بعض محتويات هذين الحقلين ونقلهما لمناطقها الكردية في شمال سوريا، ومؤخراً ظهرت في دير الزور ازمة محروقات خانقة، ادت لارتفاع اسعار المحروقات نتيجة قيام «قسد» بنقل النفط المستخرج من ابار دير الزور نحو مناطقها في الشمال ونحو مناطق النظام، حيث تبيعه «قسد» للاخير عبر مجموعة القاطرجي، عمليات البيع هذه أدت لارتفاع أسعار النفط الذي يشتريه التجار الصغار من ابناء دير الزور ويبيعونه لأصحاب الحراقات البدائية (المورد الرئيسي للمحروقات في المنطقة) مما ادى لارتفاع في اسعار المحروقات للسكان، مما احدث ضجة كبيرة لدى اهالي المنطقة الذين يعيشون على بحـر من النفط.
ويتحدث الناشط الميداني زين العابدين العكيدي عن الوضع الامني، فيقول» تعاني المنطقة الخاضعة لقسد من فلتان أمني غير مسبوق حيث تنتشر حوادث السلب والنهب علنا في المنطقة ولايمر يوم الا وتقع فيه عملية سطو مسلح، بل ان غالبيه منفذي العمليات ينفذونها بزي عناصر قسد، وفي يوم الجمعة الماضي قتلت سيدة من أبناء بلدة سويدان جزيرة بريف دير الزور الشرقي، في منزلها برصاص عصابة سرقة، أثناء محاولتهم السطو على منزل زوجها».
كما ان خلايا تنظيم الدولة، تستهدف بعمليات شبه يومية حواجز قوات «قسد» وارتالها في دير الزور، ويقول الناشط العكيدي ان قوات «قسد» ترد بعمليات اعتقال تطال العشرات من أبناء المحافظة على مدار كل اسبوع، أمام عجزها عن مجابهة هذه العمليات، وقد تنتهي عمليات المداهمات بالقتل، ويضيف العكيدي «آخر تلك الحوادث كانت الجريمة التي ارتكبتها قوات مخابرات «قسد» بدعم من قوات التحالف في قرية ضُمان قرب مدينة البصيرة، فجر الخميس الماضي 25 نيسان/أبريل، حيث قامت «قسد» وعناصر من التحالف الدولي، بقتل عائلة كاملة مكونة من الحاج فرحان مظهور السرحان وولديه أدهم وحماد وزوجة ابنه الحامل من خلال عملية مداهمة شارك فيها طيران التحالف وقوات برية تابعة لمخابرات »قسد»، استهدفت منزلهم في قرية ضُمان بالقرب من مدينة البصيرة، علماً أنهم مدنيون ولم يشاركوا بأي عمل عسكري سواء مع تنظيم الدولة أو الجيش الحر او أي فصيل آخر، وللآن لم تبرر «قسد» فعلتها تلك التي أثارت ضجة في عموم مناطق دير الزور وأدت لخروج أهالي قرية ضمان بمظاهرات حاشدة منددين بجريمة قسد هذه».
استغلال المظاهرات
ومن المنتظر أن يحاول النظام الاستفادة من هذا الغضب المتصاعد ضد «قسد»، في منطقة يعمل النظام على استعادتها فور خروج الأمريكيين منها، ووصف إعلام النظام السوري المظاهرات بأنها ضد «الاحتلال الكردي والأمريكي»، وأنها «تطالب بدخول الجيش السوري»، فيما حاول آخرون تحويلها لصبغة عشائرية عبر الترويج بأن أهالي عشيرة البقارة (عشيرة نواف البشير، احد شيوخ البقارة المتحالفين مع النظام) قد هبوا ضد الكرد منادين بدخول الجيش السوري، وفي الحقيقة أن أغلب المتظاهرين هتفوا ضد نظام الأسد وضد «قسد» في الوقت نفسه، كما نددوا بالوجود الإيراني والروسي في سوريا، فيما انتقد اعلاميو «قسد» هذه المظاهرات بحجج عديدة، منها ان المنطقة محررة حديثاً وقال آخرون، إن الاهالي لم يتجرؤوا على التظاهر ضد تنظيم الدولة سابقاً، و» بعد ان حررتهم قسد يتظاهرون ضدها»، وذهب بعضهم إلى أن هذه المظاهرات ان استمرت قد تتحول للعمل المسلح ضد «قسد» وتتفاقم المشكلة أكثر .
المصدر: القدس العربي