هند عبد الحميد
في الثالث والعشرين من (يناير/كانون الثاني)، خرجت قطاعات من الشعب الفنزويلي مطالبين الجيش بدعمهم لتنحية الرئيس الحالي المنتخب “نيكولاس مادورو”، وتنصيب حكومة انتقالية حتى إجراء انتخابات حرة بالبلاد. وتبع الإعلان مظاهرات حاشدة في العاصمة “كاراكاس”، ومصادمات بين المؤيدين لـ “غوايدو” والمعارضين له، ولم يكن حال المجتمع الدولي أقل اختلافًا، حيث انقسمت الحكومات الدولية حول تأييد كلًا من غوايدو ومادورو، بينما ظهرت تساؤلات عديدة حول الدور الذي تلعبه الولايات المتحدة في فنزويلا الآن بعد أن سارع الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالاعتراف بـ “غوايدو” رئيسًا رسميًا للبلاد، وكيف يمكن أن تخرج فنزويلا من هذا الانقسام دون مزيد من الأزمات الاقتصادية والسياسية العميقة التي تضربها بالفعل منذ عقود.
وهو الأمر الذي تصاعد في الداخل الفنزويلي وصولا للمحاولة الأخيرة التي وصفها مادورو بالانقلابية، والتي قادتها الولايات المتحدة برعاية جون بولتون، على حد وصف مادورو، سعيا من سياسيي واشنطن لتنصيب زعيم المعارضة غوايدو، وهي الأحداث التي يبدو أنها لن تقف عند حدود هذه المحاولة في ظل التعقيدات الداخلية والخارجية التي تطال المشهد في فنزويلا.
تأسيس: كيف وصلت الحالة الفنزويلية إلى هذا الحد؟
بدأ الاقتصاد الفنزويلي في الانهيار المتتالي قبل عدة سنوات من تولي الرئيس الأسبق “هوجو تشافيز” الحُكم في أواخر التسعينات(1). فبعد أن كان الاقتصاد الفنزويلي متألقًا سواء بين دول أمريكا اللاتينية أو عالميًا في ثمانينات القرن الماضي وما قبلها، كانت السياسات الاشتراكية التي اتبعها تشافيز محليًا -في وقت تحتضر فيه الاشتراكية عالميًا- قد أضرت بالاقتصاد الفنزويلي أكثر مما نفعته. وإلى جانب التراجع العالمي في أسعار النفط الذي يقوم عليه الاقتصاد الفنزويلي بشكل شبه كلي، ثم الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008، أصيب الاقتصاد الفنزويلي بضربة حادة ارتفعت على إثرها معدلات التضخم الاقتصادي بشكل كبير، وارتفعت معها معدلات البطالة والفقر في كافة أنحاء البلاد.
استمر انهيار الاقتصاد الفنزويلي مع تولي مادورو السلطة بعد موت تشافيز عام 2013، حيث بدأت آثار أزمة 2008 العالمية بالظهور في أولى سنواته في الحُكم، ونالت من أسعار النفط لتنخفض باستمرار مُصيبة الاقتصاد الفنزويلي بحالة من الركود شبه التام، مما فاقم من المشكلات التي يعاني منها الفنزويليون بالفعل. وللدلالة على ما حدث يكفي معرفة أن سعر الدجاجة الواحدة الآن في أسواق فنزويلا المحلية يتجاوز الـ 14.5 مليون بوليفار فنزويلي (البوليفار هي العملة المحلية)، وهو رقم يكفي لتصور حجم معدلات التضخم والحالة التي يعيشها الداخل الفنزويلي منذ أكثر من أربع سنوات.
وبالرغم من محاولاته الحفاظ على إرث سلفه “تشافيز” في استمرار سياسات دعم السلع والخدمات والحد من الفقر(2)، فإن محاولات “مادورو” للتغلب على التضخم الاقتصادي بطبع المزيد من “البوليفار” لم تتسبب سوى بالمزيد من التضخم كما هو متوقع. وإضافة للأزمات التي بدأت تعصف بشركة النفط الأكبر في فنزويلا والمملوكة للدولة “PDVSA”، منذ عهد تشافيز، نتيجة لتعيين قيادات من الجيش على رأس الشركة واتباع السياسات الاشتراكية في إدارتها، فإن فنزويلا كانت على حافة الهاوية الاقتصادية عندما أُعيد انتخاب “مادورو” من جديد في مايو/أيار للعام الماضي 2018، بفارق ضئيل عن منافسه في انتخابات اعتبرتها واشنطن “مزورة”، لتبدأ الأزمة الاقتصادية الداخلية الفنزويلية في التحول لأزمة سياسية محلية وعالمية.
وخلال الفترة الأولى من حكمه، ارتفعت أعداد المهاجرين من المحرقة الفنزويلية إلى أكثر من ثلاثة ملايين يتركز أغلبهم في دول الجوار(3)، بينما هاجر من يمتلكون إمكانات أكبر إلى الولايات المتحدة وإسبانيا وبعض دول أوروبا، وارتفعت كذلك معدلات التضخم لتصل إلى ما يُسمى بـ”التضخم الجامح” الذي تجاوز المليون في المائة العام الماضي، مُتسببًا في ارتفاع هائل في أسعار السلع والخدمات كما ذكرنا، وهو ارتفاع لم يُفلح معه بطبيعة الحال رفع الحد الأدنى للأجور بنسبة 150%(4)، وهو رفع أقره “مادورو” في نوفمبر/تشرين الثاني المنصرم، محاولًا التقليل من حجم الأزمة، لذا لم يكن مُستبعدًا أن يُثير انتخابه من جديد امتعاضًا داخليًا بين عامة الفنزويليين، وكان السيناريو الأكثر ترجيحًا هو انقلاب عسكري بمساعدة أمريكية غير مباشرة، لكنه لم يكن متوقعًا أن يُعلن رمز المعارضة إزاحة الرئيس المنتخب وتولي السلطة بدلًا منه فضلًا عن الحصول على دعم دولي.
ليس ثمة الكثير مما يمكن قوله عن رمز المعارضة الحالي في فنزويلا، والرئيس المعترف به أمريكيًا، فالشاب ذي الـ 35 عامًا، والذي أنهى تعليمه في الهندسة الصناعية بفنزويلا قبل أن يسافر لاستكمال الدراسات العليا بجامعة واشنطن الأمريكية، ثم عاد لدراسة إدارة الأعمال في إحدى مدارسها الخاصة بفنزويلا، لم يكن ذلك الشاب معروفًا من قبل لدى الكثيرين، خارج فنزويلا على الأقل.
كان هذا قبل أن يبدأ “غوايدو” نشاطه المعارض لحكم “مادورو” على رأس حزب “الإرادة الشعبية”، وهو حزب أسسه عام 2009 مع زعيم المعارضة وعرابه “ليوبوردو لوبيز”(5)، وقد اُعتقل “غوايدو” على إثر نشاطه المعارض أكثر من مرة خلال حكم كلٍ من تشافيز ومادورو، كان آخرها قبل أيام قليلة من إعلانه الأخير بتنصيب نفسه رئيسًا للبلاد.
لكن القصة الأشهر عن “غوايدو”، والتي ربما سلكت به طريقه نحو معارضة الحكومة الآن، هي تلك التي حدثت قبل أكثر من عقدين عندما دمرت الفيضانات مدينة “غوايرا” بالكامل، وهي المدينة التي كان يحيا بها غوايدو مع عائلته، حاصدة في طريقها عشرات الآلاف من الأرواح قبل أن تنتبه الحكومة الفنزويلية حتى لما يحدث. ويبدو أن تلك الحادثة هي التي شكلت ما أصبحت عليه الآن شخصية غوايدو المعارضة للحكومة، والراغبة في إنهاء “دكتاتورية مادورو” كما أسماها.
بدأ نجم غوايدو في السطوع بالداخل الفنزويلي وخارجه بعد انتخابه نائبًا في الجمعية الوطنية “البرلمان”، والذي سيطرت عليه المعارضة منذ عام 2015، مُثيرة بذلك حنق “مادورو” بسبب مساعيها المستمرة للتحقيق في قضايا الفساد الحكومية(6)، وهي مساعي قاد غوايدو بعضها حتى انتخابه في الخامس من يناير للعام الماضي رئيسًا للبرلمان ولأحزاب المعارضة بالتبعية، ليتحول بعد ثلاثة أسابيع من رئيس المعارضة إلى رئيس للدولة بعدما أقسم اليمين الدستورية معلنًا تنصيب نفسه رئيسًا للبلاد..
الساحة الآن.. من يدعم من؟
انقسمت فنزويلا بين تأييدها لـ “مادورو” أو لـ “غوايدو”، وحدث الأمر ذاته عالميًا مع انقسام بعض الحكومات حول القرار الذي اتخذه غوايدو خاصة مع التأييد السريع الذي ناله من واشنطن. وفي الداخل الفنزويلي بدأت الاحتجاجات في الاشتعال بين مؤيدي كلا الطرفين في شوارع العاصمة كاراكاس، أما دوليًا فقد دعى الرئيس المنتخب للتنحي بدعوى كون الانتخابات السابقة مزورة، وأنه قد حان الوقت لإجراء انتخابات جديدة حرة ونزيهة.
وفي المقابل أعلنت روسيا تأييدها لـ “مادورو”، وحذرت واشنطن مما أسمته “العواقب الكارثية”(7) إذا ما تدخلت الأخيرة عسكريًا لصالح المعارضة لإنهاء حكم “الرئيس الشرعي الحالي” كما أطلقت موسكو عليه، أما بكين فقد اتبعت سياستها المعتادة بضبط النفس داعية لوقف التدخل الخارجي في الشؤون الفنزويلية(8).
على كلٍ، نال مادورو إلى جانب التأييد الروسي تأييد ودعم كلًا من تركيا وبوليفيا وكوبا والمكسيك وإيران، بينما وقفت خلف الولايات المتحدة كل من كندا والبرازيل والأرجنتين وتشيلي على رأس قائمة أخرى تضم 11 دولة تدعم زعيم المعارضة، بينما أتت ألمانيا متأخرة ومُعلنة ظهر اليوم اتباعها نهج الإدارة الأمريكية وترامب في تأييد غوايدو إن لم تتم انتخابات أخرى (9).
لا يمنح وقوف واشنطن إلى جانب المعارضة عالميًا الكثير من الطمأنينة في الداخل الفنزويلي، خاصة مع بقاء شركة النفط الكبرى بقادتها الأوفياء في جعبة الجيش، وهو الكيان الوفي بدوره حتى الآن لـ “مادورو، لكن ذلك قد يتغير بين ليلة وضحاها إن أحس قادة الجيش بخطر يهدد مكتسباتهم المالية من بحر الذهب الأسود الفنزويلي، فلا يخفى على أحد المحادثات التي جرت بين الإدارة الأمريكية الحالية وبين قادة الجيش الفنزويلي العام الماضي بهدف إزاحة مادورو من الحُكم وقتها(10)، ويبدو الطموح الأمريكي المستمر بالتخلص من مادورو مثيرًا لتساؤلات عدة، على رأسها إن كان الأمر برمته مدبر من واشنطن لإزاحته عن طريق انقلاب سياسي ناعم، وإن كان الأمر أيضًا حلبة جديدة للمواجهة بين أميركا وروسيا في الملف اللاتيني، لكن السؤال الأهم يبقى عن مدى ما يمكن أن تفعله واشنطن للتخلص من مادورو، وهل تستطيع إقناع قادة الجيش بانقلاب عسكري خشن أم لا.
آخر التطورات: واشنطن أم موسكو.. من يكسب الرهان؟
تدفع الإدارة الأمريكية رجال مادورو للتخلي عنه بطريقة أو بأخرى، بداية من التهديد بالمزيد من العقوبات، وليس انتهاءً بفرض عقوبات على صادرات النفط الفنزويلي كخطوة أخيرة كما يقول السيناتور الأمريكي ريتشارد دوربين (11)، والتي ستدفع، ليس فقط رجال مادورو، بل فنزويلا بأكملها لحافة الهاوية، نظرًا لأنها تهدد حياة الفنزويليين أنفسهم كون النفط هو العنصر شبه الوحيد الذي يقوم عليه اقتصاد البلاد الآن. لكن هذه الخطوة تُشكل تهديدًا آخر لدافعي الضرائب الأمريكيين، ما يجعلها موضع تردد داخل البيت الأبيض نفسه (12)، إذ تستورد الولايات المتحدة ما يُقارب 500 ألف برميل من النفط الخام الفنزويلي يوميًا، وهو ما سيُسبب ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار إذا ما انقطع ذلك الوارد نتيجة عقوبات واشنطن المحتملة.
ليست أمريكا وحدها التي تنظر إلى مصالحها بعين الاعتبار حينما يتعلق الأمر بفرض عقوبات على النفط الفنزويلي، فموسكو على الجانب الآخر لن تتخلى عن حليف استراتيجي يمكث على بُعد ساعتين ونصف فقط من الأراضي الروسية، ويمدها بالنفط الخام الذي تستثمر فيه المليارات سويًا، أما بكين، والتي يبدو أنها على وشك التخلص من سياسة ضبط النفس لصالح الدفاع عن حليفها “مادورو” في فنزويلا، فهي الآخر ستخسر ما يُقارب الـ 65 مليار دولار بمجرد اعترافها بعدم شرعية مادورو، كما يقول “موسى نعيم” الخبير في الشأن الفنزويلي بمركز كارنيغي للدراسات(13).
لذا لم يكن مُستبعدًا إعلان روسيا دفاعها عن مادورو حكومة إذا ما دعت الولايات المتحدة حلفائها في مجلس الأمن لدعم “غوايدو” ضمن الجلسة التي ستُعقد غدًا والتي طلبت الأخيرة عقدها (14). لكن ما لم تُعلق موسكو بشأنه هو ما توارد عن وجود ما يقرب من 400 من العسكريين السابقين والمرتزقة المحسوبين على النظام الروسي والذين استقبلتهم فنزويلا منذ الأسبوع الماضي (15)، أو بمعنى أدق، استقبلهم مادورو نفسه للقيام بمهام حمايته من المتمردين في الخارج أو في داخل جهازه الأمني من المتعاطفين مع المعارضة، كما أوردت وكالة “رويترز” حصرًا.
لا يتوقف كتاب الألعاب الأمريكي عن إظهار حيله، ففيما عينت الإدارة الأمريكية أحد دبلوماسييها السابقين، والرجل الذي طالما دعى لـ “دور أمريكي ناشط عالميًا”، إليوت إبراهام، لإدارة الجهود الدبلوماسية الأمريكية الخاصة بفنزويلا، تبحث من ناحية أخرى عن كيفية السيطرة بشكل قانوني على إدارة شركة النفط الفنزويلية المملوكة للدولة، والتي تعد إحدى أهم شركات PDVSA في الخارج، والمعروفة باسم “Citgo” والتي تقترب قيمتها السوقية من العشرة مليارات دولار.
ترغب واشنطن في أن تذهب العائدات الضخمة للشركة لدعم المعارضة التي يقودها غوايدو، وفيما أعلن مادورو أنه سيدافع بكل الطرق الممكنة عن الشركة المملوكة للدولة، تبدو إدارة الشركة في حيرة من أمرها، فرئيس الشركة “أذدروبال تشافيز” ابن عم الرئيس السابق تشافيز، قد اُستدعى إلى كاراكاس للاجتماع مع مادورو، بينما سافر نائبها إلى واشنطن للنقاش حول مستقبلها المبهم في الخلاف بين الرئيسين الفنزويليين الحاليين، وبين صراع القوى العالمي حولها.
لا تبدو الأمور في الداخل الفنزويلي أقل إبهامًا من خارجها، ففيما يتبادل كلا الرئيسين الاتهامات علنيًا في خطابات مفتوحة للجماهير، دعا مادورو خصمه إلى إجراء المحادثات حول مستقبل البلاد (16)، دعوة بدت كخطوة للوراء قابلها غوايدو بالرفض بقوة قائلًا إن “الكوكب بأكمله يقف ورائه للإطاحة بديكتاتورية مادورو”، وأنه لن يقبل إلا بحوار حول انتخابات مقبلة حرة ونزيهة.
لا يبدو أن الحالة الشائكة التي يقف فيها غوايدو؛ مدعومًا خارجيًا من قوى دولية تقف واشنطن على رأسها، لا تبدو تلك الحالة طارحة لكل الحلول لأجل إيقاف مادورو كما أعلن ترامب مؤخرًا، ودون قوى داخلية ذات تأثير قد تمنحه إعلانه عن نفسه رئيسًا للبلاد حقًا شرعيًا في الاستمرار، لا يُشكل هذا على ما يبدو مصدرًا من مصادر القلق لغوايدو الذي لم يخش الإعلان عن قدرته على منح الرئيس مادورو ورجاله “عفوًا عاما” إذا ما قرروا الخروج من السلطة ودعمه (17)، هذا فيما يناقش تعيين مجلس إدارة جديد لشركة Citgo، دون أن تكون لديه، باستثناء الدعم الأمريكي له خارجيًا، السلطة الداخلية الكافية لاتخاذ هكذا قرار أو لطلب الدعم المادي من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد الدولي (18). يزيد هذا من حالة الذعر الداخلية التي يحياها الفنزويليين دون أن تكون لدى أحد داخل فنزويلا أو خارجها أية فكرة عما قد يحدث تاليًا، ولأجل صالح من ستؤول الأمور في نهاية المطاف، وبأية خسائر قد يتم هذا.
استشراف
على الرغم من أن الأوضاع في فنزويلا الآن تبدو ملتبسة إلى حد كبير، فإن الأنظار جميعها تتجه في الداخل حول القرار الحاسم الذي ستتخذه المؤسسة العسكرية التي تُسيطر على كل شيء تقريبًا في فنزويلا، كونها الكيان الوحيد القادر على إزاحة أحد الطرفين وتثبيت الآخر أيًا كان الدعم الدولي لأيهما. وبينما أمّن مادورو جانبه تحسبًا لهذه الخطوة منذ توليه الحكم، عندما منح قادة الجيش مناصب واسعة ونافذة في كافة أنحاء الدولة، فإن أحدًا لا يدري عن نتيجة المحادثات المذكورة بين المؤسسة الفنزويلية العسكرية وبين واشنطن، وإن كان الميل يتجه إلى أنها لم تسفر عن مكاسب حاسمة للعاصمة الأمريكية، كون أن مادورو بعدها واصل سفراته الخارجية بحرية وباستمتاع كزيارته الأخيرة لتركيا، لكن ذلك الترجيح لا يعني أنه من المستبعد ميل أساطين السلطة العسكرية الفنزويلية لصالح غوايدو في أي وقت، خاصة إن استمرت الاحتجاجات التي قد تمس مصالحهم الاقتصادية كما ذكرنا.
يرجح ذلك التوجه ما بدأه الكولونيل جوزيه لويس سيلفا، الملحق العسكري لسفارة فنزويلا في واشنطن، كشرارة عندما أعلن سابقا انشقاقه عن نظام مادورو، واعترف بجوان غوايدو رئيسًا حاثًا زملائه من العسكريين بالجيش الفنزويلي على اتخاذ نفس الخطوة والتوقف عن الاعتراف بمادورو رئيسًا للبلاد.
أما في الخارج، فيظل التساؤل حول الحد الذي قد تذهب إليه إدارة ترامب لإزالة نظام مادورو، ففيم قد ينتهي الأمر إلى المزيد من العقوبات الدولية، كما حدث مسبقًا مع النظام الإيراني، وبينما أعطى قادة الاتحاد الأوروبي مادورو إنذارًا لإجراء انتخابات في أقرب وقت أو الاعتراف بغوايدو رئيسًا، فإن التحركات العسكرية تجاه فنزويلا لا تبدو هي الأخرى مستبعدة، خاصة مع الإعلان السابق لـ ترامب حول إمكانية الوصول لحل عسكري(19) إذا لم تُفلح سواه في حل الأزمة الفنزويلية، وهو اتجاه لن يمانعه بالتأكيد صقور واشنطن الحاليين الذين يفضلون القبضة العسكرية الأمريكية لحل المشكلات السياسية المربكة وتغيير الأنظمة، كمستشار الأمن القومي “جون بولتون”، ووزير الخارجية “مايك بومبيو”.
على أي حال، فإن المزيد من الدماء قد تسيل في كاراكس وما عداها من مدن فنزويلية أخرى إذا لم تصل الأزمة السياسية والاقتصادية لنهاية دبلوماسية، لكن النهايات الدبلوماسية المطروحة تتضمن في معظمها تمكين المعارضة هناك من السلطة وبالتالي اختراقهم لملف اقتصاد الجيش الفنزويلي، وهو ما لن يسمح به على الأرجح القادة العسكريون الفنزويليون، إلا لو توصلوا لاتفاق يمكن تأمينه دوليًا يضمن لهم الحفاظ على مكتسباتهم وإبعاد يد المعارضة عنهم، حينها وعلى أرجح الاحتمالات فلن يترددوا في الإطاحة بـ مادورو لفرض الاستقرار على العاصمة، وفي كل فإنه وحتى استتباب الأمور لأحد الطرفين فإن مادورو مازال مستمرًا في منصبه بفضل دعم نخبة عسكرية واقتصادية أشرف على تكوينها بنفسه في سنواته السابقة تحسبًا لسيناريوهات شديدة التمرد كما يحدث الآن.
المصدر: الجزيرة نت
Comments 2