أحمد مظهر سعدو
بات الحديث مؤخرًا عن سورية أضحت من أخطر دول العالم بالنسبة للعاملين في المجال الصحي، حيث تُستهدف المشافي، والمستوصفات، والمراكز الصحية، وكل من يعمل في صحة الناس ومحاولة معالجتهم. وتساءل الطبيب (فيليب دو بوتون)، رئيس (أطباء العالم): «كيف لا يمكننا القبول بأن سورية أخطر بلد بالنسبة للعاملين في المجال الصحي مع مقتل 100 من العاملين في 2018؟». وأضاف: «حاليًا 70 في المائة من الهجمات على العاملين في المجال الصحي في العالم تقع في سورية».
جيرون وجهت السؤال لبعض الأطباء والعاملين في المجال الصحي الإنساني: كيف يقيمون حالات انتهاك وتدمير المراكز الصحية وقتل العاملين فيها ؟ ومن ثم كيف يصمت العالم أجمع عن مثل هذه الجريمة الممنهجة، بينما يرى القصف السوري والروسي المجرمين على المراكز الصحية، لتصل النسبة إلى هذا الحد المذهل؟ وما ماهية الرد لديكم كعاملين في المجال الصحي المفترض أن تكون؟
الطبيب جواد أبو حطب والرئيس المستقيل في الحكومة السورية المؤقتة أكد لجيرون أنه ” منذ بداية الثورة السورية في عام 2011 تم استهداف الأطباء والطواقم الطبية، حيث سقط أول شهيد طبيب بتاريخ 21 آذار/مارس 2011 والفريق الطبي المرافق له في درعا. بعدها بدأ النظام باعتقال أي طبيب يساعد المتظاهرين، وأي طبيب يقوم بمعالجة الجرحى من المتظاهرين، حيث كان يقابلهم بالرصاص. قام الأطباء في مشفى المواساة بالإضراب ردًا على اعتقال الجرحى من المتظاهرين من المشافي وغرف العمليات مع الأطباء الذين يعالجونهم، وكان الرد من الأجهزة الأمنية باعتقالهم جميعًا مع سلبية موقف وزارة الصحة ونقابة الأطباء من ذلك. بعدها لجأ الأطباء إلى إنشاء المشافي الميدانية، والتي بدأت من الجنوب وانتشرت إلى الشمال وهنا انقسم الأطباء إلى قسمين قسم مع الثورة، وقسم مع النظام في بداية عام 2012. وهنا بدأ انتشار المشافي بالمناطق التي سيطر عليها الثوار أو حاصرها النظام “.وأضاف أبو حطب ” كان النظام يفتخر بقصفه للمشافي، وذلك من خلال تصريحات إعلامية، وبعد توسع الأراضي المحررة التي بدأت تشكل 70% أصبحت المشافي الموجودة بالمحرر هي من تخدم الشعب السوري سواء للجرحى أو للرعاية الصحية، وقام النظام بقصفها، مع العلم إن هذه المشافي كانت تخدم 80% من المدنيين و20% من الإصابات الحربية، وبالتالي أخرج الرعاية الصحية على مساحة سورية من الخدمة، لفقدان معداتها وعدم القدرة على استيراد بدائل لها، فانتشرت بعض الأمراض الوبائية وتعطلت معالجة الأمراض المزمنة والأورام والتشوهات الولادية ورعاية الطفولة والأمومة والأسرة، مع العلم فإنه خلال السنوات الماضية وحتى اليوم قامت المشافي الميدانية بمعالجة 2 مليون جريح معظمهم من المدنيين ، وانخفض عدد الأطباء والكوادر الطبية نتيجة استهدافهم بالقتل أو الاعتقال أو اضطرارهم للهجرة خارج سورية، حيث انخفض معدل الأطباء حيث كان لكل 700 مواطن طبيب، والآن أصبح لكل 4500 مواطن طبيب، أما عدد الكوادر الطبية فهي 11 لكل 10000 مواطن، مع العلم إن الحد الأدنى يجب ألا يقل عن 24، وتعطلت اختصاصات جراحة القلب والقثطرة والأورام والترميمية وغيرها “. ثم قال ” قدمنا الكثير من التقارير الرسمية التي توثق التعدي على طواقمنا الطبية للمنظمات الدولية، وأخرجنا الكثير من الإصابات بالكيماوي ابتداءً من الغوطة عام 2013 وأيضًا التي حصلت بالشمال في سراقب وخان العسل وخان شيخون والكثير من المناطق، لكن للأسف لم يكن هناك أي مواقف جدية من المجتمع الدولي، لقد استخدم النظام السلاح الكيماوي والسارين الذي هو أقسى أنواع هذه الأسلحة شدة واستخدمها بأمكنة متعددة وأزمنة متفرقة، ومع ذلك وبالرغم من إرسال التقارير التي تؤكد ذلك من المنظمات المحايدة، لم يقم المجتمع الدولي باتخاذ أي موقف. نحن مستمرون بالعمل الطبي بخدمة أهلنا وبدأنا بالتعليم الطبي سواء بالمعاهد أو كلية الطب بجامعة حلب الحرة لتعويض النقص. وسنظل نرسل التقارير للدول الصديقة والشقيقة للوقوف معنا من أجل إيقاف هذا الإجرام ضد شعبنا وضد الطواقم الطبية التي هي جزء من هذا الشعب”.
أما الإعلامية السورية فرح عمورة والعاملة في إحدى المنظمات السورية المعنية بالشأن الصحي فقالت ” من المؤكد أنه ومنذ بداية الحرب التي شنها النظام السوري على الشعب السوري الحر، والتي لا تنتمي ولا حتى لقانون الغاب، فقد تخللتها انتهاكات فاضحة لجميع قواعد القانون الدولي الإنساني، منها قاعدة التقيد بجمع الجرحى والمرضى وتقديم العناية، والحفاظ على أفراد الخدمات الطبية والمؤسسات الطبية ووسائل النقل الطبي والمعدات الطبية. بل على العكس تمامًا فقد جعل النظام المجرم عملية إنقاذ الجرحى المدنيين عملية تقود للموت، واستهدف بعدوانه قصف المشافي ونقاط الإسعاف خاصة، واختطف الجرحى، واعتقل مئات العاملين في المجال الطبي، وعذب العديد منهم حتى الموت”.
الطبيب السوري محمد كتوب، مدير المناصرة في الجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)
قال لجيرون ” نحن كمنظمات صحية جربنا كل شيء، وموضوع الهجمات على المنشآت الصحية والكوادر الصحية في سورية لم يعد خافيًا على أحد، وهناك عدة آليات أممية تتبع في قضية الهجمات على الصحة، فالموضوع لا ينقصه لا الأدلة ولا الأرقام ولا المعلومات ولا البيانات، هناك إدانة للهجمات على الصحة في كل تقرير للجنة التحقيق الخاصة بسورية التابعة لمجلس حقوق الإنسان، وهناك بيانات على موقع منظمة الصحة العالمية بالتواريخ والأرقام.” وأضاف كتوب ” المشكلة في أن رغبة دولية بحماية العاملين في القطاع الصحي في سورية لا يوجد، ولا رغبة في التحرك، حين صدر قرار مجلس الأمن 2268 في أيار/مايو 2016 تفاءلنا قليلًا ولكن حقيقة القرار لا تحوي أي مادة تدعو إلى المحاسبة بشكل فعلي، ونحن جربنا كل شيء، من مناصرة والحديث إلى المانحين وإلى الدول أعضاء مجلس الأمن والدول الراعية لعملية السلام، و الحديث على الإعلام، وعدا ذلك، وبسبب عدم إيماننا برغبة هذه الدول بالتحرك بدأنا نطالب بتمويل مشافي محصنة تحت الأرض ( أضعف الإيمان ). لم يغير كل ذلك شيئًا وما زالت المشافي هدفًا”.
أما الطبيب السوري أحمد ليلى العامل في مديرية صحة حلب في الحكومة المؤقتة قال لجيرون ” اعتبر النظام السوري منذ بداية الثورة وأثناء المظاهرات السلمية أن العناصر الطبية هي العدو الأول له. فهي من جهة تؤمن الرعاية الطبية لكل مصاب أثناء الحراك السلمي، الأمر الذي يعطي شعور الأمن والطمأنينة (نسبيًا) لكل متظاهر، ومن جهة أخرى تبرز مشاركة فئة شعبية في الثورة تمثل وجهًا مثقفًا واعيًا ينظر إليه معظم أفراد المجتمع باحترام، بعكس ما يريد النظام ترويجه عن المشاركين في الحراك الثوري، من أنهم أفراد مخدوعين أو مدفوعين للتظاهر لأسباب مادية وثانيًا كانت الرعاية الطبية وما زالت الحاجة الأهم (بعد الطعام والشراب) للثبات والعامل الأساسي، للبقاء والتحدي. وهنا أنقل شهادة الاعلامي (هادي العبد الله) الذي أكد أن السبب الرئيسي في انسحاب عناصر الجيش الحر من القصير ويبرود هو غياب الرعاية الطبية للعسكريين والمدنيين في هاتين المدينتين، الأمر الذي جعل أقل إصابة أو أبسط مرض يسبب مشكلة حقيقية للمحاصرين.
وثالثًا ضرب المرافق الطبية بما فيها من عاملين ومرضى ومصابين يعطي رسالة صارخة في إرهاب كل من يريد الخروج عن سلطة النظام المجرم، لأنه يبين للمدنيين قبل العسكريين أن النظام لا يرتدع عن أي فعل ينافي الانسانية والحقوق المدنية ويعكس مدى استهتار الآلة العسكرية لنظام الأسد بأية محرمات دولية أو أعراف بشرية”.
ثم قال ” ما زال تقديم الخدمة الطبية وجهًا يعكس عن بنية حكومية شبه متكاملة تتواجد ضمن المناطق الخارجة على سيطرة النظام وهذا يمثل مشكلة كبيرة لكل من يريد أن يظهر للمجتمع الدولي أن خروج أية أراضي من سيطرة نظام دمشق يعني غرقها في فوضى التخلف و بحر الإرهاب. أما سبب صمت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم التي تصل بكل وضوح لتصنف كجرائم حرب فهو نفس السبب الذي جعل من المسألة السورية تتحول لمعضلة دولية تبين عجز مجلس الأمن وتعكس هشاشة تركيبته القانونية والتي جعلت من قطبي العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يتحكما في المسائل والكوارث ( التي تحصل في الدول الأعضاء في الأمم المتحدة) بما يناسب مصالحها ويوافق سياساتها الخاصة الداخلية والخارجية”.
وحول الرد على ذلك أكد ليلى أنه ” للأسف منذ بداية استهداف المرافق الطبية وعناصرها البشرية من قبل عصابة الأسد لا نملك إلا حشد المناصرة الاعلامية والضغط على بعض المؤسسات الدولية التي تمثل العاملين في المجال الطبي ( منظمة الصحة العالمية ومنظمة أطباء بلا حدود) لتضغط بدورها على صناع القرارات في مجلس الأمن لكف يد النظام وحلفاؤه ( قدر المستطاع ) عن الاستهداف المباشر على الأقل للمرافق الطبية . ولا ننسى أن الاصرار على متابعة العمل وإظهار الثبات في مواجهة القصف والاستهداف، الدور الأساسي في الرد على هذه الممارسات والأفعال الإجرامية واللا إنسانية”.
الطبيب السوري وابن الثورة السورية تغلب الرحبي أشار إلى أن ” جريمة العصر هي جريمة التغيير الديمغرافي في سورية، التي تم تنفيذها بالإبادة الممنهجة للمدنيين والاعدامات الجماعية للمعتقلين التي تجاوزت ربع مليون معتقل والتهجير الجماعي. ومن أهم وسائل تنفيذ هذه الجرائم هو تدمير وسائل الحياة الأساسية لجعل الحياة مستحيلة في المناطق المستهدفة من قبل النظام ومن وراءه روسيا وإيران وتأتي المؤسسات الصحية وعلى رأسها المستشفيات في مقدمة هذه المؤسسات لجعل إمكانية معالجة المصابين مستحيلة، وهذه بحد ذاتها جريمة حرب وجريمة ضد الانسانية ويترافق ذلك مع تدمير البنية التحتية من مواصلات وكهرباء وماء واستهداف طوابير الأفران والمدارس والأسواق.”. ثم نبه الرحبي إلى أن ” كل هذه الجرائم ضد الانسانية التي استهدفت الملايين وأدت إلى نزوح ولجوء ١٤ مليون سوري لم تحرك ضمير العالم ولا ما يسمى بالنظام العالمي لإيقافها، مما يعني أن هذا النظام العالمي موافق عليها، وهي تخدم أجندات دولية في تكريس تغييرات ديمغرافية ربما تتوافق مع صفقة القرن”.
أما الطبيب السوري معتز محمد زين فأجاب قائلًا ” لأن الناس لا تستطيع العيش دون خبز استُهدفت الأفران. ولأن الناس لا تستطيع العيش دون طعام استهدفت الأسواق. ولأن الناس لا تستطيع العيش دون رعاية صحية وخدمات طبية استهدفت المشافي والكوادر الطبية. والمطلوب هو ضرب أي مقوم من مقومات الاستقرار في المناطق المحررة. أما لماذا يصمت العالم عن مثل هذه الجرائم فالجواب ببساطة: لأن النظام العالمي الجديد الذي يقوده الغرب هو نظام سافل مفرغ من أي محتوى أخلاقي أو رادع حقوقي. شعارات السياسيين في الدول المسيطرة مخصصة للاستهلاك الإعلامي أما على الأرض فلا قيمة إلا للمصالح ولا صوت إلا للأقوياء.
المصدر: جيرون