شهدت مدينة البوكمال تطوراً لافتاً، حيث انسحبت قوات الفيلق الخامس المقربة من القوات الروسية، من كامل المدينة، وباتت البوكمال وريفها بالكامل تحت سيطرة ميليشيات شيعية موالية لايران ، مع تواجد للفروع الامنية التابعة للنظام في المدينة، والتي بدورها تنسق مع المشرفين الإيرانيين عن الميليشيات في ديرالزور، الحجي سليمان ومساعده حجي مهران .
السيطرة على منازل
وفي تصريح لـ «القدس العربي»، أكد الصحافي بشير العباد من محافظة دير الزور، ان القوات الروسية سحبت جميع قواتها في المنطقة من الحدود العراقية وصولاً لمدينة الميادين، ولم يبق لهم سوى مقر وحيد في تلك المنطقة، واصبح الحرس الثوري الإيراني يسيطر على تلك المنطقة بكاملها، ويرى العباد أن سبب الانسحاب الروسي هو بهدف التحشيد على مناطق ريف حماة وربما إدلب في الفترة المقبلة .وبعد ان أصبحت مدينة البوكمال وريفها خاضعتين لسيطرة الميليشيات الشيعية بعد أنسحاب الروس من المنطقة الممتدة من البوكمال وصولاً لمدينة الميادين، بات القادم للمدينة، لا يرى إلا رايات تلك الميليشيات الطائفية، بل ان رايات الميلشيات باتت تفوق بأعداد راياتها نظيرتها من رايات النظام السوري.
قوات مقربة من روسيا تنسحب من المدينة
وبدأت الميليشيات الإيرانية منذ أسبوع، بالسيطرة على عدد من منازل المدنيين واتخاذها كمقرات لها، حتى انها قامت بطرد بعض العائلات من منازلها وهو ما حصل في حي الكتف في البوكمال، حيث قامت ميليشيا «حيدريون» بالاستيلاء على كامل الحي، وقامت بإتخاذ المنازل بالحي كمقرات لها، و حتى المساجد لمتسلم من هذه السياسة ففي الجمعة الماضية قام عناصر من الأمن السياسي في مدينة البوكمال وبتوجيه من الميليشيات الإيرانية بمنع المصلين من أداء صلاة الجمعة بمسجد الحسين وطلبوا من المصلين الذهاب للصلاة في جامع عمر بن الخطاب، بذريعة قربه من المقرات الأمنية، ولم تقم فيه صلاة الجمعة.
السيناريو نفسه تطبقه الميليشيات على مدينة الميادين، حيث بدأت بتاريخ 24 نيسان/أبريل المنصرم، بتكثيف انتشارها هناك، حيث قام عناصر من ميليشيا «فيلق القدس» بالاستيلاء على مسجد «ذو النورين» في مدينة الميادين، والمنازل المحيطة به في شارع الكورنيش، وحسب الصحافي زين العابدين العكيدي، المقيم في ريف دير الزور، فقد قام عناصر الميليشيا بمنع المدنيين وعناصر الدفاع الوطني من المرور بقرب المنطقة وقاموا بنصب حواجز في محيطها، ويضيف العكيدي في حديثه لـ»القدس العربي»: «كذلك استولت عناصر ميليشيا حزب الله على المنطقة الواقعة بين مفرق الفنيش ومنزل الدكتور محمد الشعيبي بتاريخ 27 نيسان/أبريل الماضي ايضاً، بعدها بثلاثة أيام فقط، قامت ميليشيا «فاطميون» بالاستحواذ على عدد من المنازل بجانب ساحة الحزب وسط المدينة، إلى جانب سيطرتهم على مركز انعاش الريف ومؤسسة الاسمنت في الميادين».
يذكر ان ميليشيا الحرس الثوري تسيطر على المنطقة الواقعة بين قلعة الرحبة وسوق الغنم وحاوي الميادين، كما يعتبر حي التمو مركز تجمع لعدد من عوائل مقاتلي الميليشيات، ويتواجد في مدينة الميادين منذ بداية العام 2018 حوالي 40 عائلة من جنسيات ايرانية وافغانية وعراقية شيعية من عوائل مقاتلي الميليشيات، كذلك تتواجد بعض العوائل في المنطقة الواقعة خلف «السنتر» داخل المدينة، ولازالوا هناك، وللمفارقة فأن هذه المنطقة بالذات كان يسكن فيها عناصر من تنظيم الدولة من جنسيات شرق اسيوية .
ويبدو ان مطامع إيران وميليشياتها في المنطقة أبعد من ذلك، حيث بدأت تلك الميليشيات وعبر وسطائها من السوريين بشراء عقارات ومنازل تعود ملكيتها لمدنيين في منطقة الميادين، والوكيل المخول بشراء هذه الاملاك هو شخص سوري متشيع من ريف حلب، حسب الناشط والصحافي المنتمي لريف دير الزور، زين العابدين العكيدي والذي يوضح تفاصيل عملية الشراء «يعمل تحت يد هذا الوكيل المخول بشراء العقارات للميليشيات، اربعة سماسره من ابناء المنطقة مهمتهم شراء العقارات من الاهالي. حيث قام بشراء عدد من المنازل في المدينة في الآونة الأخيرة، وعدد من العقارات على الطريق المؤدي لسوق الغنم، وحي الصناعة وبالقرب من معمل الكونسرة» وتتواجد في الميادين حالياً ميليشيات شيعية عدة أبرزها «فيلق القدس» وحزب الله و»فاطميون» ويوجد إلى جانبهم عناصر من الدفاع الوطني ولواء القدس وعناصر للفرقة الرابعة، اضافه لفروع الامن (العسكري – الدولة)، ومن يحكم مدينة الميادين حالياً هم عناصر الدفاع الوطني من ابناء المدينة، ووجودهم هو الأكثر فعالية .
تعتبر محافظة دير الزور عموما ومدينة البوكمال خصوصاً ذات اهمية قصوى لإيران كونها صلة الوصل بين ميليشياتها المنتشرة في العراق وسوريا، حيث تسعى إيران منذ بداية الحرب السورية إلى السيطرة على المحافظة وخاصة المناطق القريبة من الحدود (البوكمال) وذلك لضمان وصول الامدادات العسكرية عن طريق معبر البوكمال – القائم.
وبدأت مطامع إيران في محافظة دير الزور مبكراً في أواخر العام 2017 عندما سيطرت قوات النظام السوري مدعومة بالميليشيات الشيعية على مدينة البوكمال الحدودية مع العراق، بعد معارك ضارية مع تنظيم الدولة بدعم جوي من الطيران الروسي.
ومنذ اليوم الأول لسيطرة الحلفاء على المدينة باشرت تلك الميليشيات باتخاذ مقرات لها في ريف المدينة بداية في قرى وبلدات ريف البوكمال مثل قرية الهري، وبلدة السيال والسويعية، والصالحية، وحسرات والجلاء ، اما في احياء مدينة البوكمال فلم تكن تتواجد هناك أي مقرات بداية الأمر، سوى نقطة صغيرة لميليشيا حزب الله، وعلى الرغم من تعدد مسميات تلك الميليشيات وتنوع اعراق مقاتليها الا انها جميعاً مرتبطة بالحرس الثوري الايراني، وتتلقى الدعم منه، وتوحدها العقيدة، والاهداف السياسية، وكانت ولا زالت تتواجد في البوكمال وريفها ميليشيات عدة وهي موزعة كالتالي:
أبرز الميليشيات
أكبرها واوسعها انتشاراً ميليشيا حزب الله، ثم يليها كلٌ من حركة «النجباء»، و«الإمام علي»، ثم «فاطميون»، ثم «فيلق القدس»، و»أبو الفضل العباس» و»حيدريون» .
وفي بداية العام 2018 وتحديداً في منتصف شهر فبراير بدأت ميليشيات إيران بالتمركز داخل البوكمال واتخاذ مقرات لها في احياء المدينة، حيث صادرت عدداً من منازل المدنيين (الفيلات) وعدة مبانٍ حكومية وحولتها لمقار لها، وبدأت تلك الميليشيات (حزب الله – القدس – النجباء – فاطميون) بنشر حواجز لها على مداخل ومخارج المدينة وفي داخل احيائها .
في تلك الأوقات كانت قوات الفرقة الرابعة التابعة لجيش النظام السوري، وعناصر من الفيلق الخامس التابع للقوات الروسية، منتشرين داخل المدينة مع عناصر ميليشيا الدفاع الوطني التي تتكون غالبيتها من أبناء ديرالزور ويوجد فيها عدد من ابناء البوكمال .
ومع قدوم شهر ابريل من العام 2018 ، غادر معظم عناصر الفرقة الرابعة لخارج مدينة البوكمال، نحوالبادية المطلة على المدينة حيث تمركزوا هناك في قطعة عسكرية مخصصة لهم، لتخلو الساحة لميليشيات ايران التي عمدت للانتشار تدريجياً داخل المدينة، وباتت عناصر تلك الميليشيات تتدخل في الحياة اليومية وفي إدارة المدينة، على الرغم من تواجد جهاز للشرطة الحكومية، وفروع لأمن الدولة والامن السياسي والامن العسكري داخل مدينة البوكمال.
إلا ان الميليشيات فرضت نفسها هناك داخل المدينة، حيث تناقل ناشطون انباء عن حساسيات ومناوشات عسكرية بين عناصر من ميليشيات تابعة إلى الحرس الثوري من جهة وعناصر من قوات جيش النظام والدفاع الوطني من جهة ثانية، لتتدخل القوات الروسية والفرقة الرابعة في فض الاشتباك، بعدها بثلاثة أسابيع سرت أنباء نقلها ناشطون عن اشتباك آخر بين ميليشيا «فاطميون» وعناصر من الدفاع الوطني في مدينة البوكمال على خلفية سرقة احد منازل المدنيين من قبل بعض عناصر الدفاع الوطني، ليقوم صاحب المنزل (مدني) بالشكوى عليهم لدى عناصر من ميليشيا «فاطميون»، وانتهى الاشتباك الذي دار بينهما بقتلى من الطرفين، تلاه صدام آخر بعد مدة قصيرة هذه المرة بين ميليشيا فاطميون وبين عناصر من الفرقة الرابعة، وبعدها اجتمع ضابط روسي كبير مع حجي سليمان (القيادي الايراني الأول في البوكمال والمسؤول عن اغلب الميليشيات) ومع رؤساء الفروع الامنية في المدينة، ليفضي الاجتماع لتقاسم مناطق النفوذ داخل المدينة وتوقف النزاعات بين الحلفاء.
وخلال تواجد ميليشيات إيران في محافظة ديرالزور عمدت تلك الميليشيات المتعددة وعلى رأسها ميليشيا حزب الله، وميليشيا الحرس الثوري، لكسب ود أهالي المنطقة من خلال تقديم المعونات العينية، وبناء المراكز الصحية، وترميم بعض المدارس في ارياف ديرالزور الخاضعة لسيطرة النظام وكانت تلك العمليات تتم عبر جمعية اسمها (جهاد البناء) وتعتبر هذه المنظمة المسؤول رقم واحد عن تلميع صورة إيران لدى اهالي دير الزور عبر الخدمات التي تقدمها للاهالي، كل تلك العمليات كانت بتسهيل من سلطات النظام السوري.
مغريات كثيرة
وعمدت قيادات عدة من ميليشيا حزب الله والحرس الثوري للاجتماع مع اهالي المنطقة مرات عدة كما حصل في مدن الميادين والقورية والبوكمال، حيث عرضوا مساعدتهم على الاهالي ودعوهم للانتساب إلى ميليشياتهم، وبالفعل قاموا بفتح مراكز للانتساب في مدينة البوكمال والميادين (للحرس الثوري) وكانت المغريات كثيرة، اولها الرواتب المغرية، حيث يعتبر مبلغ (65000) ليرة سورية مبلغاً لا يستهان به في مناطق النظام، حيث يساوي ما يقارب الــ 140 دولاراً، في ظل الفقر المدقع الذي يعيشه اهالي المنطقة وخصوصا ابناء الريف الذين عاد اغلبهم لمناطقهم ووجدوا منازلهم وممتلكاتهم قد تم «تعفيشها» من قبل قوات النظام، اذ تعرضت ارياف ديرالزور التي سيطرت عليها قوات النظام لحملة سرقة منظمة، طالت تلك السرقات حتى السيراميك، وكابلات وعواميد الكهرباء، وبالفعل لاقت دعوات الانتساب لميليشيات إيران آذاناً صاغية لدى شباب المنطقة وانخرط عدد منهم في صفوفها، وبات لميليشيات إيران وكلاء او وجهاء يشرفون على المصالحات واستقبال ابناء المنطقة المطلوبين للنظام وتسوية اوضاعهم، وكانت هذه المصالحات مقتصرة على وكلاء روسيا سابقاً ولكن الآن بات لميليشيات إيران يد في الأمر عبر وكلائها من أهل المنطقة ومنهم وجهاء عشائريون .
المصدر: القدس العربي