ميشيل كيلو
بدأت روسيا ما تعتقد أنه آخر معاركها السورية التي نجمت عن تعقيداتٍ وأوضاع كانت تعتقد أنها لم تعد عقبة في طريق الحل، بعد عودة الأسدية إلى ثلاث من مناطق خفض التصعيد، وتسليم موسكو وطهران بأولوية الدور والحضور التركي في المنطقة الرابعة، منطقة حماة التي تدور الحرب في أطرافها اليوم.
من الصعب اعتبار ما يجري حلقةً أخيرةً في الحرب التي سيمهد انتهاؤها لـ”جنيف”، ولتطبيق القرارات الدولية، وصولا إلى الحل الدولي الذي ينتظره السوريون منذ ثمانية أعوام. والمرجّح أن تهدد الحرب الروسية الراهنة، في حال كان هدفها إعادة إدلب ومنطقتها إلى النظام، بقلب العلاقات والتحالفات القائمة بين تركيا وروسيا، وتبدّل علاقات بدت تحالفيةً، وتستعيد تحالفاتٍ بدت منتهية، ولا يستبعد اصطدام موسكو بأنقرة، إن نقض عمل روسيا العسكري اتفاق سوتشي حول أولوية حضورها في المنطقة، لأن ذلك سيعني تقليص دور أنقرة في سورية تمهيدا لتقليص حصتها من الحل أو حذفها، بينما كان يبدو أن إيران، وليس تركيا، هي التي يُراد لها أن تخرج صفر اليدين من الصراع. ولأن تركيا لن تقبل أن تتعرض لهزيمة بهذا الحجم، وهي مكتوفة اليدين، فالمرجح أن يكون هناك اتفاق بين الدولتين بشأن دخول روسي محدود أرضيا إلى ريف حماة الشمالي، لأهميته بالنسبة لدور قوات موسكو في سورية، ولهز إصبعها في وجه جبهة النصرة التي لم تشارك في القتال أو تتعرض للضرب. لم تدخل موسكو لتقوّض نفوذ تركيا في المنطقة، أو حصتها من الحل الدولي، أو لتغيير وضع أطراف تفاهمات سوتشي وعلاقاتهم، أو مصير منطقة إدلب، ولو كان هدف موسكو تقويض حضور تركيا ودورها، لشاركت هيئة تحرير الشام في القتال، ولصدرت عن قواتها تحذيراتٌ عسكرية ما، في عموم منطقة إدلب، وليس فقط على خط المواجهة، ولتعرّضت قاعدة حميميم لعمليات قصفٍ بمئات الصواريخ يوميا. لم يحدث هذا، لأن موسكو تريد تحاشي وقوع أية متاعب جدية في علاقاتها مع أنقرة التي يرجّح أن تقوم، في حال شعرت بالاستهداف، بما يشكل خطورة بالنسبة لموسكو: عبر عودتها إلى حليفها الأميركي، وفق صيغة تعاونٍ جديدة على الأرجح، قد تكون محل بحثٍ في أيامنا، تعزّز التزام حلف شمال الأطلسي بالدفاع عنها، وحمايتها من جلافة الرئيس الروسي بوتين وعدوانيته. وهناك إشارات إلى تقارب أميركي/ تركي في الآونة الأخيرة، كالتفاهم على المنطقة الأمنية شرق الفرات، وصفقة طائرات إف 35، وصواريخ الباتريوت، وإس 400، وما يعنيه ذلك من تخلٍّ تركي عن المقترح الروسي بشأن منطقةٍ آمنة تنجز بالتفاهم مع الأسد، ووفق صيغة أضنة الأمنية، فضلا عن إمكانية وضع منطقة إدلب تحت حماية أميركية، أسوة بشرق الفرات، في حال ساء الوضع مع روسيا وعادت مياه الأطلسي الأميركية إلى الجريان في أنهار السياسة التركية.
ستواجه موسكو مشكلات صعبة مع أنقرة، إذا لم تكن حربها الراهنة محدودة في المكان والزمان، وكان هدفها المس بإشراف تركيا على منطقة إدلب، وعائدها دفع إسطنبول إلى أحضان واشنطن، في ظل احتمالاتٍ مقلقةٍ تلوح في أفق السياسة الدولية والمحلية، منها الهجمة الأميركية على إيران التي تضفي الجدية علي احتمال إخراجها من سورية، وانهيار النظام الأسدي الذي إن حدث أو خرجت طهران من المشرق، رفع الغطاء الإقليمي والمحلي عن موسكو، في لحظةٍ مفصليةٍ تتسم بالتوتر الشديد في علاقات العملاقين، الروسي والأميركي، قد يجد بوتين نفسه، في حال أغضب تركيا، وعجز عن دعم إيران، وإنقاذ الأسد، مكشوفا، وفي حالة دفاع عن دورٍ لن يجلب له غير المصاعب التي تتحدّى قدراته.
المصدر: العربي الجديد