نجم عمورة
يحفظ الفلسطينيون واللبنانيون عن ظهر قلب رائعة» العاشقين«: »اشهد يا عالم علينا وعلى بيروت«، وهي الأغنية التي تتردد اليوم كلما اعتلى أعضاء فرقتها المهاجرون إلى السويد خشبة مسرح مغلق أو في الهواء الطلق، تثير حماسة أبناء الجاليات، مستحضرة »شـوارع المخيم« و»سجن عكا« و»عود اللوز الأخضر« بكل ما يحمله ألم الغربة، التي صدحت بها أصواتهم قرب ُنسي أعضاءها المهاجرين فلسطين سابقا، وفي غربتهم الأخرى اليوم. نجاح »العاشقين« ال ي دور الملحن الـراحـل حسني نــازك، وصديقهم ورفـيـق دربـهـم الموصوف بصاحب »الحنجرة الذهبية« حسني المنذر، والشاعر صالح الدين الحسيني، وأبي الصادق، والشاعر أحمد دحبور، الذي يصف الفرقة بأنها »تجربة جذابة للنص والجمهور حملت في ثناياها الهم الفلسطيني الجمعي، وجرح الوطن النازف. رسمت في فضاء الكون أمال، وفي خيال الشعب ثورة وحرية«.
اضطر عاشقو فلسطين مـن أفـراد مؤسسي »فرقة العاشقين للأغنية الــفــلــســطــيــنــيــة« أن يــرحــلــوا فـي تغريبتهم الجديدة من سورية إلـى السويد. ففي حصار مخيم اليرموك، جنوبي العاصمة الـــســـوريـــة دمـــشـــق، وتـــحـــت وقــــع الــقــصــف والـتـدمـيـر، لـم يـكـن مـن مـفـر ســوى اسـتـعـادة تـجـربـة نـكـبـة فلسطين مــرة أخــرى، بتغريبة دمــويــة، كـمـعـظـم سـكـانـه الــذيــن يـسـتـذكـرون اليوم عامهم الـ71 على حنينهم للوز الأخضر في قراهم ومدنهم، التي غادرها الأهل تحت قصف وتخاذل متشابه ومتداخل. ّ ـى لـه هـؤالء العاشقون مـوج البحر، الـذي غـن لـلـجـذور على سطح مـنـزل مـتـواضـع فـي حي ُجبر على المغاربة بمخيم اليرموك عام 1977 ،أ ركوبه 13 من أعضاء الفرقة، هائمين في مأساة مـتـجـددة، فـي رحـلـة لـم تـهـدأ فـيـهـا عـواصـف وأمـــواج ابـتـاع أرواح كـثـيـرة.. إلــى إيـطـالـيـا وصل مركبهم، وقد ضاقت بهم جنبات أوطان عربية، وإلـى السويد شمال قادتهم أقدامهم بحثا عن حياة، فلم تهدأ أرواحهم لتعيد على الـفـور محاولة الـبـدء مـجـددا.. بكل مـا يحمله ذلك من مصاعب وتحديات. إذا، عـلـى سـطـح مــنــزل المرحوم أبـــو خـلـيـل الــهــبــاش، فــي حــي المغاربة، قـبـل 42 سـنـة، كـان الإخوة »هـبـاش«، محمد وخليل وخالد وفاطمة وآمنة وعائشة، يخوضون مع أبيهم الميل الأول في رحلة بدت عائلية في البداية. فوسط دهشة الجيران من استعادة أصـوات عــذبــة، لـتـفـاصـيـل حــيــاة فلسطين وهؤلاء اللاجئين، قبل نكبتهم، وبـروح الإصرار على الـعـودة، ستصير إلـى »العاشقين«، باختيار الملحن الفلسطيني حسني نازك في دمشق. في السويد اليوم يعيش هؤلاء، مستجمعين مــن غـربـتـهـم مـــرة ثـانـيـة مــع الــفــنــان مـحـمـد الـهـبـاش، الـذي بـرزت مـواهـبـه مبكرا فـي سن 6 سـنـوات، والـــدارس للموسيقى فـي المعهد العربي، انطلاقة متجددة. هي ليست سهلة، لكن كما يـذكـر الـهـبـاش لـ»الـعـربـي الـجـديـد«، في هيلسنبوري جنوبي غرب البلد، »الغربة زادتـنـا إصــرارا وقناعة على مواصلة العمل، فوصولنا إلى السويد لم يكن سهلا، وانتقال الأسرة وأعـضـاء الـفـرقـة بـطـريـق خـطـر وفيه كـثـيـر مـن الـصـعـاب، لـم يـكـن وحــده الـتـحـدي. لقد واجهنا فجأة مشاكل أخـرى في الهجرة ّ م الـجـديـدة، تتعلق بالمسكن والاندماج وتعل لــغــة جــديــدة، وفـــي ذات الــوقــت المضي فـي اسـتـعـادة الـفـرقـة دورهـــا، وتـلـك اتـفـقـنـا فيما بيننا على أنها ستحتاج إلى صبر وتصميم«. تــعــقــيــدات كــثــيــرة تــتــرافــق مــع هــجــرة فـرقـة ُ ـنـيـت بـأغـنـيـة الــتــراث الـوطـنـي فلسطينية ع وثقافة الفلسطينيين وثورتهم لتجد نفسها في شمالي أوروبـا، ورغـم ذلك لم يمض وقت طويل حتى انطلقت تصدح مجددا في مدينة ماملو السويدية في 2015 .وعن البداية مجددا، يذكر محمد هباش لـ»العربي الجديد« أنه لم يكن سهلا أن تقيم حفلة على مسرح كبير »في بداية مشوار الفرقة في المهجر، فذلك يحتاج ّ ـل تـكـالـيـف بــاهــظــة، ولــكــن بـتـصـمـيـم وتـحـم أعـضـاء الـفـرقـة لبعض التكلفة ودعــم بعض الأصدقاء نجحنا في تثبيت الأقدام مجددا، ليعرف الناس أن العاشقين ما زالوا عاشقني لوطنهم«. فاطمة هـبـاش، الـتـي اشـتـركـت في بدايات مشوار العاشقين في اليرموك، لم تترك الـفـرقـة وال حـتـى فـي أصـعـب الــظــروف، وهـي تذكر اليوم لـ»العربي الجديد« في السويد أن »حياة الغربة بالتأكيد ليست سهلة علينا، فعملية التأقلم والاندماج في مجتمع يختلف عـن مجتمعاتنا الـعـربـيـة صـعـبـة، خصوصا لفنانين ملتزمين بقضية وطنية، ورغـم ذلك فـمـا يـخـفـف عـنـا هــو انـطـاقـنـا مــجــددا بعد تحقيق قـدر مـا فـي هيلسنبوري فـي جنوب البلد«. العودة أمام جمهور عربي فلسطيني وغربي مستمر لـفـرقـة العاشقين، وهــي الـتـي جابت ّ لفلسطين فــي معظم أوروبـــا سـابـقـا وغــن الــــدول، وآخــرهــا الاحتفالية الــتــي أقـامـتـهـا الـفـرقـة فـي مـديـنـة هيلسنبوري، فـي إبـريـل/ نـيـسـان الماضي، بـحـضـور جـمـهـور كـبـيـر، لم يؤخر أعضاء الفرقة المهاجرين عن »الاندماج ّ فــي المجتمع الــســويــدي، كــضــرورة لـلـتـعـر ثقافاته وعاداته، وتعريفه بقضيتك بطريقة إيجابية وبـصـورة تعكس حقيقة مـن نكون كفلسطينيين، ولــيــس بــالــصــورة الـنـمـطـيـة المعطاة عــنــا«، بـحـسـب مــا تــذكــر مـصـمـمـة الدبكات في الفرقة، بعينة منصور. غياب الدعم.. بعيدا عن التجاذبات إذا كانت فرقة العاشقين في السابق احتاجت لــكــي تـسـتـمـر إلـــى دعـــم مــؤســســاتــي لـتـقـيـم حـفـاتـهـا متنقلة بـن معظم الــدول العربية والأجنبية، فإنها اليوم تتواجد على أراضي دول الاتحاد الأوروبي، وتستطيع أن تقيم تلك الاحتفالات وتشارك في المهرجانات في المهاجر الـعـربـيـة بـعـيـدا عـمـا يسميه أعـضـاء الـفـرقـة »الـتـجـاذبـات الـسـيـاسـيـة«. فـقـد عانت »فرقة العاشقني« في سنوات الثمانينيات من الانشقاق الـذي أصـاب الساحة الفلسطينية، مــا أثــر عـلـيـهـا فــي صـــورة مـسـعـى كــل طـرف لجذبها إلـى صفه، ولكنها، بحسب ما يذكر عازف المجوز في الفرقة خالد هباش »رفضت أن تـتـبـع فـصـيـا عـلـى حــســاب فـصـيـل آخــر، ألن شـعـار العاشقين ظـل »لفلسطين نغني«، ولـأسـف أدى الانشقاق فـي حـركـة فـتـح إلـى توقف الفرقة فترة بسبب وقف تمويلها«. آمال بجوالة حول العالم وفي مغتربهم السويدي اليوم يتحدث الأخوة هباش عن معاناة الدعم للفرقة، »خصوصا فـي معركتنا عـلـى تــراث فلسطين، مـن حيث تــأمــن الملابس واحــتــيــاجــات فــرقــة الـدبـكـة، فـغـيـاب أيــة مـسـاعـدات ورعــايــة لـلـفـرقـة جعل العمل تطوعيا أكثر، والحاجة ماسة بالفعل إلــى تـأمـن احـتـيـاجـات العاشقين المستمرة، كما انطلقت قبل عقود، ال تحيد عن قضيتها أيــنــمــا أوصــلــهــا الاغتراب«. يــأمــل أعــضــاء العاشقين فـي مهجرهم الـسـويـدي أن يلتفت الـبـعـض إلــى ضــرورة وأهـمـيـة الـفـن والـتـراث في تعزيز وتوسيع الوعي بقضية فلسطين وبالإمكانيات الـكـبـيـرة لــدى أبــنــاء الـشـتـات ّ بقدر القادرين على التأثير في محيطهم، كل مــا يـسـتـطـيـع. فهؤلاء يـعـتـبـرون أن »مـعـركـة الـــوعـــي« هــي الأساس فــي جــعــل الــتــواجــد الفلسطيني فـي أوروبــا، وغـيـرهـا، مـؤثـرا في خـلـق تحولات نــوعــيــة، حـتـى بــن الأجيال الفلسطينية المولودة فـي الـغـربـة، للتمسك بتراث وثقافة وطنهم الأصلي فلسطين. فــفــي جـعـبـة فــرقــة العاشقين ســجــل طـويـل وحـافـل مـن المشاركات فـي مهرجانات دولية حول العالم، فمن أوروبا إلى أميركا واليابان والعالم العربي، كـان لهذه الفرقة حضورها الـذي تأمل أن تستعيده، رغم وصولها خلال الـسـنـوات القليلة الماضية إلـى اسكندنافيا، بل ترى في جغرافية الهجرة الجديدة فرصة أخــرى لاستعادة الــدور الـنـشـط الــذي لعبته عـلـى الـسـاحـة الـثـقـافـيـة والـفـنـيـة فــي خـدمـة قضية شعبها الفلسطيني، رغم كل منغصات الـتـهـجـيـر الــذي طـاولـهـا كـمـا طــاول عـشـرات الآلاف من سورية في السنوات الماضية.
المصدر: العربي الجديد