أحمد مظهر سعدو
مع رحيل المفكر السوري الطيب والموسوعي الدكتور طيب تيزيني، تكون قد خسرت سورية والعالم العربي معها، قامة فكرية ثقافية سياسية نظيفة قل مثيلها، وتكون ثورة الحرية والكرامة في سورية قد فقدت رجلًا من ألمع رجالاتها، وهو المثقف الكبير الذي لم يرض الجلوس في برجه العاجي كحال الكثيرين من أهل الثقافة والسياسة، لأنه كان يرى الفكر السياسي والثقافي وإن لم يندمج بقضايا الناس لا فائدة منه، ولا ممن يحمله.
هو الرجل الذي وقف مع مجموعة وطنية سورية صغيرة في 15 آذار / مارس 2011 ليعلن انطلاق الثورة، وليلقى معها كل أنواع الضرب والإهانة والسحل في ساحة المرجة، وهو ابن ال 77 في حينها، وهو أيضًا من ال 100 حول العالم المصنفين الأوائل بالفلسفة والفكر. كل ذلك لم يشفع له أمام جلاوزة القهر والعسف، وهو من كان دائمًا يستشعر بخطرهم على سورية، وشبحهم الأمني الذي سيؤدي إلى خراب سورية. وهو من قال: ” لا بديل من فك الدولة الأمنية المهيمنة في سوريا”. التي كانت بمنظاره بابًا لقتل إنسانية الانسان السوري، بل البوابة التي يدخل منها الفساد والافساد، وسلب الناس من إنسانيتها، وهدر هذه الإنسانية، والتي يفترض أن يُبنى عليها، كل ما هو خير ونهضوي للناس والأمة، وليس اعتقالها أو سحلها.
كان يقول ” تاريخية اللقاء نصنعها نحن بتأسيس دولة القانون التي انتُهكت حتى العظم”. حيث كان يحاول جاهدًا مع الكثيرين سواه من النخب السورية الواعية والنظيفة، الإمساك بناصية توحيد السوريين، من أجل إعادة تأسيس دولة الحق والقانون، دولة المواطنة ولا سواها.
يرى تيزيني ” إن سورية تساوي تاريخًا بأكمله” لكن أهل الاستبداد لم يكونوا ممن يرون ذلك، بل يماهون دائمًا بين سورية والمستبد الأسد، حيث لا سورية بدونه، وهذا ما كان يشكل قلقًا حقيقيًا لتيزيني وهو الذي بكى مرتين، مرة حين الاعتداء على الناس المعتصمين في ساحة الساعة بحمص مدينته التي عشق، وأدى فض الاعتصام في حينها إلى قتل ما يزيد عن 1300 إنسان سوري، حتى تمكن المجرم من السيطرة على حمص العدية، وبكى مرة أخرى وهو يتحدث عما يفعله الأسد في سورية، سورية التي عمرها 700 عام. كان يبكي من الحرقة والألم على ما آلت إليه الأمور على يد الجلاد المحتل لكل سورية، وهو يستعين بأعداء الوطن، على شعبه.
كان يشغل طيب تيزيني دائمًا وجود الآلاف من أبناء سورية بل من خيرة ناس سورية في غياهب سجون الأسد، فكان ينادي ” يجب البدء بإخراج السجناء، وهم بالآلاف”. ولكن لا مجيب، وكيف يستجيب الجلاد المستبد، لصوت الحرية، صوت العدالة.!!
مع ذلك لم يفقد الأمل أبدًا، وظل حالمًا أن تعود سورية أفضل وأكثر إشراقًا، متماسكة بعقل جمعي وعقد وطني يتلاقى فيه وعليه الجميع. وهو الذي قال ” “سورية عائدة، ستعود حتى لو ذهبنا نحن”. بهذه الآمال التي لا يقطعها الشك، كان يستشرف المستقبل، وبهذه الرؤيا، بقي الفيلسوف السوري المنفتح والطيب يصارع موجات التتار الأسدي يومًا إثر يوم.
الطيب تيزيني الأستاذ المتواضع وأحد فلاسفة المعمورة وليس العرب فقط، أنصفه العالم وتم اعتباره من أهم مائة فيلسوف على مستوى العالم. لكن أفاض به علمه تواضعًا والتصاقًا بقضايا أمته التي آمن بها. وبشعبه السوري المنتمي للأمة.
لن ننسى كلماته “سامحونا”! المحرجة جداً وهو يلملم جراحه ويمسح دموعه، بينما يرى الاستبداد يدمر سورية التي أحب، ويقوض بناء الدولة الوطنية الديمقراطية السورية التي حلم بها السوريون، ومع رحيله عن 85 عامًا المليئة بالعطاء والتفكير، والممارسة التي تواكب كل ذلك، تغدو أوضاع السوريين أكثر خوفًا وحرجًا من مستقبل غير واضح المعالم، وضمن أجواء إقليمية ودولية، مازالت تتفرج على المقتلة الواقعة على السوريين في ادلب وريف حماة اليوم ولا ندري إلى أي يوم .
المصدر: المدار نت