ما يجري في ريفي حماة وإدلب يمكن وصفه بمعارك كسر عظم بين فصائل المعارضة وقوات النظام المدعومة من الطيران الحربي الروسي، وربما لم يتوقع الروس هذه الشراسة في القتال، وظنوا أن القصف الهمجي سيجبر هيئة تحرير الشام ومن معها من فصائل معارضة على الاستسلام، كما حصل في غوطة دمشق ودرعا، ولكن لم تسر الأمور كما كان متوقعاً لها من الروس، وتعرضوا لمواجهة عنيفة من تحرير الشام والفصائل المعارضة على أعتاب ريف حماة، وتكبدت قوات النظام خسائر كبيرة.
وحسب موقع «النورس» المقرب من «تحرير الشام»، وصلت «حصيلة قتلاه لأكثر من 150 بينهم نحو 40 ضابطاً توزعوا على الفرقة الرابعة وقوات النمر ولواء القدس وميليشيات أخرى بينها حزب الله اللبناني»، وتجنب الثوار استنزافاً كبيراً في المخزون القتالي، وأظهروا تلاحماً نسبياً في المعارك، وقد تسعى موسكو إلى فرض هدنة جديدة والاعتماد على الأتراك لتسويقها، على الأقل لتستفيد من القضم، والمناطق التي سيطروا عليها في حملتهم الأخيرة، وربما الانطلاق منها لمرحلة ثانية بعد فترة، قد لا تطول.
ولعله أصبح واضحاً بعد أكثر من أسبوعين من بدء حملة النظام السوري على ريفي إدلب وحماة، اقتصار القصف الروسي على المنطقة العازلة تحديداً، إذ لم يُسجل، على الأقل حتى الآن، أي قصف لمدينة إدلب وحواضرها وريف إدلب الشمالي. وهذا ما أشار إليه الناشط والطبيب السوري من المناطق المحررة في الشمال، د.محمود السايح، قائلاً: «المنطقة العازلة (العزل الجغرافي بحصر النيران في سوار المنطقة العازلة) مرتكز الجولة الحاليَة للحرب في شمال حماة وجنوب إدلب»، وأوضح أن «إدلب ليست مستهدفة إطلاقاً في هذه الجولة وليس لها نصيب في هذه الجولة السياسية، إذ الحرب مقيدة ومقتصرة على المنطقة العازلة». وقال «إن هذه المعركة لم يكن لها من هدف سوى الضغط على قرار المعارضة لتقديم المزيد من التنازلات، ولم يكن هدفها السيطرة على إدلب».
وما ظهر ميدانياً، على الأقل حتى الآن، لم يكن معركة للسيطرة والتحرير، كما صوَرها بعض الناشطين، وإنما استخدمت فصائل الثوار المقاتلة أسلوب شن عمليات متتالية لاستنزاف قوات النظام وميلشياته وكسر تقدمه الميداني. وفي هذا السياق، تحدث الناشط السوري، د.عبد الحق الهواس، أن القتال في ريفي إدلب وحماة يتسم باستنزاف العدو بطرق جديدة تعتمد على باطن الأرض وعلى مسافات طويلة، مما يوقع جنود النظام في أفخاخ يصعب كشفها، ومن الواضح أن هذه الأنفاق قد تم إعدادها من زمن ليس بالقصير وأحيطت بكتمان شديد وتمويه ناجح. وما حدث في ريف حماة، ولا يزال، معارك كر وفر عنيفة، ركز فيها الثوار على الإثخان وتجنبوا الاستنزاف.»
الفصائل التابعة لتركيا، لا تتحرك نحو إدلب حتى الآن إلا من خلال مجموعات متمردة على قرار قياداتها كما حصل مع بعض الكتائب من «الجيش الوطني»، التي عبرت لإدلب للمشاركة في القتال وتم فصلها من قبل قيادة «الجيش الوطني»، اما النظام فقد نجح للآن في الحفاظ على معظم المواقع التي تقدم فيها، رغم هجمات الفصائل، ومكنه من هذا الطيران الحربي الروسي والضخ البشري القتالي من الميلشيات مثل «لواء القدس» التي دفع بها إلى الخطوط الأمامية للمواجهة. وما أثبتته الهجمات الأخيرة لقوات النظام والروس، والتي كانت مُتوقعة، ان الروس لم يحترموا بنود تفاهمات «أستانة»، وأن هذا الاتفاق أطلق يد هذا المحور، وحاصر فصائل الثورة في مناطقها، فيما تحاول الفصائل صدَ عمليات القضم والدفاع عن مربعاتها الأخيرة.
الباحث إيميل الحكيَم، محلل شؤون المنطقة في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن، تحدث عن هذا بالقول: «اتفاق «أستانة» وخفض التصعيد في الشمال السوري حقَق ما تريده روسيا ونظام الأسد: إضعاف الثورة السورية وتوريط تركيا في وضع معقد وموقف حرج قبل القصف والضرب والهجوم، وهذا متوقع تمامًا. والأثر الضار (الروسي المقصود) لعمليات «خفض التصعيد» في اتفاق «أستانة»، هو تحويل مجموعات الثوار السوريين إلى وكلاء / حرس حدود تركيا، وهو ما أدى إلى تآكل الإحساس بالهدف والتماسك والمصداقية..»، وأضاف أن «حملة الأسد لاستعادة إدلب تدريجيا ليست مفاجئة، إلا أن الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو تصديق والثقة بآليات مثل اتفاقية «خفض التصعيد» بين الولايات المتحدة وروسيا لعام 2016 أو عملية أستانا أو وقف إطلاق النار لعام 2018، إذ غالبًا ما تكون عملية «خفض التصعيد» خطوة تكتيكية تمهد الطريق لمزيد من العنف».
المصدر: القدس العربي