أحمد مظهر سعدو
بعد توسيع دائرة الاستهداف الروسي الأسدي لمعظم جغرافيا ريف ادلب وحماة وكذلك ريف حلب الغربي، وإصرار الروس على الاستمرار في ذلك التصعيد وحرقهم الأخضر واليابس، وقتل الأطفال والنساء، وتدمير المنازل فوق رؤوس ساكنيها، بينما العالم يتفرج ولا يبادر إلى إيقاف هذه المقتلة الجديدة بحق السوريين، رغم نداءات دولية خجولة لوقف العدوان. يظل السؤال ملحاحًا إلى متى تتواصل هذه العدوانية؟ ومن يملك إمكانية إيقافها أو لجمها ولو مؤقتًا؟
وهل بات في حكم المؤكد انفراط عقد اتفاق سوتشي الخاص بإدلب وإلى غير رجعة؟ ومن ثم هل العلاقة بين الروس والأتراك ستسير نحو الأسوأ؟ وما مصير 4 ملاييين إنسان سوري يتجمعون في مساحة ضيقة هي جغرافيا إدلب وفق ذلك؟
هذه الأسئلة وما في حكمها طرحناها على العديد من الباحثين السوريين والسياسيين والمتابعين حيث أجاب جيرون الباحث السوري نبيل ملحم بقوله ” ما يحدث في إدلب من قتل ودمار وسعي النظام وحلفائه (الروس والإيرانيون ) لاسترجاع المناطق الخارجة عن سيطرة النظام في ريف حماة إضافة لبعض المناطق في محافظة إدلب هو استمرار للاتفاق المشؤوم في سوتشي والذي تم تحت الطاولة بين الدول التي سميت ضامنة – روسيا وإيران وتركيا – والذي يقضي بفتح طريق اللاذقية / حلب، وطريق دمشق / حلب، وحيث أن ذلك كان يعني على أرض الواقع إعادة كل المناطق الواقعة شرق وجنوب هذين الطريقين إلى حضن النظام الأسدي، وحيث الحرب البربرية الوحشية هي الوسيلة المعتمدة كما عودنا على ذلك خلال السنوات السبعة الماضية النظام وحلفائه، أصبح الآن مكشوفًا أكثر من أي وقت مضى، وحيث الحصة التركية بعد هذه المذبحة ستكون باعتقادي تخلي النظام وحلفائه عن كامل الزاوية الشمالية الغربية من الجغرافيا السورية على كامل الشريط الحدودي بين سورية وتركيا والممتد من مدينة جرابلس في الشمال مرورًا بمدينة عفرين وبلدات غرب شمال حلب وصولًا إلى كل البلدات التابعة لمحافظة إدلب، الواقعة شمال طريق اللاذقية حلب وربما سيضاف إلى هذه المناطق بعض البلدات الحدودية في محافظة اللاذقية المتصلة مع الريف الشمالي الغربي لمحافظة إدلب والمتاخمة للحدود التركية “.وأضاف ملحم ” إن كل ذلك يعني أن لا خلاف روسي تركي على ما يحدث في محافظة إدلب وريف حماة الشمالي الغربي. إن أكثر ما في هذا الاتفاق غير المعلن لا يكمن في تقاسم الجغرافيا السورية بين فحسب، وإنما إخفاء الاتفاق عن المدنيين وتركهم تحت رحمة نيران القتل والدمار حيث يبدو الأمر في النهاية وكأن كل ما يحدث ليس سوى انعكاس لميزان قوى عسكري على أرض المعركة.”
الكاتب السوري المعارض عقاب يحيى أكد لجيرون ” أن تباينات ظهرت بين القوى الرئيسة الضامنة لما يعرف بمناطق خفض التصعيد، وآخر ما تبقّى منها: إدلب، وظهر ذلك جليًّا في لقاء سوتشي الأخير الذي وُصف بأنه كان فاشلًا، ولم يسفر عن شيء مهم نتيجة الخلاف في المواقف بين تركيا وروسيا حول مصير إدلب. الروس يحمّلون تركيا مسؤولية عدم تنفيذ ما اتفق عليه بشأن ” هيئة تحرير الشام، لإنهاء وضعها بطريقة ما، وتركيا تبرر بأن إنهاء تلك (الهيئة) بالوسائل العنفية، والعسكرية شبه مستحيل نتيجة تغلغلها بين السكان، ووجود أنفاق وتحصينات لها تمتدّ لمسافات مهمة داخل المدينة، وبما يعني أن أي عمل عسكري سيكون شديد المفعول بالنسبة للمدنيين، لذلك فضّلت تركيا ما يعرف بالسياسة الناعمة عبر الاحتواء والتفكيك، والتحويل إلى حزب، أو قوة سياسية.” ثم قال ” من جديد روسيا كانت تضع وضع (الهيئة) مبررًا للقيام بعمليات عسكرية اعتبرتها، ووفق ما عبّر عنها الرئيس الروسي، بأنها محدودة، وكان واضحًا أن التركيز يطال السيطرة على الطريقين السريعين الرابطين بين حلب واللاذقية، وحلب دمشق، وتأمين (قاعدة حميميم) الروسية لمساحات كبيرة منعًا لما يقال عن وصول طائرات دون طيار، أو قذائف مدفعية، وصواريخ غراد.” ثم نبه يحيى إلى أنه “جرى كلام كثير في الفترة الأولى يتهم تركيا بأنها متواطئة، أو متفقة مع الروس على تلك الخطوات، وتحدث عديد عن مقايضة ما تجري بين روسيا وتركيا، مما دفع تركيا للتصريح الواضح بأن وضع إدلب يتعلق بالأمن القومي التركي، وبالوقت نفسه، وأمام محاولات روسيا والنظام السيطرة على كامل إدلب، واتباع سياسة الأرض المحروقة المعتادة من قبل الاحتلال الروسي التي تطال المدنيين بهدف الضغط على الحاضنة الشعبية، والبنى التحتية، وما ينجم عن ذلك من ضحايا، ومن حركة نزوح كبيرة لا تجد لها ملاذًا غير تركيا، قامت تركيا بتقديم دعم ملموس للجيش الحر، وفتحت المجال لعبور عديد الفصائل العسكرية المتواجدة بالشمال إلى إدلب مما خلق ميزانًا جديدًا للقوى، أسفر عن استعادة عديد المناطق التي سيطر عليها النظام، وتكبيده خسائر كبيرة. والتصريح الصادر عن اللواء فيكتور كوبتشيشين الناطق باسم الجيش الروسي في قاعدة حميميم حول إدلب وتركيا يقول 🙁 جاء الرد التركي على مقترحاتنا عكس ما توقعنا، لذلك سنقوم بالإجراءات اللازمة وهي اقتلاع الإرهاب من المناطق التي تهدد أمن جنودنا ومصالحنا، ومصالح حلفائنا)، وهو تصريح خطير يفيد بأن العمليات في إدلب لن تكون محدودة، وتتجاوز (المصالح الروسية) إلى أهداف معلنة للنظام السوري ب (استرجاع إدلب). هذا التطور الذي يجد ترجماته على الأرض في الحرب الشاملة على إدلب، واستمرار استهداف الحاضنة الشعبية، والبنى التحتية لفرض أمر واقع جديد سيكون له تداعياته على الموقف التركي من جهة، وعلى مستوى المعارك المحتملة من جهة أخرى، وبما يفيد أن تركيا ترفض ما تقوم به روسيا من حرب تدميرية شاملة، وتمكين النظام من سيطرته على إدلب، وبما يفتح المجال لاحتمالات متعددة نخشى ألا تكون إدلب هي التي ستدفع الفاتورة الأكبر”.
أما الكاتب السوري زكريا السقال فيرى أن ” المقتلة السورية والاستباحة التي تتعرض لها، لا أجوبة عليها، فهناك برامج وترتيب مصالح ونفوذ تتحكم به القوة، وقدرة هذه القوة باختراق الواقع السوري وقواه لفرض منطق المستقبل بما يتوافق ونفوذ هذه القوى التي تسرب نفوذها وتراقب الضحية وقربها من السقوط، وهي بدروها تحدد وتخطط لهذا بمبادرات وخطط، وهكذا ابتدأ مسار الاستباحة السورية الذي وقع به السوريين منذ ديمستورا ومبادراته المفتتة للوضع السوري، مناطق وأجزاء، لهذا فقد تم القفز على قرارات جنيف، وانقسمت المعارضة العاجزة المخترقة لمنصات وحلقات ولجان.” وتابع بقوله ” تخضع سورية بشكل كامل للإرادة الدولية التي تتحكم بسوريا ضمن مناطق نفوذ، وتتصارع على مصالحها بالدم السوري والمدن السورية. وعندما نقول القوى المتنفذة بالقرار السوري، أيضًا تخضع هذه القوى لمنطق القوة والنفوذ، وبهذا فالولايات المتحدة الأميركية هي التي تتحكم بهذا وتهب وتعطي لحلفاء وشركاء بترتيب المنطقة، وسورية منها، أدوارًا وحصصًا وقد يعترض أحد ما على هذه الحصص، أو يريد ضمانات، وهذا ما يعطي هذا الترتيب طابع الصراع العنيف الذي يدفع السوريون ثمن تسويته، ولمدى غير معروف، طالما السوريون فقدوا وخسروا وعبثوا بقرارهم الوطني ولم يحصنوه بقوة فاعلة على الأرض.” ثم أشار إلى أن ” ما يحصل بريف حماة وإدلب دليل واضح على انفراط عقد الخطوة التي خطط لها الروس وجلبوا الأتراك والإيرانيين إلى منصة سوتشي، التي أيضًا لا نود الحديث عنها بأنها قفزت فوق كل أحلام السوريين بضمان فترة انتقالية يترتب عليها الإفراج عن المعتقلين وصياغة دستور وانتخابات للدخول لحل يلغي آثار هذه المقتلة البغيضة وإلغاء السوري وسورية، بل قفزت مباشرة لصياغة دستور أو الهروب للدستور، وترك ثمان سنوات من الصراع وضحاياها هباءً. لهذا فإسرائيل وأميركا يراقبان ويحددان بدقة ترتيب المنطقة حيث فُوض الروس بإيجاد حل لها، وكان المطلوب منها أولًا وبشكل سريع إلغاء الوجود الإيراني وتقليص نفوذ المليشيات، الأمر الذي يربك الروس بالوقت الذي يستعجلون ربط الممرات وتسهيل طريق الوقود وحماية قواعدهم، الأمر الذي جعل حليفهم التركي يتملص لعدم ضمانات.
اشتدت وتشتد المعارك بإدلب وريف حماة، حيث دخل الأميركان على الخط لطمأنة تركيا بشرق الفرات وضمان عدم تواجد قوات لقسد على الحدود التركية، وهذا ما جعل أميركا تشرف على مصالحة، كردية/ كردية، أي حزب الاتحاد الديمقراطي، وأحزاب المجلس الوطني الكردي. وسيبقى السوريون خارج المعادلة بانتظار الحلول التي تتناسب ومصالح القوى المتنفذة، والسؤال المركزي للسوريين كي يخرجوا من هذا المسار ويتوافقوا على حل يضمن وحدة سورية وحياة السوريين وإبعاد القتلة والطغاة وكل القوات التي استباحت سورية ومواطنيها “.
الباحث السوري محمد صالح أكد لجيرون أن ” تركيا تنظر إلى عمقها الإستراتيجي في سورية ولبنان. وذلك عبر داوؤد أوغلو. وإيران التي استوردت أشرارها عبر العراق أيضاً لتحقيق مكاسب في سورية. وتركيا لن تتراجع عن اتفاق سوتشي/ الأستانة إلا عندما يحقق هدفه، ستعلن أنها في حل منه وكل ما يجري اليوم هو من ضمن الاتفاق. وبعض الدعم بالسلاح لتحسين حصتها. “
محمد خليفة كاتب سوري معارض قال ” العلاقة الروسية التركية تمر في منطقة مطبات عنيفة، بسبب الخلافات بينهما حول مستقبل النظام السوري تحديدًا، لا (كما يقال) بسبب تحسن العلاقات الأميركية التركية وتوصلهما إلى تفاهم حول مشروع المنطقة الآمنة، ولا بسبب بقاء جبهة النصرة مسيطرة حتى الآن على ادلب (كما يقال أيضًا). في الواقع إن الخلاف بين الشريكين يتركز حاليًا على الموقف من بشار الأسد أكثر من أي موضوع آخر. الروس يضغطون على شريكهم التركي ليبدأ التطبيع السياسي السريع مع بشار الأسد، ويريدون منه أيضًا الضغط على ما بقي من معارضة لتحذو حذوه أيضًا. ويجد أردوغان حرجًا في تلبية كلا المطلبين، وقد قام ببعض الخطوات على مستوى الأجهزة الأمنية بين الدولتين، وحصرًا في ملف التعاون ضد المشروع الكردي الانفصالي لأنه يهدد البلدين، ولكن الروس يستغلون ضعف الموقف التركي حاليًا ليقنعوا أردوغان بلقاء رسمي على مستوى القمة مع بشار بضيافة بوتين في روسيا. ويبدو أن أردوغان لم يرفض الفكرة منذ أن عرضت عليه العام الماضي، ولكنه استمهل وطلب التأجيل، وهو غالبًا ما يحاول تفادي مثل هذه الاستحقاقات الصعبة بالتسويف دائمًا، كموقفه من تصفية هيئة تحرير الشام في الشمال السوري”. ثم أضاف ” إن اتفاق سوتشي 17 أيلول/سبتمبر 2018 بشأن وقف إطلاق النار على إدلب قد انهار فعليًا على الأرض وأصبح جثة هامدة مع مئات الجثث التي قتلها الروس والايرانيون وقوات المجرم، لأن الروس منذ لحظة التوصل إليه لم يكونوا راضين عنه، لأنه كان يميل لصالح أردوغان وخرج بوتين منه محرجًا. إلا أن هذا لا يعني أن العلاقات بين الشريكين ستنهار، لأنها تستند على قواعد متعددة أبعد وأهم من موضوع ادلب، ويدخل فيها بعد دولي، كحاجة تركيا لروسيا في مواجهة ضغوط أميركا وأوروبا على أردوغان بسبب بعض سياساته الانفرادية الجامحة خارج السرب الأطلسي والغربي. فضلاً عن حاجة تركيا الماسة للتنسيق مع الروس في الساحة السورية، لأنهم يمسكون بمقابض الباب الخارجي لسورية ويستطيعون إخراج تركيا منها نهائيًا كما حدث في الفترة بين نوفمبر 2015 واغسطس 2016. والأرجح أن أردوغان سيستوعب الهجمة الروسية ويقبل بتقديم بعض التنازلات مقابل الحفاظ على العلاقة مع موسكو. لا سيما أن أردوغان أثبت قدرة براغماتية فائقة “.
المصدر: جيرون