مصعب عيسى
منذ سبعينيات القرن المنصرم بدأت كواليس السياسة الفلسطينية بالتشعب داخل ممرات القضية وانفاقها عبر تيارات مختلفة ذات اليمين وذات اليسار اتحدت مصالحها متخذة من انهيار الأنظمة التقدمية سببًا لانتهازيتها وبدأت بنبش القرارات الدولية والزيارات المكوكية ليتم الاعلان عن اول صفقة قرن فلسطينية ممهورة بختم منظمة التحرير بكامل حضورها وتياراتها مستندة إلى التفريط الاول بالأرض وشطب أكثر من نصف فلسطين التاريخية تحت ما يسمى المرحلية او البرنامج المرحلي.
في البدئ اعترضت بعض الفصائل على هذا البرنامج مشكلة ما يسمى جبهة الرفض الا ان المال العرفاتي المتحكم بقرار منظمة التحرير أجبر الجبهة على حل نفسها لتعود الفصائل من جديد إلى سقف عرفات موقعة على المرحلية بملء إرادتها.
ما ان انتهت حرب لبنان وحصار بيروت حتى انكشف الستار عن النفق المظلم الذي تحدث به السيد عرفات قبيل خروجه من بيروت هذا النفق الذي رأى من خلاله فلسطين لوحده حتى استقرت السفينة في يومها السابع على شواطئ تونس التي بدأت على شواطئها مرحلة خطيرة كشرت عن أنياب التفريط القادم.
وهنا يورد الكاتب والصحفي بونوا فوكون في كتابه الروتشلديون العرفاتيون او كيف صنع المال منظمة التحرير، يسرد فيه تاريخ فتح واموالها وصفقاتها التجارية وعن تاريخ المنظمة في تونس يكتب فوكون عن الاجتماع الذي جمع عرفات برجال أعمال ومصرفيين فلسطينيين، وفي إجابة لعرفات عن سؤال أحد الصحفيين عن ماهية هذا الاجتماع أجاب انه اجتماع يضم نواة الدولة الفلسطينية الجديدة.
وماهي الا أشهر حتى بدأت عمليات الاغتيال تطال أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح فكانت الشهادة من نصيب ابو جهاد وابو اياد القادة الأكثر تمسكا بالقرار الوطني المستقل والمناهضين لأي عمل تفاوضي مما أتاح لعرفات البدء بمشروع التفاوض سرا منقلبا على وفد التفاوض المشترك الذي كان يترأسه المرحوم حيدر عبد الشافي.
والمعروف أن مهندس مفاوضات عرفات كان يديرها وريثه الفتحاوي محمود عباس الذي تمكن مع عرفات من الانشقاق على البرنامج المرحلي وتوقيع ثاني صفقة قرن بأيادي فلسطينية لا وصاية عليها من أحد فجاء اتفاق اوسلو نذير شؤم على القضية الفلسطينية محدثا هزات وخيبات امل كبيرة في الشارع الفلسطيني خاصة على ساحة الشتات والمخيمات فأصبح الوطن الفلسطيني عبارة عن مناطق ألف وباء وجيم مفصولة بمئات الحواجز عن بعضها.
واصبحت الثورة مؤسسة تضم العديد من موظفي التنسيق الامني المقدس الذي سارع بالانقضاض على اخر الآمال بتصحيح المسار الفلسطيني من خلال ملاحقة الناشطين والأحرار وأعد سجون أكثر قذارة من تلك التي صنعتها دولة الاحتلال الاسرائيلي فأصبح الفلسطيني بفضل منظمة التحرير وسلطتها مجموعة من شعوب مختلفة الاهداف والطموحات متغايرة موزعة بين الضفة وغزة والمخيمات تواجه احتلالين أحدهما اسرائيلي والاخر فلسطيني.
والأنكى من ذلك كله ان الاختلاف وتكريسه بين أبناء الشعب الفلسطيني الواحد زاد بعد الانقسام الفلسطيني الذي يبدو أنه لن ينتهي الى يوم الدين.
كل هذه العوامل أضعفت الشارع الفلسطيني في غزة والضفة والمخيمات التي لاقت النصيب الأكبر من خيباتها بعد اوسلو الذي عمل على تهميشها بعد ان انطلقت من ازقتها اول الرصاصات وقوافل الشهداء. فتراها اليوم وحيدة تعاني نكبتها بمفردها.
ترى ماذا ينفع فلسطين لو لم يعد اللاجئون اليها، ماذا تعني ثورة وقضية دون المخيم الذي أصبح في ملفات النسيان الدولي والعربي والفلسطيني. هل ما حدث سابقا كفيل بتبرئتنا شعبيا وفصائليا امام القضية في خضم الحديث المتداول الان عن ما يسمى صفقة القرن. قطعا لن يبرئنا التاريخ. نعم انها صفقة القرن التي ستأتي تتويج لخيباتنا ونكساتنا ونكبتنا ودفاعنا الفاشل وفكرنا المأزوم ونظريتنا الغبية عن الحرية.
نحن من صنعنا صفقة القرن ولا زلنا نعد الهزائم بقصد من خلال صمتنا عن اول نقطة شطبت الميثاق القومي واستبداله بالوطني ثم عن النكسة الثانية حين تم مسخ الميثاق الوطني ليناسب عقلية اوسلو وسط تصفيق حار وتسحيج غير منقطع النظير
نكذب على أنفسنا بقولنا انها السياسة. نعزي أنفسنا أننا اصحاب أعظم قضية على وجه التاريخ المعاصر. صنعناها حين صنعنا طواغيت فلسطين الذين احتلوا فلسطين بشعارات مهترئة لا تغني ولا تسمن من جوع. صنعناها من خلال صمتنا عن الفساد المستشري داخل الاحزاب والتنظيمات الفلسطينية التي تؤمن بالتغيير ولكن اي تغيير ذاك الذي يضمن مصالحها وكرسي وزارة في دولة مسخ على بعد أمتار من رام الله وراتبًا شهريًا بالعملة الصعبة. أي ثورة تلك التي تتقاضى رواتبها بالدولار الأمريكي.
صفقة القرن القادمة هي تكريس لكل النكبات الفلسطينية الفلسطينية. لذا من يدعو للتظاهر امام سفارات البحرين والتنديد عليه أولا أن يدعو للتظاهر ضد سفارات فلسطين التي تعتبر الممثل الخارجي لسلطة التنسيق الأمني، أن يدعو لإسقاط اوسلو
واسقاط المرحلية بكل عناوينها، والا فستكون المنامة خيبتنا الأخيرة ..وسيكتب التاريخ أننا أضعنا فلسطين بمحض إرادتنا.