غازي دحمان
تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بتحقيقه إنجازاً أمنياً لإسرائيل، عبر موافقة روسيا والولايات المتحدة على إرسال مستشاريهما للأمن القومي إلى القدس للتباحث حول قضايا الشرق الأوسط الاستراتيجية ذات الاهتمام المشترك والمصالح المتقاطعة. وليس خافياً سر تفاخر نتنياهو، وتأكيده للجمهور الإسرائيلي أن هذه القضايا هي التي يجب أن يجري الاهتمام بها، وليس إعادة انتخابات الكنيست، يريد القول إنه استطاع وضع إسرائيل في منزلة القوى الكبرى التي تناقش مصائر الشرق الأوسط، وتحدّد مساراته في قادم الأيام والسنين، الأمر الذي لفت انتباه إعلام موسكو، وغمزت صحافتها من حماسة نتنياهو الزائدة، على اعتبار أن إسرائيل ليست أكثر من قناة لعقد اللقاء، وليست شريكاً في صنع القرارات التي ستصدر عنه.
وبعيداً عن مدى دقّة كلام الإعلام الروسي، ليس سراً أن المؤتمر الذي سيحضره كل من جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، ونيكولاي باتروشيف سكرتير مجلس الأمن القومي الروسي، ومئير بن شابات مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، سيركز، بالدرجة الأولى، على مصير سورية. وعلى الرغم من العنوان الفضفاض الذي تم الإعلان عنه، مناقشة قضايا الأمن في الشرق الأوسط، التي تتشعب لتطاول “أكثر من نصف” جدول يوميات السياسة الدولية، حسب وصف صحيفة الكرملين، فإن الأمر لا يعدو سوى عنوان فضفاض، على اعتبار أن روسيا لا تهتم كثيراً بقضية صفقة القرن التي تعتبر أهم قضايا الشرق الأوسط في هذه المرحلة، كما أن واشنطن وتل أبيب لا تبغيان من موسكو في هذه القضية سوى عدم الرفض العلني لها.
وفي البحث عن مصير سورية، يجري الحديث عن دور إيران ووجودها ونفوذها الضارب، وفي خروج إيران من سورية مصلحة لكل سوري، كونها قامت بأعمال مدمّرة في سورية بشنها حرب إبادة معلنة ضد الأكثرية السورية، كما أنها سعت إلى إلغاء الهوية السورية لجميع السوريين، وتحويلهم إلى أتباع بهوية مذهبية وجنود في مشروعها الفارسي الطامح للسيطرة على الشرق الأوسط. ولكن ليس من مصلحة السوريين أن يتم تجيير طرد إيران من سورية لخدمة المشروع الجيوسياسي الروسي، ولا أن تصبّ فوائد إخراج إيران في أرصدة روسيا على حساب دماء مئات آلاف السوريين وآلام الملايين الذين تم تشريدهم، والذين ساهمت روسيا بحصةٍ وازنةٍ في عملية قتلهم وتشريدهم وإفقارهم!
لم توافق روسيا على هذا الاجتماع وتتحمّس له، لو لم تكن لديها تأكيداتٌ بأنها ستنال مقايضة دسمة في ما يخص وجودها في سورية، وروسيا على علمٍ بالوعود الدولية الكريمة لها في حال نجاحها في إخراج إيران، ولديها وعودٌ بتطويب سورية ملكاً لها، ومنحها رخصة تشكيل النظام السياسي والتحكّم بالحياة السياسية، بل وبإعطائها حصصاً معتبرة من عائدات عملية إعادة الإعمار في سورية، وذلك كله في مقابل الحفاظ على أمن إسرائيل. وبهذا تستبدل سورية “الأسد” وظيفتها من ممرّ للسلاح الإيراني إلى حزب الله إلى قاعدة روسية لحماية أمن إسرائيل، وكأنه مكتوبٌ على شعب سورية أن يبقى صفراً في المعادلات السياسية الإقليمية ثمناً لحكم آل الأسد.
ليست روسيا أكثر رحمة من إيران على السوريين، وتكريس وجودها في سورية ينطوي على خطر وجودي على الأكثرية؛ بالنظر إلى العداء الذي تكنه تجاههم، ولم تُحرج عن إعلانه في أكثر من مناسبة، كما لم يُخف إعلامها عداءه للسوريين، وتشويه صورتهم وملاحقتهم إلى بلاد اللجوء، والتحريض عليهم عبر وصفهم برابرة. وفضلاً عن احتكارها مصادر الثروة في سورية لعقود مقبلة، ما يعني أن السوريين طوال مرحلة إقامة روسيا في ديارهم لن يحلموا بأكثر من عيش الكفاف.
وبموازاة ذلك، ستقوي روسيا حكم الأوليغارشية لخمسين سنة مقبلة في سورية، وبما أنها في الأصل نظام مافيوي، فإنها ستعمل على دعم (وتقوية) النخب التي تشبهها، وقد بدأت بنسج علاقات مع رجالات اقتصاد الحرب في سورية، الذين صنعوا رؤوس أموالهم من تجارة الحرب السوداء، كما أسّست طبقةً سياسية، غالبية عناصرها من الشخصيات التي أعلنت عداءها لثورة السوريين، ووقفت ضد طموحاتهم في الحرية والكرامة. وقد ينتهي بها الأمر إلى فصل الساحل السوري نهائياً، وضمه للاتحاد الروسي. وفي النهاية، روسيا دولة احتلال، وستعمل بأدوات الاحتلال واستراتيجياته في سورية.
اجتماع القدس خطير جداً بالنسبة لسورية، لأنه سيطلق ورشةً من المتغيرات، وسيشرعن الاحتلال الروسي، ويمنح عميله الأسد شرعية الحكم، وسورية مقبلة على مرحلة خطيرة في ظل معادلة مقايضة الولايات المتحدة وأوروبا والدول العربية الاحتلال الإيراني بالاحتلال الروسي. ولكن من قال إن روسيا، وبعد أن تأخذ شرعية من العرب والعالم بحكم سورية، وتتدفق عليها الأموال بذريعة تمويل عملية البناء، لن تسحق السوريين الذي يدورون خارج فلكها، وهم كثيرون، ويمثلون أكثر من ثلاثة أرباع السوريين؟
من حق نتنياهو أن يزهو بنفسه أمام الإسرائيليين، ما دام يشتري لهم مصالح استراتيجية يدفع ثمنها الضحايا، وتقطف إسرائيل ثمار تضحيات الشعوب العربية، أما العرب فلا عزاء لهم، ما دامت نخب الحكم البائسة تسيطر على مصائرهم.
المصدر: العربي الجديد