خليل إبراهيم
عادت بلدة قمحانة في ريف حماة الشمالي، لتتصدر عناوين بعض المواقع الإخبارية بعد مقتل بعض أبنائها في قصف طالها من قبل مسلحي المعارضة أثناء المعارك الأخيرة، وكذلك بعد مقتل أحد أبنائها في قصف إسرائيلي لموقع عسكري للنظام في القنيطرة. ونشط الموالون لتعزية القرية بمن فقدت، ووجدوا فرصة للإشارة إلى أن العدو الذي قتلهم هو واحد؛ إسرائيل وعملاؤها. إذ، لطالما كانت هذه القرية محط استفهام وتعجب منذ بدء الثورة السورية، فسكانها من السنّة، ومنها تشكّل “فوج الطراميح”، رأس الحربة المقاتلة في مليشيات “قوات النمر”.
“قرداحة حماة”!
مبتسماً وصف زكريا قريته، قمحانة، وأضاف: “بل إنها خلال السنوات الأخيرة أصبحت مشهورة أكثر من القرداحة، ففي كل معارك الريف الحموي كانت مليشيات قمحانة حاضرة فيها، هذا إضافة إلى المعارك على امتداد سوريا، فأينما كان هناك معارك لسهيل الحسن، سيكون هناك مقاتلون من قمحانة”.
يتابع زكريا: “قريتنا مهمة جدا بالنسبة للنظام، لذلك من الصعب تصور أنه سيتخلى عنها”. إذ تُشرفُ قمحانة على مدينة حماة التي تبعد عنها بضع كيلومترات، كما تقع على سفح جبل زين العابدين الذي يكشف مدينة حماة وكل المنطقة المحيطة به، والذي منه كانت مدفعية النظام تقصف ريف حماة الشمالي. عملياً، قمحانة خط الدفاع الأخير عن حماة وعن الجبل، و”سقوطها بيد المعارضة يعني أن مدينة حماة ستصبح مسرح العمليات العسكرية، وقد تسقط هي الأخرى بيدهم”، بحسب زكريا.
ياسر، أحد شباب قمحانة الذين غادروها، يقول: “القول إن النظام وحده الذي استطاع أن يبعد قمحانة عن الثورة، هو قول لا يشرح كل شيء. في الواقع، معظم أهالي قريتي هم موالون للنظام. وهذا يعني، أن هذا الأخير قد وجد له أرضية سهلت له السيطرة على القرية. لقد شهدت قمحانة العديد من المظاهرات في بداية الثورة، وكان بعض الشبان يذهب إلى مدينة حماة للمشاركة في مظاهراتها، لكن كل ذلك انتهى، وكانت الضربة الأولى لكل هذا من قبل الموالين للنظام من أهل القرية”.
يكمل ياسر: “هناك شهداء قتلوا على يد النظام تحت التعذيب في المعتقلات أو في ساحات القتال، وهناك معتقلون ومقاتلون ضد النظام حتى الآن. ولكن إلى أي حد يسمح لنا هذا أن نتكلم عن انقسام بين أهالي قمحانة؟ منذ البداية كنا الأقلية، أما الأغلبية فكانت من الموالين مع وجود فئة مترددة، لم تجذبها الثورة”.
ويكمل: “هذه الفئة الأخيرة ستصبح في ما بعد أقرب لفئة الموالاة، لأسباب عديدة ومهمة. منها: أن من بقي من هؤلاء في القرية قام النظام بسحب أولادهم إلى الجيش، منهم من قتل في المعارك، وهؤلاء من الصعب، نفسياً، على أهاليهم وأخوتهم ألا ينظروا إليهم كشهداء، وينظروا إلى قاتليهم كظالمين ومجرمين. وكذلك حال من بقي يقاتل منهم، فمن الطبيعي أن يكون أهاليهم معهم”. والسبب الثاني، “هو خوفهم من انتقام فصائل المعارضة في حال دخلت إلى قمحانة. وللأسف فإن صيحات الانتقام عند العديد من هؤلاء كانت مرتفعة”. وأخيراً، فإن “بعض أهالي البلدة، يرى أن النظام باق ولن يرحل، فوجدوا أنه من الأفضل الالتحاق به”.
حول أسباب إلتحاق الكثير من أبناء قمحانة بالنظام، أجاب عبد الرحمن، عن سؤال “المدن”: “أظن أن أهم الأسباب هي من ذلك النوع الذي تجده في كل مكان، حتى الأماكن التي ثارت على النظام، كبلدات ريف حماة الشمالي مثلاً، إذ لا تجد بلدة لا يوجد فيها موالون للنظام. وهذه الأسباب العامة: جزء من الملتحقين بالنظام لهم مصالح معه، وجزء لأنهم صدقوا روايته حول المؤامرة على البلد، وآخرون خوفاً منه أو لعدم ثقتهم بمن ثار ضده”. ويتابع: “يضاف إلى هؤلاء المرتزقة والزعران الذين أطلق النظام يدهم في النهب والقتل”.
نعم، قد تجد مثل هذا في كل البلدات والمدن، “لكن ظاهرة الموالاة في قمحانة كانت أضخم من غيرها”. ويكمل عبد الرحمن: “البعض يعيد هذا إلى دور سحري لآل السباهي الذين استطاعوا أن يجندوا الناس مع النظام. والبعض لم يستطع إلا أن يقحم العامل الطائفي فذهب مثلاً إلى أن آل السباهي من أصول علوية! أجد هذا مضحكا! فبغض النظر عن صحة هذا الكلام وأنا لا أعتقد بصحته فهو يصبح بلا معنى عندما نجد في قمحانة عائلات سنية كبيرة وصغيرة، ساندت النظام بما لا يقل عن آل السباهي، ومنذ البداية”.
عبد الرحمن، يورد في معرض حديثه رأياً سمعه، عن سبب موالاة قمحانة للنظام، يتعلق بتأثير مقام زين العابدين، الذي يقصده العلويون من كل مكان. إذ أنه، ربما عبر الزمن، تشكلت علاقات بين هؤلاء وبين أهالي قمحانة السنة. “لا أدري إلى أي حد وامتداد وصلت هذه العلاقات أو كانت مؤثرة، لكن أريد أن أؤكد لك أن هناك أشخاصاً فقراء غير مستفيدين من النظام، وآخرين متدينين سنة التحقوا بالنظام منذ البداية أيضاً”.
“قمحانة الأسدية” والحرب!
عن الوجه المحارب لقمحانة، وهو الوجه الذي اشتهرت به، يقول زكريا: “كان دخول قمحانة في الأحداث عنيفاً منذ بداية الثورة. عدا عن القمع الذي لحق بالمعارضين من أبناء القرية آنذاك، فقد امتد الأمر ليطال أهالي بعض البلدات في ريف حماة الشمالي الذين كانوا يريدون أن يشاركوا في مظاهرات حماة، لكن شبيحة قمحانة سدوا عليهم الطرق واشتبكوا معهم. منذ تلك الأيام ستجد أن هناك انشقاقاً واضحاً في بعض عائلات قمحانة، إذ سيلتحق البعض بالمعارضة كمقاتلين أو إعلاميين، أو كأصحاب موقف، بينما البعض الآخر من العائلات ذاتها سيلتحق بالنظام كمقاتلين أو أصحاب موقف. وسيسقط قتلى من العائلات ذاتها، على طرفي القتال، لدينا أمثلة كعوائل سودين والعمر وغيرهم”.
عن ذات الوجه المحارب، يقول عبد الرحمن: “بالنسبة لقمحانة ومن قاتل من أبنائها مع الأسد، هناك من التحق بالجيش وقاتل معه، وهناك من قاتل مع مليشيات شيعية أو مع السوريين القوميين وغيرهم. لكن الصيت القتالي لقمحانة لم ينتشر إلا بعد تشكيل مليشيا الطراميح، كما أطلق عليها سهيل الحسن، والتي سيعتمد عليها ويثق بها. منتسبو الطراميح من قمحانة يثقون بالحسن، ويوالونه بشكل كامل”.
ولهذه المليشيا؛ “الطراميح”، صولات وجولات في معظم معارك سهيل الحسن، خصوصا معارك حلب وريفها وريف حماة الشمالي. “إنهم مقاتلون أشداء، وبدا هذا على أكثر من جبهة، خصوصاً أثناء الهجوم الكبير على قمحانة في آذار 2017، حيث لم تستطع قوات المعارضة أن تأخذ البلدة التي قاتل من فيها بشراسة”. البعض قد يقول إن هذا الصمود بسبب الطيران والدعم من قبل النظام أثناء المعركة، “هذا صحيح نسبياً، لكن الطيران والدعم كانا حاضرين في كل المعارك آنذاك، ومع ذلك هزمت قوات النظام شر هزيمة حتى لم يبق سوى قمحانة فاصلاً بين قوات المعارضة ومدينة حماة”.
المصدر: المدن