اشتاق لأمه التي ماتت وهي تحمله بَرصاصة في مظاهرة كانت تهتف فيها للحرية كما أخبروه.. كان ما يزال طفلا رضيعًا وكانت الثورة أيضًا طفلةً مثله، خرجت أمه تدندن له ولها فسبقتها رصاصة قناص.. لم تترك له سوى صورتها الأخيرة التي التقطوها لها وهي تزف كعروس للجنة.. فكل البيت لاحقًا تهدم وبقيت تلك الصورة إرثًا مخبأ في صدر جده سلمه إياه وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة منذ سنوات أيضًا.. لم يبق له من أمه إذًا سوى تلك الصورة التي خبأها في كتاب.. نسي أنه مازال موجودًا منذ سنين.. فتح الخزانة أخرج الكتاب.. نفض عنه الغبار.. فتحه في المنتصف في منتصف أحداث الكتاب بحث عن الصورة لم يجدها يذكر أنه وضعها في المنتصف حيث كان الكاتب ما يزال يبرهن على نظريته ويحاول إثباتها.. لكنه لم يجدها!! قلب الكتاب فإذا بها تسقط من بين آخر صفحتين. الصفحة الأخيرة حيث انتهى الكاتب من وضع البرهان وإثبات النظرية، وصفحة المراجع والمصادر.. وقعت أمه في حضنه.. شعر بقشعريرة أتبعها دفء.. أمسكها رفعها باتجاه عينيه.. نظر إليها ارتعدت أصابعه وارتجف قلبه لقد تغضنت الصورة وأصابت التجاعيد كل ما فيها حتى. أطرافها. ضمها لصدره وانهمر في بكاء طويل كل كلامه بعده كان: كبرت أمي.. شاخت أمي.