في حادثة لا يمكن أن تحصل إلا في مجلس الشعب السوري، هاجم 40 نائباً بعثياً، ونائبين اثنين من التيار الديني، النائب نبيل الصالح، طالبين منه ما يشبه “الاستتابة”، اعتذاراً للشعب السوري عن مواقفه الأخيرة التي تحمل “تطاولاً” على المقدسات الأبدية “البعث والإسلام”، بحسب مراسل “المدن” فادي خوري.
وفي مواجهة 42 نائباً، ممن هاجموا بكلمات نارية الصالح، لم يدافع عنه سوى 3 نواب، اقتضى الإخراج المسرحي للجلسة أن يكون اثنان منهم بعثيين، للإيحاء بـ”حرية الرأي” وعدم وجود توجيه ملزم للأعضاء، ما يتناقض مع طبيعة وتكوين مجلس الشعب السوري.
وكان رئيس المجلس قد امتنع عن إعطاء النائب صالح، مهلة يوم واحد لتحضير ردوده، كما منعه من تلاوة رده في اليوم التالي في محاولة لإغلاق الملف وإبقائه عند حدود الرسالة الرامية إلى تأنيب وتأديب “النائب المشاغب” كما يسمي الصالح نفسه.
وتتزامن محاولة تأنيب الصالح، مع تضييق النظام لهوامش الحريات في الفترة الأخيرة، حتى على إعلامييه وصحافييه المقربين، في محاولة منه لضبط الواقع السوري أمنياً وفق إيقاع المعلومات الشحيحة “منزوعة الدسم”، وإرجاع عقارب الساعة الإعلامية إلى ما قبل اندلاع الثورة. ويؤكد ذلك، أن إحدى التهم الموجهة للصالح، هي “تسريب وقائع جلسات المجلس إلى الإعلام”.
ووجه المجلس للصالح أكثر من 45 تهمة، يمكن اختزالها بأربعة تهم رئيسية، يتصدرها؛ “النيل من علمانية البعث”، الذي يأخذ عليه صالح أنه بسبب تراخيه سمح لعناصر “مندسة” من “الإخونج” بركوب قاطراته الخلفية والتسلل إلى صدارة المشهد البعثي. صالح، يؤكد على الدوام أن حربه ليست ضد “البعث العلماني”، وإنما ضد عناصر نافذة فيه لا تتبنى العلمانية التي يجسدها بشكل مطلق رئيسه بشار الأسد، وجيشه، والمفتي “العلماني” أحمد حسون.
وكان النائب صالح قد أطلق قبل فترة تجمعاً بشعار “العلمانية هي الحل”، يرى من خلاله أن “تغوّل” النفوذ الديني ممثلاً بوزارة الأوقاف لا يقف بوجه تطور سوريا ويهدد علمانيتها ومكتسبات نظامها وحزبها القائد فحسب، وإنما تعود أسباب اندلاع الثورة إلى تفشي التطرف الديني في المجتمع السوري نتيجة لغياب ثقافة العلمانية، وللدور السلبي الذي تقوم به وزارة الأوقاف بما تمثله، وهي الركيزة التي بنيت عليها التهمة الثانية الموجهة له، بمعاداة الإسلام.
وكانت تلك التهمة قد تكرست بعد سجالات متعددة بين صالح ووزارة الأوقاف، ومع الفريق الشبابي الديني وتجمع القبيسيات، ويعود جذورها إلى الجدل الذي أثاره المرسوم 16 للعام 2018. وشكل توجيه التهم للتيار الديني في الإعلام، وداخل المجلس، الشغل الشاغل للنائب صالح، متخذا منها قضيته المركزية، ومصوراً وزارة الأوقاف بوصفها سلطة شبه مستقلة عن النظام تقوم بدورها الافتراضي بلا رقيب أو حسيب.
تهمة نكران الجميل، وهي الأكثر إيلاما للنائب صالح، الذي ادعى استقلالية مجيئه للمجلس وحصوله على أكبر عدد من الأصوات في منطقته. وكشفت مجريات الجلسة أنه وفد إلى المجلس بتزكية وطلب من القيادة القطرية لحزب البعث، ودخل على لائحة “الجبهة الوطنية” ليكون رديفاً لها. لذا، فليس مقبولاً من ربيب “البعث” وصنيعته أن يعض اليد التي أجلسته على هذا المقعد، لتذهب التهمة إلى حدود معاداته لـ”ثورة البعث”.
ورغم أن قائمة التهم الموجهة إلى النائب صالح والتي رفضها ورد عليها في صفحته في الفيسبوك معتبرا أنها ناشئة عن تأويلات خاطئة لكلامه، لا تهدف إلى تجريمه، إلا أنها رسالة قاسية تهدف لإعادته إلى الدور الوظيفي الذي أنيط به عند السماح له بتشكيل “التجمع العلماني” لتكريس مفهوم “الخلل الثقافي في المجتمع”، وملء فراغ أيديولوجي في لحظة ما.
كما تهدف الرسالة لإعادة النائب إلى المسار المرسوم له وتحديد المسموح والممنوع بدقة له ولغيره، بعيداً عن البهلوانيات الدونكيشوتية التي يحاول الخوض فيها، خصوصا أن مقولاته باتت تتعارض بشكل واضح مع مقولات رئيسه الأخيرة التي اعتبر فيها أن المجتمع السوري الحالي بات أكثر انسجاما وتطورا من ذي قبل.
المصدر: المدن