مصير_ خاص
بدعوة من مفوضية الكتلة الوطنية الديمقراطية السورية في عنتاب، وبتاريخ 13تموز/يوليو 2019، أقيمت ندوة سياسية في مقر الكتلة، تحدث فيها المنسق العام لتجمع مصير أيمن أبو هاشم، حول صفقة القرن وتداعياتها على القضية الفلسطينية والمنطقة. وحضر الندوة وشارك فيها عدد كبير من المهتمين السوريين من سياسيين ونشطاء ومثقفين.
تحدث أبو هاشم عن الخلفية التاريخية التي مهدت لصفقة القرن، منذ اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، إلى اتفاق أوسلو عام 1993، إلى وادي عربة عام 1994، وهي محطات أسهمت في شرعنة الاعتراف الرسمي الفلسطيني والعربي بالكيان الصهيوني، وتحويل مبدأ الأرض مقابل السلام، إلى غطاء استفادت منه دولة الاحتلال، لاستمرار جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، واستمرار عمليات تهويدها للأرض الفلسطينية، تحت أوهام المفاوضات العبثية والسلام الزائف.
حيث أوضح أبو هاشم أن الأنظمة العربية ضغطت على الفلسطينيين كي يعقدوا سلام مع الإسرائيليين، والكل يعلم دور الأسد الأب في ضرب المقاومة الفلسطينية في لبنان في سبعينات وثمانينات القرن الفائت، ودفعها للخروج من ساحات المواجهة، وعندما أبرمت قيادة منظمة التحرير اتفاق أوسلو، أصبحت الأنظمة تقول بأنها توافق على كل ما يوافق عليه الفلسطينيون، ووجدت في هذا الاتفاق الذي قدمت فيه قيادة المنظمة تنازلات سياسية كبيرة على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، المبرر والطريق كي تفتح الأنظمة بوابات التطبيع الرسمي مع الإسرائيليين. وهكذا أصبحت فكرة مقاطعة إسرائيل التي كانت تبنتها جامعة الدول العربية منذ نكبة فلسطين عام 1948، وأقامت لها مكتب للمقاطعة، ملغية من حسابات الأنظمة، وأشار أبو هاشم في هذا السياق إلى أن القيادات الإسرائيلية كانت واضحة في مؤتمر مدريد للسلام عام 1991، عندما أعلن شامير وقتها أن المفاوضات ستستغرق سنوات طويلة، دون أي التزام بتطبيق القرارين 242 و338، وهذا ما تم فعلاً عندما رفضت إسرائيل التفاوض على قضايا الحل النهائي ( القدس – الحدود – اللاجئين- المياه ) بعد نهاية المرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو، والتي كان من المفترض انتهاءها عام 1998.
وأضاف أبو هاشم: أن اتفاق أوسلو الذي كان اتفاقًا ثنائيًا دون مرجعية دولية ضامنة له، واستفادة إسرائيل منه، لتمرير مخططاتها الاستيطانية وإجراءاتها التهويدية في الأراضي المحتلة، كان له نتائج كارثية على الوضع الفلسطيني، وأشدها خطورة استبدال فكرة التحرر الوطني بمشروع سلطوي، انشطر لاحقا إلى سلطتين في الضفة وغزة، وأدى إلى إخراج اللاجئين الفلسطينيين من معادلة الصراع. كل هذه العوامل أفقدت الفلسطينيين والشعوب العربية، الثقة بخيارات التفاوض وبكل ما نجم عنها من تضييع الحقوق الفلسطينية.
بعد هذا السرد التاريخي الذي تناوله أبو هاشم، لفهم مقدمات صفقة القرن والعوامل التي ساعدت على طرحها من الجانب الأمريكي، قام بعرض تفاصيل الصفقة في شقها الاقتصادي كما تم عرضها من قبل (كوشنير) عراب الصفقة في ورشة المنامة التي عقدت تحت شعار ( الازدهار من أجل السلام ) في 24و25 يونيو / حزيران الفائت، وهي السم الذي يريد ترامب أن يتجرعه الفلسطينيون والعرب بكل رضى وامتنان، وتحويل القضية الفلسطينية، من قضية وطنية عادلة إلى صفقة مالية، وحتى ال50 مليون دولار التي تتحدث الصفقة بأنها ستخصص لتنمية الضفة وغزة ومساعدة دول الجوار ( الأردن ومصر ولبنان ) سيتم دفعها من جيوب دول الخليج، وهذه مهانة لكل العرب، لم تتجرأ حتى الدول التي لم تحضر ورشة المنامة أن تبدي موقفاً منها.
ورأى أبو هاشم أن الشق السياسي في هذه الصفقة يهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وهو استكمال لحلقات الموقف الأمريكي من الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وإنهاء قضية اللاجئين وحق العودة، من خلال تصفية دور الأونروا التي شكلت الشاهد الدولي على قضية اللاجئين، وكذلك إنهاء كل إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، والعودة إلى الطرح الإسرائيلي منذ السبعينات، في تحويل الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى مناطق حكم ذاتي منفصلة عن بعضها البعض، ولذلك فإن صفقة القرن تعكس في مضمونها الرؤية الإسرائيلية اليمينية لحكومة نتنياهو، التي لا مكان فيها للحقوق الفلسطينية جملةً وتفصيلا.
وحول ممكنات إفشال صفقة القرن، أكد أبو هاشم أن الموقف الفلسطيني الفصائلي والشعبي متحد على رفض هذه الصفقة المهينة، والرهان الأكبر على صمود الشعب الفلسطيني الذي قدم تضحيات كبيرة طيلة قرن من الزمان في معارك الدفاع على هويته وحقوقه الوطنية، وأن ثورات الربيع العربي وقدرتها على إنجاز مشاريع الحرية والتغيير، هي الضمانة الكبرى لتمكين الشعوب العربية من استعادة قراراها الوطني، والقيام بدورها الحقيقي في دعم حقوق الشعب الفلسطيني، وختم أبو هاشم، أن المواقف الفصائلية الفلسطينية المنحازة لنظام الإجرام الأسدي، تشير إلى الأضرار الكبيرة التي تشكلها هذه المواقف على الفلسطينيين أنفسهم قبل السوريين، وهي تصب في مصلحة استمرار متاجرة نظام الأسد والنظام الإيراني بالمقاومة والممانعة، ويجب كشعب فلسطيني رفض مواقف الفصائل وفضح سلوكها الانتهازي، لأن انتصار فلسطين يمر عبر تحرر الشعوب العربية وخلاصها من أنظمتها، وليس من خلال تأييد القتلة والوقوف إلى جانبهم.
في نهاية الندوة، جرت محاورات ومناقشات هامة حول ما تناوله المتحدث، أسهمت في إغناء موضوع اللقاء من مختلف الجوانب.