أمين العاصي
لم تثنِ مناشدات دولية النظام السوري والجانب الروسي بالتوقف عن استهداف المدنيين في شمال غربي سورية، عن استمرار القصف الجوي والمدفعي في المنطقة التي تضمّ نحو 4 ملايين مدني جلهم نازحون أو مهجرون. وقد عاد الطيران الروسي ومقاتلات النظام الحربية إلى استهداف مدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي، مع قصف الطيران الروسي بصواريخ شديدة الانفجار أمس الأربعاء مدينة أريحا في ريف إدلب الجنوبي، ما أسفر عن مقتل امرأة وطفل، وإصابة ثلاثة آخرين بجروح بينهم طفلة، وفق مصادر محلية. وتزامن ذلك مع قصف مماثل على مدينة معرة النعمان في ذات الريف، أسفر عن إصابة مدنيين بجروح، فضلاً عن وقوع أضرار مادية جسيمة حسبما أفاد به ناشطون إعلاميون محليون. من جانبه، أشار المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى عودة طائرات النظام والمقاتلات الروسية إلى قصف محافظة إدلب ومحيطها، فنفذت طائرات حربية روسية غارات عدة على مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي، في حين شنّت مقاتلات النظام الحربية نحو 15 غارة جوية على كل من معرة النعمان وأريحا وخان شيخون بريف إدلب الجنوبي، والسرمانية ودوير الأكراد بسهل الغاب، بالإضافة إلى محور كبانة في ريف اللاذقية الشمالي. الأمر الذي تسبب بسقوط جرحى في كل من أريحا ومعرة النعمان.
وشهد ريف حماة الشمالي الغربي عمليات قصف متبادل بين فصائل المعارضة السورية المسلحة وقوات النظام، فقصفت الأخيرة بالمدفعية والصواريخ محاور تل ملح والجبين والحويجة والحواس والسرمانية ودوير الأكراد في ريف حماة الشمالي الغربي، وذلك تزامناً مع تحليق طيران الاستطلاع في سماء المنطقة. كذلك شنّ الطيران الحربي التابع للنظام غارة في محيط مدينة خان شيخون جنوب إدلب.
في المقابل، قصفت المعارضة المسلحة بالمدفعية والصواريخ مواقع للنظام في محور الجبين والقصّابية والحويز في ريف حماة الشمالي. وقتل عدد من عناصر قوات النظام وأصيب آخرون بجروح، الأربعاء، جراء تدمير مقاتلي فصائل المعارضة رشاش 23 لقوات النظام على جبهة القصابية، بريف إدلب الجنوبي، وفق مصادر إعلامية معارضة. وتعتمد فصائل المعارضة استراتيجية استنزاف قوات النظام من خلال استهداف تجمعات قوات النظام بقذائف المدفعية والصواريخ الموجهة.
ومن المتوقع أن يصعّد النظام والجانب الروسي عمليات القصف الجوي والمدفعي على شمال غربي سورية حتى انعقاد الجولة الجديدة من مفاوضات أستانة في العاصمة الكازاخية نور سلطان مطلع الشهر المقبل، في مسعى لتثبيت خارطة السيطرة الجديدة التي تتيح لقوات النظام البقاء في 18 بلدة وموقعاً سيطرت عليها خلال شهر مايو/ أيار الماضي. ولكن الأتراك يطالبون بعودة قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، قبل البحث في أي اتفاق جديد يوقف إطلاق النار.
ومن الواضح أن الجانبين الروسي والتركي ورغم التصعيد العسكري، يدفعان باتجاه عدم انهيار اتفاق سوتشي المبرم بينهما في 17 سبتمبر/ أيلول الماضي، وتم بموجبه إنشاء منطقة آمنة في محيط إدلب بين مناطق النظام والمعارضة، بحدود تراوحت بين 15 و20 كيلومتراً، خالية من السلاح الثقيل. ونصّ الاتفاق المذكور على “استعادة طرق نقل الترانزيت عبر الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول نهاية عام 2018”. ولكن هذا البند لم ينفذ وهو ما كان أحد الأسباب التي دفعت الجانب الروسي إلى التصعيد الأخير. وتسيطر المعارضة السورية على أوتوستراد حلب ـ اللاذقية من منطقة الراشدين في ريف حلب الغربي، التي تُعتبر منطقة اشتباك، مروراً بمدينتي سراقب وأريحا ثم ريف جسر الشغور في ريف إدلب، إلى ريف اللاذقية الشمالي عند منطقة الناجية.
ومنذ بدء التصعيد العسكري من قبل النظام والروس أواخر إبريل/ نيسان الماضي، كان لمدن وبلدات ريف إدلب الجنوبي النصيب الأكبر من القصف الجوي والمدفعي الذي تسبب بمقتل وتشريد عشرات آلاف المدنيين. ولا يكاد يمر يوم من دون أن تتعرض مدن خان شيخون ومعرة النعمان وأريحا لقصف جوي. وهو ما أدى إلى تدمير واسع في المرافق العامة وممتلكات المدنيين. ووثّق فريق الرصد والبحث الميداني في إدلب تشريد 60 ألف مدني من بلدة كفرنبل في ريف إدلب الجنوبي وحدها منذ بدء حملة التصعيد الأخيرة، مشيراً في تقرير له إلى أن “القصف من قبل قوات النظام والجانب الروسي استهدف 5 مستشفيات و32 مدرسة و3 مساجد ومركزاً للدفاع المدني و3 أفران للخبز، ومركزاً إعلامياً في البلدة”.
وبدأت الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية بدق ناقوس الخطر، معلنة أنها “وثقت مقتل أكثر من 400 مدني، منذ نهاية إبريل الماضي”. وقال نائب المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان حق، في المقر الدائم للمنظمة الدولية بنيويورك، إن “الهجمات التي وقعت يوم الإثنين بإدلب كانت أكثر الهجمات دموية على المناطق المدنية خلال الأشهر الثلاثة الماضية”. وأضاف للصحافيين أنه “قُتل ما لا يقل عن 66 مدنياً وجُرح أكثر من 100 امرأة وطفل ورجل في عشرات الغارات الجوية وحوادث القصف على مواقع متعددة في الشمال الغربي السوري الاثنين”.
وأشار إلى أن “أسوأ هجوم كان الغارة الجوية على سوق عام شعبي في معرة النعمان، وخلّفت 39 قتيلاً على الأقل، بينهم 8 نساء و5 أطفال”، مجدداً دعوة الأمم المتحدة إلى “إنهاء الهجمات على المدنيين والبنية التحتية المدنية وإلى إتاحة المناطق للمساعدة الإنسانية”.
إلى ذلك، قال نائب منسق الشؤون الإنسانية الإقليمي في سورية، مارك كتس، في بيان نشره موقع الأمم المتحدة يوم الثلاثاء، إن “كابوس إدلب يزداد سوءاً”، وذلك بعد اعتداء طائرة روسية على مدينة معرة النعمان يوم الإثنين. وأضاف البيان أن “الغارات الجوية أدّت إلى إصابة أكثر من 100 امرأة وطفل ورجل بجراح، معظمهم في حالات خطيرة”. وأضاف “شهدنا واحدة من أكثر الهجمات فتكاً على المناطق المدنية منذ اندلاع القتال، من حوالي ثلاثة أشهر”.
وأوضح أن “بعض الجثث تمزّقت إلى أشلاء أو احترقت حتى استحال التعرف إلى أصحابها. وكان هناك العديد من الضحايا من النساء والأطفال، ويعاني بعضهم من أشد الإصابات فظاعة”. كما أشار إلى أن “العاملين في مجالي الصحة والعمل الإنساني، الذين يتّسمون بالتفاني والشجاعة، يبذلون قصارى جهدهم لتقديم المساعدة، بدعم من الأمم المتحدة، ولكن في هذه البيئة، لا يوجد أحد آمن”.
المصدر: العربي الجديد