أمين العاصي
لم تهدأ وتيرة التصعيد العسكري من قِبل النظام السوري وروسيا على الشمال الغربي من سورية، والذي يحصد بشكل يومي أرواح مدنيين، خصوصاً في مدن وبلدات ريف حماة الشمالي وريف إدلب الغربي، في استمرار لسياسة “الأرض المحروقة”، مع حديث عن استخدام الطرفين قنابل وصواريخ شديدة الفتك بالمدنيين، نتيجة القدرة التدميرية الهائلة التي تجلّت خصوصاً في مدينة معرة النعمان، أكبر مدن ريف إدلب الجنوبي، الإثنين الماضي، حيث أدت الغارات الجوية إلى مقتل وإصابة العشرات من المدنيين، وهي تطورات تقلّل الآمال بأي نجاح للعملية السياسية راهناً.
وفي استمرار للقصف على المنطقة، قُتل 7 أشخاص، بينهم أطفال ونساء، أمس الخميس، جراء غارات من قبل طائرات النظام على معرة النعمان وكفروما في ريف إدلب الجنوبي، ومدينة الأتارب في ريف حلب الغربي. وقالت مصادر محلية إن 3 أشخاص، بينهم سيدة وطفلها، قُتلوا جراء قصف طائرات روسية على بلدة كفروما، قرب معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي، فيما قُتل شخصان نتيجة قصف روسي مماثل على مدينة معرة النعمان، ورجل وامرأة جراء غارات جوية من قِبل طائرات النظام على الأتارب بريف حلب الغربي، مشيرة إلى احتمال ارتفاع عدد القتلى نظراً لوجود جرحى بعضهم في حالات خطرة.
وقالت مصادر محلية إن طائرات النظام قصفت بالصواريخ مدينة مورك في ريف حماة الشمالي، فيما ألقت المروحيات براميل متفجرة على مدينة اللطامنة في الريف نفسه، ما تسبّب في إصابة شخصين على الأقل. وتعرضت مدينة اللطامنة، الأربعاء، لنحو 50 غارة من الطيران المروحي ألقى خلالها أكثر من 70 برميلاً متفجراً. كما استهدف الطيران الحربي الروسي محيط مدينة معرة النعمان بصواريخ شديدة الانفجار.
وفي ريف اللاذقية الشمالي، استهدف الطيران الحربي، صباح أمس، بعدة غارات تلال كبانة، في حين تناوبت ثلاث طائرات مروحية على قصف محور كبانة والسرمانية. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الطائرات الحربية الروسية أغارت عشرين مرة على كل من: اللطامنة ومحيطها في ريف حماة الشمالي، ومعرة النعمان وأطرافها، وكفروما، ومحور كبانة في جبل الأكراد. وأشار المرصد إلى أن طائرات النظام الحربية نفذت أكثر من 16 غارة جوية، أمس الخميس، استهدفت خلالها مناطق في الأتارب بريف حلب الغربي، والإيكاردا والبوابية في ريف حلب الجنوبي، وبلدة مورك، شمال حماة، بالإضافة إلى أطراف مدينة إدلب ومحيط باتنتة وكفرجالس، غرب إدلب، بينما ارتفع إلى 23 عدد البراميل المتفجرة التي ألقتها طائرات مروحية على كل من مورك واللطامنة ولحايا في ريف حماة الشمالي، والسرمانية بسهل الغاب ومحور كبانة في جبل الأكراد.
وكانت مصادر إعلامية معارضة قد تحدثت عن أن الجانب الروسي بدأ باستخدام أسلحة جديدة ذات قوة تدميرية هائلة، مشيرة إلى أن الطيران الروسي قصف مدينة معرة النعمان، الإثنين، بصواريخ شديدة الانفجار، ما أدى إلى مقتل أكثر من 40 مدنياً وإصابة أكثر من مائة في واحدة من أكبر المجازر خلال الحملة العسكرية المستمرة منذ أواخر إبريل/ نيسان الماضي.
ولكن العقيد مصطفى البكور، قائد العمليات في “جيش العزة”، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي، أكد في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “لا توجد لدينا أدلة مؤكدة على أي سلاح جديد يستخدمه الروس في قصف مدن وبلدات محافظة إدلب ومحيطها”. وأضاف البكور، وهو طيار منشق عن قوات النظام: “حجم التدمير الهائل غير المسبوق في معرة النعمان جعل الناس تعتقد بأن المستخدم هو سلاح لم يتم استخدامه من قبل”. وفصّل البكور بالقول: “عام 1997 وصلت إلى سلاح الجو السوري قنابل صينية زنة 1 طن، وفي 2009 وصلت قنابل روسية زنة طن ونصف الطن تُحمل على الطائرات سوخوي 24، وأعتقد أن السلاح المستخدم في الهجمات الأخيرة على مدن وبلدات محافظة إدلب من هذه القنابل”.
وأوضح البكور أن الصواريخ شديدة الانفجار التي يستخدمها الروس والنظام في قصف الشمال الغربي من سورية هي من أنواع عدة، “منها المتفجر والخارق والحارق وشديد الانفجار وضد الملاجئ والتحصينات والارتجاجي والفراغي وغيرها من التصنيفات”. وأكد أن “كل هذه الأنواع من الأسلحة والصواريخ تم استخدامها في حرب الأسد والروس ضد السوريين”، مضيفاً: “يستخدم الروس والنظام الأسلحة ذاتها في قصف المدنيين ومواقع الجيش السوري الحر”.
ومنذ تدخّل روسيا في الصراع إلى جانب قوات النظام، دأب المسؤولون الروس على القول إنهم بصدد تجريب أسلحة جديدة في سورية، مشيرين إلى أن الأسلحة الروسية حققت نسبة مبيعات مرتفعة منذ التدخّل في سورية. وتحدثت وسائل إعلام عالمية خلال منذ عام 2015 عن أن روسيا حوّلت سورية إلى حقول تجارب واختبارات لأسلحتها الجديدة، خصوصاً على صعيد الطيران الحربي، إذ استخدم سلاح الجوي الروسي المقاتلة المدمرة من طراز سوخوي 34 لأول مرة في الأجواء السورية، والتي لم يسبق أن استخدمتها روسيا في أي وقت سابق.
في موازاة ذلك، قال رئيس الائتلاف الوطني السوري أنس العبدة، في مؤتمر صحافي في مدينة إسطنبول التركية، أمس، إن التصعيد الحالي من قِبل روسيا والنظام يأتي بسبب فشلهما في ترجمة الحملة العسكرية إلى إنجازات سياسية بفضل صمود المقاتلين على الأرض الذين “نتشرف بتمثيلهم، بل هم من يمثلوننا حقيقة”. ورأى العبدة أن الحل في سورية عسكري سياسي، بينما النظام يؤمن بأن الحل عسكري فقط، معتبراً أن العملية السياسية في غرفة الإنعاش حالياً، لكن “علينا الإبقاء على الجبهة السياسية وإن كنا لا نعوّل عليها كثيراً”.
وكان رئيس الهيئة العليا للتفاوض التابعة للمعارضة السورية نصر الحريري قد أعلن، الأربعاء، عن توقّف العملية السياسية، ووقف تواصل الهيئة مع روسيا على خلفية التصعيد الكبير على مدن وبلدات محافظة إدلب، داعياً وفد المعارضة المسلحة إلى مقاطعة الجولة المقبلة من مسار أستانة في العاصمة الكازاخية نور سلطان، وذلك بسبب التصعيد الروسي في إدلب. وقال الحريري في “تغريدة” عبر “تويتر” إن “العملية السياسية متوقفة، وأوقفنا كذلك كل أشكال التواصل مع الروس طالما التصعيد العسكري مستمر، واستمرار عدم جديتهم بالحل السياسي”. وأضاف “أعتقد أن مشاركة وفد الفصائل في أستانة ينبغي أن يكون في الاتجاه نفسه”.
ومن المقرر عقد جولة جديدة من مفاوضات أستانة الشهر المقبل، ومن المتوقع أن يحاول الجانب الروسي (الضامن للنظام) تثبيت خارطة السيطرة الجديدة التي تتيح لقوات النظام البقاء في 18 بلدة وموقعاً سيطرت عليها خلال شهر مايو/ أيار الماضي. ولكن الجانب التركي (الضامن للمعارضة) يطالب بعودة قوات النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، قبل البحث في أي اتفاق جديد يوقف إطلاق النار. ولم تتأكد بعد مشاركة وفد قوى الثورة العسكري في هذه الجولة التي من المتوقع أن تكون جولة حاسمة لجهة التوصل إلى تهدئة دائمة في شمال غربي سورية.
المصدر: العربي الجديد