وليد حسين
في إطار مشروع “اللاجئون = شركاء” الذي تنفّذه الجمعية الاقتصادية اللبنانية (LEA) والمركز السوري لبحوث السياسات (SCPR)، عقدت الجمعيتان أول مؤتمر عام تحت عنوان “الإدماج الاقتصادي لتخفيف أزمة اللجوء،” يوم الجمعة 2 آب، لمعالجة تداعيات أزمة اللاجئين على لبنان، وكيفية استفادة الاقتصاد والمجتمع اللبناني منهم.
ووفق ما شرح المنظمون لـ”المدن”، لا يهدف المشروع إلى الرد على الحملات العنصرية وخطاب الكراهية التي يعاني منها اللاجئون السوريون في لبنان بخطاب آخر ينفي زيف الادعاءات التي تحمّل اللاجئين جميع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، التي يعاني منها لبنان، بل البحث عن حلول قائمة على دراسات علمية، لجعل اللاجئين قيمة مضافة للاقتصاد اللبناني.
أزمة لبنانية
في الجلسة الختامية المخصصة للصحافيين، لفت رئيس شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية زياد عبد الصمد إلى أن لا أفق للحل في سوريا حتى الساعة، ما يعني أن العودة الآمنة والكريمة والطوعية، وفق القانون الدولي وقانون حقوق الإنسان، غير متوفرة حالياً. وبالتالي الخيارات أمام اللبنانيون إما ترحيل اللاجئين إلى دولة أخرى أو رميهم في البحر، أو استيعابهم لاستفادة الاقتصاد اللبناني منهم، ومعالجة المعاناة التي يعيشونها.
وأضاف عبد الصمد أن لبنان لم يتعامل مع أزمة اللاجئين وفق رؤية سياسية واضحة، بل تم تجاهلهم منذ اليوم الأول لقدومهم إلى لبنان، لافتاً إلى وجود مشكلتين أساسيتين يجب الالتفات إليهما. الأولى تتمثل في العامل الديموغرافي. إذ يشكّل اللاجئون كتلة سكانية كبيرة تدفع بالبعض إلى الخوف. فلبنان يعاني من خلل ديموغرافي في الأساس بين المسلمين والمسيحيين، دفع بعض الجهات إلى المطالبة بالمناصفة حتى في الوظائف. وبالتالي، يؤخذ اللاجئون كذريعة لألقاء اللوم على الخارج. أما الثانية فتتمثل في تبعات اللجوء السلبية على الاقتصاد، التي تدفع بعض الجهات إلى المطالبة بالعمالة اللبنانية أولاً، ملقية مشاكل البطالة على اللاجئين.
وأوضح أن وجود اللاجئين له انعكاسات إيجابية وسلبية على الاقتصاد يجب الاستفادة من الأولى والعمل على تدارك الثانية، لافتاً إلى أن الأزمة الاقتصادية في لبنان، على مستوى الدين العام والتضخم وغيرها من المؤشرات، لها أسبابها البنيوية ولا علاقة للاجئين السوريين والفلسطينيين بها. فالاقتصاد اللبناني ريعي وغير منتج، وليس له رؤية مستقبلية، ويسيطر عليه الرأسمال المالي والمصارف.
مغالطات مقصودة
بدوره أشار أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في بيروت، جاد شعبان، إلى تنامي الخطاب الشعبوي والعنصري تجاه اللاجئين السوريين، وتحميلهم تبعات فشل الطبقة السياسية في إدارة الاقتصاد والبلد. ليس هذا وحسب، بل وصل الأمر ببعض المسؤولين إلى تحميل اللاجئين أسباب تفشي أمراض الكوليرا والسرطان وغيرها!
وشدّد شعبان على وجود مغالطات عدّة وخلط متعمّد بين تداعيات الأزمة السورية على لبنان وأثر اللجوء. حتى أن إحدى المؤسسات الدولية وضعت دراسات عن تراجع الناتج المحلي اللبناني والسياحة والتحويلات الخارجية بسبب اللاجئين، وبات معظم السياسيين يردّدون هذه المعلومات. وشدّد على ضرورة التمييز بين الأزمة السورية التي تؤثر على كل البلد، وأثر اللجوء الذي له بعض الانعكاسات السلبية في قطاعات محددة.
وتابع أن هناك خلطاً مقصوداً بين اللاجئين والنازحين، كي تنفى عنهم صفة اللاجئ، متمنياً ألا يلقى اللبنانيون في الخارج مصير السوريين في لبنان. ففيما لو تعاملت الدول مع اللبنانيين الذين تهجروا في الحرب مثلما يتصرّف الأخيرون مع السوريين، لما كان باستطاعتهم بناء أسرة أو العمل والعودة إلى لبنان مجدداً فخورين بالهجرة. كما يجري الخلط بين العامل واللاجئ، كي لا يمنح الأخير حق العمل لاستفادة الاقتصاد اللبناني منه، رغم الحاجة للعمالة الأجنبية في قطاعات عدّة.
لا أعباء للجوء
في حديث إلى “المدن”، لفت شعبان إلى أن الهدف من مشروع “اللاجئون=شركاء” تغيير النظرة النمطية عن الأجنبي والتعاطي معه كإنسان، لبناء علاقات مختلفة عن السائد. ولفت إلى أن المشاكل التي يعاني منها لبنان مرتبطة بالأزمة السورية وليس باللاجئين الذين لا يشكلون عبئاً على الاقتصاد.
وأوضح أن وجود اللاجئين يشكّل أعباء كبيرة على البيئة والبنى التحتية، كون لبنان بلداً صغيراً، لكن في المقابل زوّد اللاجئون البلد بعمالة رخيصة في قطاعات لا يعمل اللبنانيون فيها. فنسبة العمال السوريون في المناطق الريفية تقدّر بحوالى 30 في المئة من اللاجئين، وبرواتب لا تتعدى المائتي دولار شهرياً. أما إنفاق السوريين على ايجارات البيوت في تلك المناطق فتقدر بنحو مئة مليون دولار سنوياً.
وعن المساعدات الأجنبية التي تخصص للاجئين، أكّد شعبان أنها تقدّر بمليار وثمانمائة دولار سنوياً، استفاد منها الاقتصاد اللبناني بشكل مباشر، فضلا عن استفادة الجمعيات اللبنانية التي تعمل مع اللاجئين. وأضاف: وفق إحدى الدراسات، تبيّن أن كل دولار ينفقه اللاجئ في لبنان له مفاعيل مضاعفة في الاقتصاد تقدّر بنحو دولار ونصف، علماً إنفاق اللاجئين على الغذاء وحده يقدّر بحوالى الـ 400 مليون دولار سنوياً كأموال نقدية، لا علاقة لها بالمساعدات الغذائية العينية. لذا يعتقد شعبان أن قوننة وجود اللاجئين أساسي للاستفادة منهم، وذلك وفق مبدأ “خذ واعطي”، أي منحهم الحقوق للحصول منهم على الواجبات. أي يجب دمجهم في المجتمع ومنحهم حقوق العمل وعقود إيجار منازل قانونية، في مقابل دفع الرسوم والضرائب المفروضة.
المصدر: المدن