إبراهيم درويش
«لا تطلق عليهم ضحايا حرب، فهذه مذبحة للمدنيين»، عنوان مقال كتبه المعلق في صحيفة «أوبزيرفر»، سايمون تيسدال، وقال فيه إن «قتل الأطفال لم يعد خبراً تغطيه الصحافة الدولية للحرب في أفغانستان، حيث وصلت الوفيات بين الأطفال هذا العام إلى أعلى مستوياتها، وفي اليمن يقدر أن 85.000 طفل تحت سن الخامسة ماتوا بسبب الجوع منذ عام 2015، وهو عدد يخدر العقل، وفي سوريا خصوصاً، لا يمكن إحصاء عدد القتلى؛ لأن قتل الأطفال يجري على قاعدة يومية، ومن يقوم بالعد؟ لا أحد».
ويضيف أن صور الأطفال، ضحايا الحرب، عادة ما تجذب انتباه الرأي العام ثم تختفي، وإحداها صورة الطفلة رهام وسط أنقاض أريحا في محافظة إدلب، شمال غربي سوريا، حيث كانت تحاول إنقاذ شقيقتها الصغرى تقى. وماتت تقى لاحقاً إلى جانب أمهما وأخت أخرى لها. ونجت رهام بسبب جهودها والدفاع المدني «الخوذ البيض». وفي اليوم التالي، قتل عشرة أطفال في قرى وبلدات في إدلب وحلب وحماة التي يسيطر عليها المعارضون. وحسب منظمة «سيف ذا تشيلدرن» (أنقذوا الأطفال)، فقد قتل أطفال في الشهر الماضي أكثر من عام 2018 كله، ويقول المراقبون إن 800 شخص قتلوا، من بينهم 200 طفل، سقطوا منذ بداية الحملة التي قام بها الجيش التابع لنظام بشار الأسد المدعوم من الطيران الروسي في نيسان/أبريل، ولم يتم رصد معظم هذه الجرائم في لقطات فيديو.
وقال تيسدال: «هناك طريقة مريحة لوصف القتلى الأطفال باعتبارهم ضحايا، وهو ما يشي بأن موتهم كان عرضياً، ولكن يجب أن يوصف قتلهم بالجريمة، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتم تنفيذها بناء على طلب زعيمين هما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والسوري بشار الأسد، اللذان يجب أن يواجها العدالة، وإلا فالقانون الدولي دون معنى».
وأعلنت مفوضة حقوق الإنسان، ميشيل باشليت، في الأسبوع الماضي أن «الهجمات المقصودة على المدنيين هي جرائم حرب، ومن أمر بها مسؤولون جنائياً عن أفعالهم». وقالت إن العالم في بداية الحرب الأهلية السورية -التي دخلت عامها التاسع- أظهر اهتماماً، «واليوم تقتل وتشوه الغارات الجوية عدداً كبيراً من المدنيين أكثر من مرة أسبوعياً، والرد العام عليها هو لامبالاة». وأمر مجلس الأمن الدولي بتحقيق في تدمير مستشفيات إدلب، ولكن -مثل تحقيقات أخرى- سيتم تجاهله، وينفي قادة سوريا وروسيا استهدافهم المقصود للمدنيين، و»هذه كذبة، تماماً كما كذبوا بشكل مستمر حول الهجمات الكيميائية».
وتكشف الأدلة التي جمعت على مدى الأشهر الأخيرة أن السياسة المقصودة قائمة على سحق سكان إدلب من أجل عزلهم ودك المعارضة والجهاديين. وهو الأسلوب نفسه الذي اتبع سابقاً في دمشق وحلب، حيث تم تدمير عشرات المستشفيات والعيادات والمدارس والأسواق والأماكن العامة في إدلب. وحسب منظمة «أطباء بلا حدود»، فـ»العنف تزايد منذ الشهر الماضي، وأدى إلى قتل وجرح المدنيين، أكثر من أي وقت في هذا العام»، و«أدى القصف والغارات إلى تشريد أكثر من 450 ألف شخص نحو الشمال». ويقول تيسدال إن العالم سيصحو عندما تبدأ موجة جديدة من اللاجئين تزحف نحو تركيا وربما أوروبا. وفي الوقت الذي يقول فيه الحلفاء الغربيون إنهم مهتمون بالوضع في سوريا، عقد لقاء مجلس الأمن الدولي، الأسبوع الماضي، وهاجم فيه المنسق الأممي للشؤون الإنسانية، مارك لوكوك، كلاً من روسيا والصين «لعدم عمل شيء خلال 90 يوما استمرت فيها المذابح أمام أعينكم».
وتساءل إن كانوا مستعدين أخيراً للاستماع إلى «أطفال إدلب»، والجواب لم يكن الذي طلبه لوكوك. وفي محاولة لتجاوز الفيتو الروسي، صوتت الغالبية على إجراء تحقيق في تدمير المستشفيات في إدلب. ومع ذلك، فكما حدث في مرات سابقة سيتم تناسي وتجاهل نتائج التحقيق. وعلق تيسدال على الهدنة التي عرضها الروس والنظام، الجمعة، والتي تطلب من المسلحين الخروج من المنطقة العازلة التي أقيمت في أيلول/سبتمبر، والتي خرقها الطرفان بشكل متكرر. وأضاف أن وقف إطلاق النار لا يستمر في العادة، فالنظام السوري الذي فشل في تأمين إدلب في حاجة لوقت كي يعيد تنظيم قواته، فما تمثله معركة إدلب لكل طرف في الحرب الأهلية هو ميزان القوة، ومن يسيطر على المناطق في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة، خصوصاً منطقة شمال شرقي سوريا التي لا تزال فيها قوات بشار الأسد، رغم تعهد الرئيس دونالد ترامب بإخراجها منها، وكذا القوات التركية التي ترى في أكراد سوريا خطراً عليها، ولهذا هددت بعملية عسكرية.
وفي الوقت نفسه، تتزايد المشاعر المعادية للاجئين السوريين في تركيا، وهي مشكلة ستواجه الهاربين من إدلب. كما تشارك إيران في السباق، فالميليشيات الموالية لها لم تشارك في الهجوم على إدلب، وهذا لا يعني توقف دعمها للنظام في دمشق، فهي تعول على مصفاة بانياس النفطية.
وفي حزيران/يونيو، انفجر أنبوب نفطي في البحر هناك على يد مهاجم غامض، وذلك حسب موقع التحقيقات «بيلينغكات». وتزامن هذا مع التفجيرات التي تعرضت لها ناقلات النفط في منطقة الخليج، وتساءل الكاتب: «هل هذا يعني أن ترامب وحلفاءه في المنطقة مهتمون بعمليات انتقامية ضد إيران، وليس بحماية وإنقاذ المدنيين السوريين؟ والجواب على هذا السؤال هو الوضع القاتم والمأساة في إدلب».
المصدر:القدس العربي