أمين العاصي
لم يصمد طويلاً اتفاق الهدنة التي اتفق عليها المشاركون في جولة “أستانة 13” الأسبوع الماضي، ودخل حيّز التنفيذ منتصف ليل الخميس الجمعة الماضي، إذ قوّضه النظام والجانب الروسي سريعاً عقب ادعاءات باستهداف قاعدة حميميم الروسية في الساحل السوري من قبل فصائل مقاتلة. كما اتخذ النظام من تصريحات زعيم “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة) أبو محمد الجولاني التي يرفض فيها الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح، ذريعة للفتك مجدداً بالمدنيين في محافظة إدلب ومحيطها قبل أيام من عيد الأضحى، والعودة بالصراع إلى مربعه الأول، لأنه من الواضح أن النظام لن يلتزم بأي اتفاق لا يضمن له السيطرة على الطرق الدولية، وإخضاع فصائل المعارضة السورية في شمال غرب سورية، على غرار ما حدث العام الماضي في جنوب البلاد.
في السياق، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان تجدد القصف الجوي، أمس الثلاثاء، على ريف حماة الشمالي من قبل الطيران الروسي الذي شنّ غارات على بلدة كفرزيتا وقرية لطمين، فيما قصفت قوات النظام بعشرات القذائف الصاروخية والمدفعية مناطق في كفرزيتا والزكاة ومورك والحويجة والحواش والسرمانية بريف حماة الشمالي والشمالي الغربي. وأوضح أن طائرات حربية تابعة للنظام السوري نفذت أمس 13 غارة، استهدفت خلالها أماكن في مدينة خان شيخون ومدايا وكفرعين ومحيط حيش بريف إدلب الجنوبي، وكفرزيتا والزكاة بريف حماة الشمالي. وأشار إلى أن طائرات روسية نفّذت 8 غارات، مستهدفة مناطق في مدينة خان شيخون وأطرافها بريف إدلب الجنوبي، وبلدة كفرزيتا بريف حماة الشمالي، مشيراً إلى أن قوات النظام أطلقت 110 قذائف وصواريخ على كفرزيتا والزكاة ومورك والحويجة والحواش والسرمانية وخربة الناقوس والزيارة بريفي حماة الشمالي والشمالي الغربي، ومدينة خان شيخون جنوب إدلب.
وسبق أن قُتل أربعة أشخاص وجرح آخرون في مدينة مورك منتصف ليل الإثنين الثلاثاء، بعد أن ألقى الطيران المروحي التابع للنظام 11 برميلاً متفجراً على المدينة، وفق مصادر من الدفاع المدني السوري التابع للمعارضة السورية. وفي السياق قصفت فصائل مقاتلة بالقذائف الصاروخية مواقع لقوات النظام في محور الحاكورة بسهل الغاب بريف حماة الشمالي الغربي، وأحد مرابض المدفعية بالقرب من قلعة مريزا التي تتخذها قوات النظام مركزاً لأسلحتها الثقيلة، وفق مصادر إعلامية معارضة، كما قصفت الفصائل براجمات الصواريخ مواقع لقوات النظام في معسكر جورين بريف حماة الشمالي.
من جانبه، أكد المقدم سامر الصالح القيادي في “جيش العزة”، أبرز فصائل الجيش السوري الحر في ريف حماة الشمالي في حديث لـ”العربي الجديد”، أن فصائل المعارضة السورية كانت تدرك أن النظام “لن يلتزم بالاتفاق”، مضيفاً: “منذ سنوات ونحن نحذر من مماطلة ومخادعة بأي اتفاق. إنها فقط لكسب الوقت. وأكد أن المعارضة تتحسب لمواجهة طويلة الأمد مع النظام: “حربنا طويلة بسبب الصراعات الدولية ودعم الأسد بشكل علني وخفي”.
وأطاح النظام السوري الهدنة التي اتفق عليها المشاركون في جولة “أستانة 13″، مع شنّه يوم الإثنين حملة قصف على مدينة خان شيخون وكفرسجنة، والتمانعة وحيش والشيخ ودامس والتح ومدايا وبسيدا وأطراف معرة النعمان، في ريف إدلب الجنوبي خلّفت دماراً كبيراً، وفق مصادر محلية. بينما نفذت طائرات روسية 22 غارة على محور الخضر وتردين بجبل الأكراد، ومدينة خان شيخون وتل عاس ومدايا وعابدين بالقطاع الجنوبي من الريف الإدلبي، واللطامنة بريف حماة الشمالي. وسقط ثلاثة مدنيين على الأقل وجرح آخرون من جراء القصف الروسي. وذكرت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، أن الغارات الجوية الروسية طاولت مناطق في مدن وبلدات كفرزيتا ولطمين بريف حماة الشمالي وقرى الدقماق والحميدية وخربة الناقوس في سهل الغاب بريف حماة الغربي.
وادّعت قوات النظام في بيان لها، أن ما سمّتها “المجموعات الإرهابية المسلحة المدعومة من تركيا، رفضت الالتزام بوقف إطلاق النار في منطقة (خفض التصعيد) في إدلب”. وادعت أيضاً أن “هذه المجموعات شنّت العديد من الهجمات على المدنيين في المناطق الآمنة المحيطة”، مشيرة إلى أنها “ستستأنف عملياتها ضد هذه التنظيمات رداً على اعتداءاتها”. واتخذ النظام كما كان متوقعاً، من تصريحات الجولاني عن الاتفاق ورفضه الانسحاب من المنطقة المنزوعة السلاح، ذريعة لتقويض اتفاق الهدنة. ولطالما اتخذ النظام والجانب الروسي من “هيئة تحرير الشام” مدخلاً للفتك بالمدنيين وفصائل المعارضة السورية المسلحة، التي كانت تدرك أن النظام لم يلتزم بالهدنة، وفق تصريحات قياديين في هذه الفصائل، قبل إعلان النظام انتهاء الهدنة واستئناف عملياته العسكرية.
وكانت وكالة “سانا” التابعة للنظام نقلت عن مصادر في قوات النظام الإثنين، ادعاءها تعرّض قاعدة حميميم الروسية العسكرية بريف اللاذقية لاستهداف بالصواريخ من قبل “مسلحين”، في حين أكدت مصادر محلية عدم صحة مزاعم النظام، فيما أكدت وزارة الدفاع الروسية تعرّض القاعدة للاستهداف ولكن من دون سقوط قتلى أو جرحى بين عناصر القاعدة.
من جانبها، ادّعت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام، أن فصائل المعارضة “أسقطت سريعاً هدنة وقف إطلاق النار، ولم تستجب لدعوات الجانب التركي بالالتزام بالاتفاق”. وكان من المتوقع ألا يلتزم النظام باتفاق الهدنة، وأن يعاود الحملة العسكرية بعد عيد الأضحى، ولكنه انقضّ سريعاً على تفاهمات “أستانة 13″، مجدداً القصف على المدنيين في ريفي حماة وإدلب. ومن الواضح أن اتفاق الهدنة لم يحقق أهداف النظام بالسيطرة على طريق حلب – الساحل، وحلب – حماة، اللذين يمران في ريف إدلب الجنوبي وريف حماة الشمالي، ومن ثم أعاد الصراع إلى مربّعه الأول، من خلال الضغط الدموي على المدنيين لإجبار المعارضة السورية على التنازل. ويأتي تقويض الهدنة واستئناف القصف الجوي في خضم تفاوض تركي – أميركي حول مصير منطقة شرقي نهر الفرات، ما يؤكد سعي النظام والروس للضغط على الجانب التركي ليكونا جزءاً من أي اتفاق ربما يبرم بين أنقرة وواشنطن.
وبموازاة ذلك، حمّل فريق “منسقو استجابة سورية” أمس، مسؤولية نقض اتفاق وقف إطلاق النار للطرف الروسي بشكل كامل، مطالباً بالوقف الفوري للغارات التي تستهدف مناطق مدنية. وأشار الفريق الذي يضمّ ناشطين في العمل الإنساني والتوثيقي في بيان له، إلى أن “الطائرات الحربية الروسية والتابعة لقوات النظام عاودت استئناف أعمالها العدائية، من خلال شنّ العديد من الغارات الجوية على القرى والبلدات في شمالي غرب سورية عقب اتفاق وقف إطلاق النار”. واعتبر “منسقو الاستجابة” هذه التصرفات العدائية “امتداداً لسلسلة الجرائم والأعمال الإرهابية التي ترتكبها قوات النظام وحلفاؤها من الجانب الروسي بحق الشعب السوري”، مشيراً إلى أنه “وثق منذ شنّ العملية العسكرية الثالثة في 2 فبراير/ شباط الماضي وحتى إعلان وقف إطلاق النار، آلاف الجرائم من استهداف للمدنيين وقصف مختلف المنشآت والبنى التحتية كالمنازل والمستشفيات والمدارس، والأسواق والأحياء السكنية ومخيمات وأماكن تجمعات المدنيين غيرها”، وفق البيان.
المصدر: العربي الجديد