سعيد عبد الرازق/إيلي يوسف
قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن تركيا اتخذت مع الأميركيين قراراً بإقامة مركز عمليات من أجل إنشاء «ممر سلام»، في إشارة إلى المنطقة الآمنة في شمال سوريا، في وقت قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) شون روبرتسون، إن الآلية الأمنية التي جرى الاتفاق على إقامتها مع تركيا سيتم تنفيذها على مراحل.
وأضاف إردوغان أنه كانت هناك فترة مباحثات لمدة ثلاثة أيام مع الوفد العسكري الأميركي بخصوص ما سمّاه «ممر السلام في سوريا»، وأن تلك المباحثات سارت بشكل إيجابي.
وفي تصريحات في أنقرة ليل الأربعاء – الخميس أعقبت إعلان وزارة الدفاع التركية التوصل إلى اتفاق مع الجانب الأميركي خلال مباحثات أنقرة على إقامة مركز عمليات مشترك في تركيا لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة في شمال سوريا، قال إردوغان: «اتخذنا مع الأميركيين قرارا بإقامة مركز عمليات، سيتم البدء بإنشاء (ممر السلام) مع إقامة مركز العمليات مع الأميركيين».
كانت وزارة الدفاع التركية، قد ذكرت في بيان مساء أول من أمس، أنه تم استكمال المباحثات مع المسؤولين العسكريين الأميركيين حول المنطقة الآمنة المخطط إنشاؤها شمال سوريا، يقضي بإنشاء مركز عمليات مشترك في تركيا خلال أقرب وقت لتنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة في سوريا، وأنه تم الاتفاق مع الجانب الأميركي على جعل المنطقة الآمنة ممر سلام، واتخاذ كل التدابير الإضافية لضمان عودة السوريين إلى بلادهم.
وبدورها قالت السفارة الأميركية في أنقرة إن الوفدين العسكريين التركي والأميركي توصلا إلى اتفاق حول المنطقة الآمنة شمال سوريا، وذلك خلال المفاوضات بينهما في العاصمة التركية أنقرة، وتم الاتفاق على التنفيذ السريع للتدابير الأولية التي تعالج المخاوف الأمنية لتركيا في الشمال السوري.
وأضاف البيان أنه تم الاتفاق أيضاً على تأسيس مركز عمليات مشترك في تركيا في أقرب وقت ممكن، من أجل تنسيق وإدارة إنشاء المنطقة الآمنة معاً، وستصبح المنطقة ممراً للسلام، كي يتمكن السوريون المشردون من العودة لبلادهم.
في السياق ذاته، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاعون) إن الاتفاق المبرم مع تركيا بشأن شمال سوريا سيتم تنفيذه على مراحل.
وأضاف المتحدث، في تصريحات أمس (الخميس)، أنه سيتم تنفيذ الآلية التي تم الاتفاق عليها مع تركيا في سوريا على مراحل، مؤكداً أن الولايات المتحدة مستعدة للبدء في تنفيذ بعض الأنشطة سريعاً، في أثناء تواصل المناقشات مع تركيا.
وأشار إلى أن المحادثات العسكرية في أنقرة أحرزت تقدماً باتجاه إنشاء «آلية أمنية مستدامة» في شمال شرقي سوريا تعالج المخاوف المشروعة لتركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، مشدداً على أهمية إنشاء مركز عمليات مشترك بين الولايات المتحدة وتركيا في تركيا لمواصلة التخطيط والتنفيذ، وأن مهمة الجيش الأميركي في سوريا ستبقى إلحاق الهزيمة المستدامة بتنظيم «داعش» الإرهابي.
في واشنطن، قال روبرتسون لـ«الشرق الأوسط» إن الولايات المتحدة مستعدة للبدء في تنفيذ بعض الأنشطة بسرعة في الوقت الذي تتواصل فيه المناقشات مع تركيا، في إشارة إلى أن الاتفاق الذي جرى الإعلان عنه أول من أمس (الأربعاء)، لم يشمل حل كل الخلافات والنقاط العالقة بين الطرفين.
وأكد روبرتسون أن «المحادثات العسكرية التي جرت في أنقرة هذا الأسبوع حققت تقدماً نحو إنشاء آلية أمنية مستدامة في شمال شرقي سوريا تعالج (المخاوف المشروعة) لتركيا، حليفتنا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)». وأضاف أن الطرفين يعتزمان إنشاء مركز عمليات مشتركة داخل تركيا لمواصلة التخطيط والتنفيذ، مشدداً على أن المهمة الأساسية للدائرة المسؤولة عن مواجهة تنظيم «داعش» في وزارة الدفاع هي ضمان هزيمته الدائمة.
كانت علامات استفهام كبيرة قد أثيرت حول طبيعة الاتفاق الذي توصلت إليه تركيا والولايات المتحدة، في ظل عدم صدور موقف مباشر من وزارة الدفاع الأميركية، التي تولى ممثلون عنها قيادة المفاوضات التي استمرت 3 أيام في أنقرة، وانتهت بصدور بيان عن السفارة الأميركية!
ووصفت أوساط سياسية الإعلان عن الاتفاق بين أنقرة وواشنطن للبدء في إقامة المنطقة الآمنة، بأنه «تسوية حد أدنى». فهو ينزع فتيل التوتر المباشر الحالي، ويترك الباب مفتوحاً أمام استمرار المفاوضات بين الجانبين، ويجنّب تركيا التورط في مواجهة عسكرية، تعلم كلفتها العالية واستحالة حسمها سريعاً، فضلاً عن التعقيدات التي ستثيرها سواء في علاقتها مع الولايات المتحدة أو مع الأوروبيين وحلف الناتو عموماً.
ورأت أوساط أن تصريحات وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، التي تحمل تحذيراً من أن يلقى الاتفاق الأخير مصير الاتفاق الذي وقع أيضاً حول مدينة منبج، يعكس قلق أنقرة من ألا تلتزم واشنطن بتطبيق الاتفاق. وأضافت أن تركيا ليست لديها بدائل فورية ولا يمكنها قلب الطاولة في منطقة شمال سوريا أو في شرقها، بعدما تحول الأكراد إلى قوة سياسية لا يستهان بها ولا يمكن تجاهلها، في مستقبل سوريا.
دمشق ترفض اتفاق واشنطن وأنقرة
أبدت دمشق، أمس (الخميس)، رفضها «القاطع» للاتفاق الأميركي – التركي الرامي إلى العمل على إنشاء «منطقة آمنة» في شمال سوريا، محمّلة الأكراد الذين أبدوا حذراً في مقاربته بانتظار المزيد من التفاصيل، مسؤولية ذلك.
وبعد ثلاثة أيام من المحادثات المكثفة لتفادي هجوم تركي جديد ضد أكراد سوريا، أعلنت واشنطن وأنقرة، أول من أمس (الأربعاء)، الاتفاق على إنشاء مركز عمليات مشترك «لتنسيق وإدارة منطقة آمنة» في مناطق سيطرة الأكراد قرب الحدود التركية.
وبدا الاتفاق كأنه محاولات جديدة لكسب الوقت، إذ لم يتضمن أي تفاصيل معلَنة حول حجم تلك المنطقة الآمنة أو موعد بدء إنشائها أو كيفية إدارتها، بل اكتفى بالإشارة إلى أنها ستكون «ممراً آمناً» مع تأكيد ضرورة عودة اللاجئين السوريين في تركيا.
وغداة إعلان الاتفاق، سارعت دمشق، التي تأخذ على الأكراد تحالفهم مع واشنطن، إلى رفضه. وأكد مصدر في وزارة الخارجية السورية، وفق ما نقلت وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، «رفض سوريا القاطع والمطلق للاتفاق الذي أعلن عنه الاحتلالان الأميركي والتركي حوال إنشاء ما تسمى (المنطقة الآمنة)».
وحمّل المصدرُ الأكرادَ مسؤولية الاتفاق نتيجة تحالفهم مع الأميركيين. وقال إن «بعض الأطراف السورية من المواطنين الأكراد التي فقدت البصر والبصيرة وارتضت لنفسها أن تكون الأداة والذريعة لهذا المشروع العدواني الأميركي – التركي تتحمّل مسؤولية تاريخية في هذا الوضع الناشئ».
ومع توسّع دور الأكراد في سوريا وإنشائهم إدارة ذاتية في شمال سوريا وشمال شرقها، زادت خشية تركيا من أن يقيموا حكماً ذاتياً قرب حدودها.
ولمواجهة توسّع الأكراد، شنّت أنقرة منذ 2016 عمليتين عسكريتين في سوريا، وتمكنت في عام 2018 من السيطرة مع فصائل سورية موالية لها على منطقة عفرين، ثالث أقاليم الإدارة الذاتية الكردية.
ومنذ ذاك الحين، لم تهدأ تهديدات أنقرة بشنّ هجوم جديد على مناطق الأكراد في شمال وشمال شرقي سوريا، والتي تُطلق عليها تسمية «شرق الفرات»، وينتشر فيها المئات من أفراد القوات الأميركية الداعمة للأكراد.
مسؤول كردي: الاتفاق الأميركي ـ التركي بسبب غياب الحوار السوري ـ السوري
كشف قيادي كردي يُعدّ أحد مهندسي الإدارة الذاتية المُعلنة بداية 2014 في شمال شرقي سوريا، أن مسؤولين عسكريين أميركيين وقادة من التحالف الدولي عقدوا اجتماعاً مطوَّلاً، ليلة أمس، بعد إعلان انتهاء المحادثات الأميركية – التركية، والتوصل إلى إقامة مركز عمليات مشتركة داخل الأراضي التركية، بهدف خفض التوتر بين المقاتلين الأكراد وتركيا التي حشدت قواتها قرب الحدود السورية المتاخمة لمناطق سيطرة الوحدات الكردية، وفرض «منطقة أمنية».
وقال الدار خليل عضو الهيئة التنفيذية لـ«حركة المجتمع الديمقراطي»، لـ«الشرق الأوسط» في القامشلي: «أكدوا لنا حرصهم على تجنيب المنطقة نيران الحرب وكبح التهديدات التركية، فالجميع كان متفقاً في حال نفذت تركيا، ستعطي فرصة حقيقة لتنظيم (داعش) المتطرف لإعادة تنظيم نفسه وتجميع خلاياه».
وأعرب المسؤول الكردي عن ارتياحه للإعلان، وقال: «نأمل أن يكون الحوار طريقاً لحل جميع الخلافات، لكن لم تصل إلينا آية تفاصيل من الجانب الأميركي»، وأخبر أن اللقاءات لا تزال مستمرة، وهناك نقاط تحتاج إلى مناقشات وإشراك الأطراف المعنية «وأقصد هنا (قوات سوريا الديمقراطية) والإدارة الذاتية التي تدير المنطقة المقصودة».
وحذّر من تطبيق الخطوات العملية لإنشاء «المنطقة الأمنية»، وقال خليل: «قد تكون بوابة لاقتطاع هذا الجزء من سوريا، فالإدارة لا تريد سلخها من سوريا، كما لا نريد أن تحتل تركيا هذه المنطقة، فهذه النقاط ذات حساسية بالغة لدينا»، ونقل حرصهم على أن تبقى هذه المنطقة جزءاً أساسياً من الأراضي السورية تخضع لسيادة سوريا، وحل كل القضايا العالقة داخلياً بين أبناء البلد الواحد، مضيفاً: «قبل عامين كانت هناك مفاوضات جدية بيننا وبين الحكومة السورية وتعثرت، لو توصلنا إلى اتفاق آنذاك لما بقيت المنطقة عرضة للتهديدات التركية والتداخلات الإقليمية والدولية».
وأوضح خليل أن الاتفاق التركي – الأميركي الأخير جاء بسبب غياب الحوار السوري – السوري… «تركيا تحتل الباب وجرابلس وأعزاز وأخيراً عفرين، تريد توسيع مناطق نفوذها وتطبيق الميثاق الملي وإعادة أمجاد السلطة العثمانية»، على حد تعبيره.
وقال: «قد تفضي في نهاية المطاف للهيمنة التركية وبسط سيطرتها عليها، وبذلك سيبقى التهديد قائماً ولا تزال المنطقة معرضة للخطر»، منوهاً بأن أهالي مدن وبلدات شمال شرقي سوريا قدموا 11 ألف أضحية، وضعفهم جرحى وإصابات مستدامة، دفاعاً عنها وتحريرها من قبضة تنظيم «داعش» المتطرف، «هذه الإدارة تمثل مكونات وأطياف شمال شرقي سوريا، فالحوار والاتفاق أساس لحل الخلافات لكن في حال تعرضنا لأي هجوم لن نقف مكتوفي الأيدي، وخيار المقاومة والدفاع عن الذات هو خيارنا».
وبحسب المسؤول الكردي، فإن خطورة تنظيم «داعش» تكمن في ثلاث نقاط رئيسية، ويقول الدار خليل: «أولها التنظيم وعبر خلاياه النائمة يهدد أمن المنطقة وينفذ عمليات إرهابية، ثانيها هو العدد الكبير من محتجزي التنظيم في سجون الإدارة يبلغ أكثر من 10 آلاف متطرف بينهم ألف عنصر يتحدرون من دول غربية وعربية».
المصدر: الشرق الأوسط