عبد الرحيم خليفة
أثار كلام واضح وصريح للسفير الأمريكي السابق في دمشق، روبرت فورد، في مقال خاص بصحيفة الشرق الأوسط العربية السعودية، واسعة الانتشار، يوم 29_ 07، جدلًا واسعًا في أوساط النخبة السورية، لأنه يمثل امتدادًا لجدل وخلاف لم يتوقف منذ الأشهر الأولى للثورة، وسيبقى حاضرًا دائمًا مع كل حديث عما جرى وكيف جرى، والتساؤل عن سبب خذلان العالم لنا ولماذا لم يساندنا، وبالأحرى لماذا لم يقف إلى جانب قيمه ومبادئه التي ينادي بها ويروج لها منذ قرن.؟! كلام فورد مفاده أنه لا تدخلاً أميركيًا لوقف المجازر الحالية الوحشية في محافظة إدلب، والتي تطال المدنيين العزل والأبرياء من عموم الشعب السوري، وهو موقف براغماتي للإدارتين الأميركيتين الحالية والسابقة، بحسب كلام فورد الذي حاول تقديم المبررات والمسوغات القانونية والأمنية والسياسية له. ما قاله فورد يحيلنا بداهة لمواقف المعارضة من التدخل الخارجي الذي كان مطلبًا ملحًا لفريق منها، سعت للوصول له، وبنت خططها واستراتيجيتها وفقًا له، في محاكاة شبيهة بالنموذج الليبي، وهو ما كان وهمًا غير قابل للتحقق، بحسب الدكتور برهان غليون أول رئيس للمجلس الوطني السوري. اليوم يعود النقاش في الأمر وكأن ما يقوله فورد ينطوي على مفاجأة مدهشة، أو موقف صادم لقطاع واسع من السوريين الذين لم يدركوا تمامًا حقيقة الموقف الأميركي وحيثياته، الذي لا يمكن مقارنته بمواقف أخرى للإدارات السابقة من أزمات العالم، وملفات الصراع فيها، نظرًا لموقع سورية بقرب كيان (اسرائيل) وأهمية ودور النظام السوري في الأمن العالمي والاقليمي، وهو مالا يمكن فهمه خارج هذا السياق.
أصبح من الواضح، الآن، أن الموقف الأميركي من الربيع العربي كله موقف مخاتل، بل مخادع، عكس خطابها الذي تصدره عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، وهو موقف تجلى عشرات المرات في منطقتنا واختبرناه بأنفسنا على مدار عقود مديدة، يمكن رصده بواقعية شديدة بعيدًا عن الايديولوجيا، ونظرية المؤامرة المستحكمة بنا وفلسفتها. وما يؤكد ذلك أن هذا الموقف هو عكس الإيحاءات أو الإشارات التي أعطاها روبرت فورد نفسه في الأسابيع الأولى للثورة من خلال لقاءاته وزياراته للثوار وشخصيات المعارضة ما أعطى انطباعات غير حقيقية عن الموقف الأميركي الذي ساهم فورد بتضليل السوريين به. كان التعاطي الأميركي مع المعارضة السورية مؤشرًا هامًا على التفكير والسلوك الأميركيين حيال الثورة السورية، كما كانت مواقفها إزاء عنف النظام وبطشه مؤشرًا آخر أكثر وضوحًا عن حقيقة موقفها الذي خالف معظم التوقعات، خصوصًا، بعد استخدام السلاح الكيماوي في ريف دمشق يوم 19آب/ اغسطس، وسبَّبَ مجزرة بشعة ذهب ضحيتها 1300 شخصًا، معظمهم من الأطفال، في يوم سيبقى عارًا يلطخ جبين العالم بأسره. سبق للدكتور برهان غليون أن قال إن إدارة الرئيس الأميركي السابق أوباما كانت ضد أفكار (منطقة حظر للطيران)، أو (منطقة آمنة، أو عازلة)، وهو ما يؤكده فورد ويعترف بأنه لم يبذل أي جهد لإقناع إدارته بتنفيذ أي من تلك الأفكار. وبالرغم من ذلك بقي خطاب المعارضة التي حظيت بالاعتراف الدولي بعد مؤتمر أصدقاء الشعب السوري الأول في تونس شباط/ فبراير 2012 تدور حول ذات المطلب، في محاولة يائسة وعقيمة لتغييره، وهو ما أدى إلى نتائج كارثية دفع الشعب السوري ولايزال ثمنها من دمائه ومصالحه. بعد كل تلك السنوات العجاف وما حملته معها، لم تقدم أطراف المعارضة التي راهنت على التدخل الأميركي أي مراجعة لمواقفها ولم تعترف بفشلها في تغيير وجهة نظر الادارتين الأميركيتين المتعاقبتين، بل ذهب بعضها لأبعد من ذلك في حوارات واتصالات وزيارات غير محسوبة (مع اسرائيل) وتنم عن جهالة حقيقية بخلفيات الصراع ودوائر صنع القرار في أميركا، ومستلزمات أو مقتضيات الأمن والمصالح العليا للقوى العالمية المؤثرة، ووكلائها المحليين والاقليميين. روبرت فورد الباحث في معهد واشنطن يختم مقاله بتقديم (النصيحة) للسوريين بعدم انتظار أي جديد من دولته التي حاول التمييز في شرح موقفها بين العواطف والمصالح التي تتغلب على أي اعتبارات أخرى. لقد كان الرهان على التغيير من الخارج وتحديدًا بتدخل غربي تقوده أميركا وعدم البحث والعمل من خلال خيارات أكثر واقعية وأولها الاعتماد على القوة الشعبية الهائلة، ومن خلال خطاب وطني جامع وفق مطالب الثورة والشعب السوري في صرخاته الأولى، كان كل ذلك هو ما أوقع الجميع في مأزق تبدو معه كافة الخيارات معقدة وشبه مستحيلة، لا تحمل أي انفراجة قريبة بكل أسف.
المصدر: صحيفة إشراق