ياسر الحسيني
أكثر ما يخشاه نظام الأسد أن يتم تنفيذ الإتفاق الذي حصل بين أميركا وروسيا وإسرائيل مؤخراً في القدس، وتصبح عملية إخراج إيران وميليشياتها الطائفية من سورية أمراً واقعاً، ومن ثم إعلانها كدولة لا تستطيع إدارة شؤونها بنفسها، وأنّها تقترب بشكلٍ مضطرد لأن تصبح ” دولة فاشلة “.
وفي مقالة نشرتها صحيفة (الفورين بوليسي) الأمريكية (تموز/يوليو) المنصرم عن مآلات “الحرب” في سورية يكشف فيها الكاتب حقيقة مفادها أن الأسد وبعد ثماني سنوات “لم يفز بشيء”، وأنه رغم الدعم الإيراني والروسي اللامحدودين فلا يزال ما يقرب من ثلث مساحة البلاد خارج سيطرته، وأنّ سورية أصبحت “دولة فاشلة”؟
حول الدولة الفاشلة يقول البروفيسور نسيم الخوري: هذا المفهوم الذي ظهر في أواخر القرن الماضي وأخذت تتداوله وسائل الإعلام بشكل متزايد في فترة ما عُرف بالربيع العربي، هو تعبير غير واضح المعالم ويكتنفه الغموض، كما يحتمل العديد من التفسيرات والتأويلات التي اعتمدتها دوائر صنع القرار الغربية وبعض المنظمات الدولية التابعة لها لأهداف سياسية، ولغرض التدخل المباشر في شؤون بلدان عديدة، كما حصل في الصومال وأفغانستان والسودان ومن ثم العراق تحت ذرائع مختلفة.
من سمات الدولة الفاشلة التي تبنّاها تقرير “مؤشر الدولة الفاشلة ” الصادر عن مجلة “السياسة الخارجية” و”مؤسسة صندوق السلام” عدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سلطتها على ترابها الوطني، أو تأمين حدودها من الاختراقات الخارجية (برّاً وبحراً وجوّاً)، وعدم تمتع الدولة بالشرعيّة اللازمة وانعدام تداول السلطة فيها، بالإضافة إلى تفشّي الفساد الإداري في أجهزتها ومؤسساتها وغياب النظم القانونية أو ضعفها، والانقسام المجتمعي وحدّة الصراعات الدينية والعرقية المهددة لوحدتها الوطنية.
مما سبق نستطيع القول أن معظم هذه السمات متوفرة في الحالة السورية حتى ماقبل اندلاع الثورة عام 2011 وخاصّة ما يتعلق بموضوع الفساد وانعدام تداول السلطة وغيرها، التي كانت من الأسباب الرئيسة لاندلاع الثورة، واتّضحت السمات الأخرى في ممارسات النظام خلال سنوات الثورة الثماني الماضية وتداعيات تلك الممارسات التي حاول من خلالها الأسد الحفاظ على حكمه مضحّياً بكل مقوّمات الدولة (الأرض، الشعب، السيادة)، ولعلّ التوصيف الأكثر تطابقاً للحالة السورية هو ما ذكره أستاذ الفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في الولايات المتحدة الأمريكية الكاتب (نعوم تشومسكي) في كتابه “الدولة الفاشلة” حيث وصفها: “هي الدولة غير القادرة أو غير الراغبة في حماية مواطنيها من العنف وربما من الدمار نفسه”.
وهو ما حصل من قبل نظام الأسد تجاه الشعب السوري، فهو ليس فقط لم يكن راغبًا في حماية المواطنين، وإنما تعمّد استهدافهم وقتلهم حين استخدم آلته العسكرية في تدمير المدن والبلدات السورية فوق رؤوس ساكنيها، ما أدّى إلى موجات لجوء لم يشهدها العالم منذ الحرب العالمية الثانية.
أما عن المؤشرات التي تعتمدها المنظمات الدولية للدولة الفاشلة فهي مؤشرات اجتماعية (هجرة أو نزوح داخلي، فقر وبطالة وتفشّي الجريمة والمخدرات والسرقة)، واقتصادية منها (انهيار قيمة النقد الوطني) وسياسية (فقدان الثقة بالدولة ومؤسساتها)، وعسكرية (انتهاكات حقوق الإنسان، بروز قوى أمنية غير نظامية).
بنظرة سريعة لما سبق نستطيع القول أن معظم المؤشرات تنطبق تماماً على واقع سورية اليوم وبشكل كبير، الأمر الذي يدفعنا إلى التساؤل عن الإنجاز الذي حققه بشار الأسد بعد كل تلك السنوات من التدمير الممنهج والاستعانة بالميليشيات الطائفية والقوات الروسية غير الوصول بالبلاد إلى الدولة الفاشلة بامتياز، وهو ذات الهدف الذي تسعى إليه إسرائيل ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية التي تريد رسم خارطة جديدة للشرق الأوسط تضمن لإسرائيل الهيمنة. ليدفع الشعب السوري ضريبة هذا المصطلح لسنوات قادمة وربما لعقود مقبلة.
المصدر: صحيفة اشراق