إسماعيل جمال
تتزامن الحملة الروسية الشرسة على إدلب وريف حماة بالتزامن مع مرور عام تقريباً على اتفاق سوتشي بين تركيا وروسيا والذي نص على تثبيت وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة منزوعة السلاح وإبعاد أطراف القتال عنها وفتح الطرق الدولية وغيرها من البنود.
هذه البنود العشرة التي نفذ جزء قليل منها، ما زال الجزء الأكبر مجمداً ولم يطبق على الأرض، لكن البنود الأبرز تسعى روسيا حالياً لتطبيقها بقوة السلاح ومن جانب واحد وذلك بما يتماشى مع تفسيرها للاتفاق متسلحة بتفوقها العسكري، ضاربةً بعرض الحائط التزاماتها تجاه تركيا بموجب الاتفاق.
ويرى مراقبون أن روسيا تسعى من خلال الحملة العسكرية الكبيرة في إدلب في الأيام الأخيرة إلى تطبيق بنود سوتشي التي تريدها وحسب تفسيرها الخاص لها، أو فرض حقائق جديدة على الأرض تدفع لإعادة التفاوض مع تعديل الاتفاقية بشروط تكون لصالح الطرف الأقوى عسكرياً على الأرض وهو النظام السوري المدعوم روسياً.
وفي السابع عشر من سبتمبر/ أيلول من العام الماضي، وبعدما حشد النظام السوري قوات عسكرية هائلة لمهاجمة إدلب، توصلت روسيا وتركيا إلى اتفاق سوتشي وصدر بيان ختامي مكون من عشرة بنود تصدرها بند يؤكد على الإبقاء على إدلب منطقة خفض تصعيد وعمل روسيا لضمان وقف هجمات النظام، وهو ما لم يطبق فعلياً حيث تعرضت المحافظة لهجمات متقطعة ولاحقاً لهجوم متواصل منذ 4 أشهر خلف آلاف القتلى والجرحى من المدنيين، بالإضافة إلى قرابة مليون نازح جديد.
كما نص احد البنود على تحصين نقاط المراقبة التركية واستمرار عملها، لكن هذه النقاط التي تحصنت بالفعل بالسواتر الاسمنتية تحولت إلى هدف لهجمات متتالية للنظام السوري الذي بات يستسهل استهداف التواجد التركي في سوريا رغم أنه يأتي في إطار التفاهمات مع روسيا في أستانة وسوتشي، وتعرضت الكثير من النقاط لهجمات صاروخية خلفت قتلى وجرحى من الجيش التركي، كان آخرها الخميس، بتعرض محيط نقطة المراقبة التركية الثامنة لضربات جوية، بعد أيام من تعرض رتل عسكري تركي كان في طريقه لنقطة المراقبة التاسعة لضربات جوية أعنف منعت وصوله وسمحت بمحاصرة النظام للنقطة التاسعة في مورك.
وعلى الرغم من أن روسيا تعهدت بموجب الاتفاق باتخاذ جميع الإجراءات اللازمة لضمان تجنب تنفيذ عمليات عسكرية وهجمات على إدلب، والإبقاء على الوضع القائم، إلا أنها قادت الهجوم الأخير بشكل مباشر وأرسلت قواتها البرية للعمل على الأرض إلى جانب دعمها الجوي الكامل للنظام، وغيرت بالفعل الوضع القائم على الأرض.
وفيما يتعلق بالمنطقة منزوعة السلاح، وعلى الرغم من التزام تركيا إلى درجة بإقامتها في مناطق المعارضة، لم تطبق روسيا ذلك في مناطق سيطرة النظام، وحاولت فرض تسيير دوريات روسية في تلك المنطقة، وهي الآن تقوم بفرض تواجدها العسكري المباشر بفعل العملية العسكرية الأخيرة، وسط مؤشرات على نيتها فرض المنطقة مجدداً في أي تفاهمات جديدة مع تركيا.
وعلى الرغم من أن بنود الاتفاق لم تكن واضحة حول عمق المنطقة منزوعة السلاح وامتدادها في مناطق المعارضة والنظام إلا أن روسيا أصرت على تطبيق عمق 20 كيلومتراً في مناطق المعارضة، وبينما سحبت الفصائل سلاحها الثقيل من أغلب تلك المنطقة، لم يسحب النظام أي قطعة سلاح من مناطق سيطرته، وبالإضافة كل ذلك تتهم روسيا والنظام تركيا بانها لم تفي بتعهداتها بموجب اتفاق سوتشي.
في المقابل، لم تقم تركيا بخطوات عملية لمساعدة روسيا والنظام على إعادة تفعيل وتشغيل الطريقين الدوليين الطريقين إم 4 (حلب – اللاذقية) وإم 5 (حلب – حماة) بحلول المهلة المعلنة آنذاك نهاية العام الماضي، وهو ما تحاول روسيا تطبيقه عسكرياً على الأرض من خلال توجيه خطوط التقدم البري باتجاه تأمين طريق إم 5 والسيطرة عليه، وهو ما لا يمكن تأمينه بشكل كامل بالطرق العسكرية فقط، ويعتقد أنها محاولة روسية لإجبار تركيا على التكفل بتأمين الطريق فوراً في أي تفاهمات مقبلة. واستخدمت روسيا البند الذي أكد على التعاون في مكافحة الإرهاب داخل سوريا لاتهام تركيا بعدم الإيفاء بتطبيق الاتفاق، حيث يستند التفسير الروسي لهذا البند بان تقوم تركيا بمحاربة هيئة تحرير الشام في إدلب والقضاء عليها، وهو ما رفضت تركيا تطبيقه طوال الأشهر الماضية، خشية دخولها في مواجهة مباشرة مع «الهيئة» تتكبد فيها خسائر كبيرة وتكون نتائجها لصالح النظام السوري.
المصدر: القدس العربي