رندة حيدر
ساعات مشوبة بالقلق والتوتر الشديدين عاشها اللبنانيون بعد ظهر يوم الأحد (1 سبتمبر/ أيلول) في أعقاب إطلاق حزب الله صواريخ مضادة للمدرعات على موقع عسكري وسيارة إسعاف عسكرية بالقرب من مستوطنة، وقال الحزب إن العملية أوقعت إصابات في صفوف الجيش الإسرائيلي، وينكر الإسرائيليون ذلك بشدة. ومع تقدم ساعات الليل، والإعلان أن الرد الإسرائيلي على العملية انتهى، تنفس الجميع الصعداء، لكن أسئلة كثيرة بقيت من دون اجابات، منها: هل سيكتفي الحزب بهذا الرد، أم كما أعلن هناك رد آخر سيأتي على تفجير الطائرتين المسيّرتين في ضاحية بيروت الجنوبية؟ ما مدى صحة الادعاء الإسرائيلي بعدم وقوع إصابات، وما الهدف من سياسة الغموض والتعتيم التي مارستها إسرائيل في الساعات التي تلت الهجوم، وأدت إلى انتشار توقعات متضاربة بشأن نتائج الهجوم الصاروخي؟ ما أهداف التركيز الإعلامي والرسمي الإسرائيلي مجدداً على مشروع حزب الله تحويل الصواريخ التي لديه إلى صواريخ دقيقة؟ هل انتهت فعلاً الجولة الحالية، أم نحن على أعتاب مرحلةٍ جديدةٍ من التوتر المدروس بين الطرفين، يمكن أن يؤدّي إلى تورّط مباشر للبنان في المواجهة الدائرة بين إسرائيل وإيران، وهل نحن على مشارف نهاية مرحلة الهدوء الأمني الهش السائد على الحدود منذ وقف إطلاق النار في أغسطس/ آب 2006؟
كان لافتاً في اليوم التالي لهجوم حزب الله حجم التعليقات الإسرائيلية التي أثنت على جهوزية الجيش الإسرائيلي، وعلى استعداداته التي منعت، في رأي المعلقين الإسرائيليين، وقوع إصابات بين صفوفه. وجرى تصوير ذلك إنجازا عسكريا حقيقيا، في محاولة مقصودة للتغطية على الهجوم الجريء الذي قام به الحزب على موقع عسكري للجيش، وإمكانية إصابة سيارة إسعاف عسكرية كانت في المكان. الهدف من عملية التضليل التي يدّعي الجيش الإسرائيلي أنه قام بها هو إشاعة انطباع بوقوع إصابات، وجعل حزب الله يعتقد أنه حقق الهدف من الهجوم، وبالتالي احتواء ما جرى، ووضعه ضمن إطار محدود، واستبعاد إمكانية التدهور نحو مواجهة أوسع، في حال تبين فوراً أن العملية لم توقع إصابات، وبالتالي لم تحقق النجاح المطلوب.
بيد أن هذا التلاعب الإسرائيلي المفضوح بحقيقة ما جرى بعد الهجوم الصاروخي لا يخفي حقيقة أن الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، نفذ ما توعد به، وأن سكان الجليل عاشوا ساعات عصيبة في الملاجئ، وأنهم ما زالوا خائفين من ردّ آخر محتمل. كما أن ادّعاء إسرائيل عدم تكبدها خسائر لا ينفي أن جيشَها تعرّض لهجوم مباشر، وأن سكانها تعرّضوا لخطر حقيقي. والأهم اتضح بصورة لا تقبل الجدل أن إسرائيل غير معنية حالياً بالتسبب بتدهورٍ يمكن أن يؤدي إلى حربٍ على جبهتها مع لبنان، لكنها من جهة أخرى تسعى إلى إقحام الجبهة اللبنانية في المواجهة الدائرة بين إيران وإسرائيل من خلال عمليات استفزازية موجهة ضد حزب الله، وأيضاَ من خلال إعادة إثارة مسألة إقامة حزب الله مصانع في لبنان لإنتاج الصواريخ الدقيقة، الأمر الذي، بحسب الوزير من حزب الليكود يوآف غالنت، يشكل خطاً أحمر بالنسبة لإسرائيل. وهنا السؤال: هل تفجير الطائرتين المسيرتين فوق الضاحية مقدمة لقصف إسرائيلي لاحق، قد يطاول أهدافاً ستدّعي إسرائيل أنها مصانع لإنتاج صواريخ دقيقة؟ وهل حزب الله، ولبنان معه، أمام مرحلة جديدة من المواجهات على أراضيه مع كل ما ينجم عن ذلك من انعكاسات على أمن لبنان؟
ليس خافياً على إسرائيل المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان على الصعيد الاقتصادي، وهي تدرك أن تدهور الأوضاع الأمنية على الحدود معناه مزيد من زعزعة الوضع الاقتصادي، والتسريع بانهيار العملة الوطنية، وتهشيل المستثمرين الأجانب، وعرقلة المفاوضات غير المباشرة بين إسرائيل وحكومة لبنان بوساطة أميركية لحل الخلاف بين الدولتين على الملكية المختلف عليها في حقل الغاز المتاخم لإسرائيل. وهي تستخدم ذلك ورقة ضغط على حزب الله وإيران في آن.
رهان إسرائيل على الضغط الداخلي في لبنان على قيادة حزب الله في غير مكانه، نظراً لسيطرة الحزب شبه الكاملة على الحياة السياسية ومراكز اتخاذ القرار في البلد. يبقى عامل واحد يمكن أن يشكل فرقاً أساسياً، خوف الحزب على قاعدته الشعبية في الجنوب اللبناني، في حال صعّدت إسرائيل مواجهتها معه، فهو يدرك أن الثمن الباهظ الذي قد يدفعه أبناء الجنوب وسكان لبنان بأسره يتجاوز قدرة الناس على التحمّل في هذه المرحلة الحرجة بالذات. من هنا التعويل على حكمة قيادة حزب الله، وعلى وعيها وعدم انجرارها وراء الاستفزازات الإسرائيلية المتعمدة له، والتي تريد زج الحزب ولبنان في دائرة العنف والدمار من جديد.
المصدر: العربي الجديد