ترجمة: علاء الدين أبو زينة
يلاحظ أولئك الذين يرغبون في إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم أن لدى لبنان من اللاجئين مقارنة بعدد سكانه أكثر بكثير من أي بلد آخر. (يمكن أن يستقر نصف سكان المكسيك في الولايات المتحدة وسوف يظل لبنان يحتل المرتبة الأولى في حد اللاجئين). ويقول المسؤولون إن اللاجئين يُجهدون الطرق والمستشفيات والمدارس وإمدادات الكهرباء والماء، بينما يُخرجون اللبنانيين من العمل بأعداد كبيرة. وهم يعربون عن شكوكهم في أن العديد من السوريين يعبرون الحدود فقط من أجل الحصول على المساعدات، وأن عمال الإغاثة يبالغون في حجم الأزمة لتبرير عملهم. “ومَن هو الخاسر الوحيد هنا؟ لبنان”، كما يقول نيكولا شدراوي من الحركة الوطنية الحرة.
بيروت، لبنان – تبدو الجدران الإسمنتية التي تطوق مخيم العودة للاجئين السوريين في لبنان مُبهجة. ثمة قلوب مرسومة باللون الوردي تزين إحدى الشرائح، بينما تزين صور “سبونجبوب” و”سكويربانتس” واحدة أخرى. ومع ذلك، تشكل هذه الجدران الآثار المتبقية الوحيدة التي تذكّر بنحو 178 منزلاً تم هدمها في حزيران (يونيو)، ظاهرياً بسبب انتهاكها قوانين البناء. ويقول أبو جواد، أحد السكان المقيمين هناك منذ فترة طويلة: “إنه أمر مزعج. حتى لو أنه كان مؤقتاً فقط، كان هذا هو المكان الذي ربَّيتَ فيه أطفالك.”
تشكل عمليات الهدم جزءًا من حملة تزداد شراسة باطراد ضد اللاجئين السوريين في لبنان، الذين يتراوح عددهم بين المليون والمليون ونصف المليون. وقامت الحكومة اللبنانية خلال الأشهر القليلة الماضية بترحيل المئات منهم وشددت القيود على الذين تبقوا. وألقى السياسيون اللبنانيون اللوم على اللاجئين السوريين في التسبب بمجموعة من المشكلات الاقتصادية. ومدفوعين بتقارير مهيِّجة في الصحافة، هاجم مجموعة من المواطنين المخيمات وضايقوا السوريين في الشوارع. وتقول كارمن جيها من الجامعة الأميركية في بيروت: “لا أعتقد أن هناك أي سيناريو يمكن أن ينتهي فيه هذا إلى خير”.
على المستوى الرسمي، لم يتم الترحيب أبداً باللاجئين السوريين في لبنان. وما يزال العمل الشاق وقيود التأشيرات والإجراءات المحلية، مثل نوبات حظر التجول، سارية منذ سنوات. وعندما بدأ اللاجئون بالوصول في العام 2011، منعت الحكومة اللبنانية وكالات الإغاثة من إقامة مخيمات رسمية لهم. ويخشى السياسيون أنه إذا بقي السوريون في البلد، فإنهم سوف يزعزعون التوازن الطائفي الذي يقوم عليه نظام تقاسم السلطة في لبنان. وفي العام 2015، عندما كان اللاجئون السوريون يشكلون حوالي ربع السكان، طلبت الحكومة من الأمم المتحدة الكف عن تسجيل حالات لجوء جديدة في البلد.
لكن الحملة الأخيرة تبدو أكثر كثافة. وتصدرها التيار الوطني الحر، وهو حزب مسيحي ماروني يحكم بالتحالف مع حزب الله، الحزب والميليشيا الشيعية. وقد أقلق جبران باسيل، وزير الخارجية وصهر الرئيس ميشيل عون، الكثيرين عندما أرسل تغريدة عن الصفات “الجينية” الإيجابية للبنانيين في حزيران (يونيو) وسط حملة شنتها الحكومة على العمالة الأجنبية. وبثت وسائل الإعلام المتعاطفة مع اللاجئين لقطات لأعضاء من جناح الشباب في الحركة الوطنية الحرة وهم يضايقون السوريين ويتحرشون بهم في بيروت. كما استهدفت غارات الشرطة العمال السوريين غير الحاصلين على تصاريح عمل. ويصرخ سائق سيارة أجرة سوري: “إذا كنت تموت من الجوع، فما الذي يفترض أن تفعله؟ يجب علي أن أعمل لكي أعيش”.
وفقاً لوكالة المخابرات اللبنانية الرئيسية، عاد أكثر من 170.000 لاجئ سوري إلى بلدهم بالفعل منذ نهاية العام 2017، إما من تلقاء أنفسهم أو بمساعدة من مخطط “العودة الطوعية” الذي وضعته الوكالة، والذي يعيد اللاجئين، بالتراضي ظاهرياً، على متن حافلات إلى سورية. وفي نيسان (أبريل)، أصدر مجلس الدفاع الأعلى في لبنان أوامره بالبدء في ترحيل السوريين الذين يعبرون الحدود إلى لبنان بصورة غير قانونية. وقد تم ترحيل المئات من السوريين، بمن فيهم هاربون من الجيش، من دون المرور بالإجراءات المرعية وفق الأصول، وفقاً لما تفيد به جماعات الإغاثة. وتقول غيداء فرنجية، المحامية والناشطة في منظمة “الأجندة القانونية”، وهي مجموعة محلية لحقوق الإنسان: “هذا خط أحمر تم تجاوزه”.
يلاحظ أولئك الذين يرغبون في إعادة السوريين إلى بلدهم أن لدى لبنان عددا من اللاجئين مقارنة بسكانه أكثر من أي بلد آخر. (يمكن أن يستقر نصف سكان المكسيك في الولايات المتحدة وسوف يظل لبنان يحتل المرتبة الأولى في حد اللاجئين). ويقول المسؤولون إن اللاجئين يُجهدون الطرق والمستشفيات والمدارس وإمدادات الكهرباء والماء، بينما يُخرجون اللبنانيين من العمل بأعداد كبيرة. وهم يعربون عن شكوكهم في أن العديد من السوريين يعبرون الحدود فقط من أجل الحصول على المساعدات، وأن عمال الإغاثة يبالغون في حجم الأزمة لتبرير عملهم. “ومَن هو الخاسر الوحيد هنا؟ لبنان”، كما يقول نيكولا شدراوي من الحركة الوطنية الحرة.
أما التأثير الفعلي للاجئين على الاقتصاد فأقل وضوحاً. صحيح أن السوريين يتنافسون حقاً مع اللبنانيين للحصول على وظائف منخفضة المهارات. لكن الطلب المتزايد على المعلمين والأطباء ومقدمي الخدمات الآخرين خلق عملاً جديداً أيضاً. كما أدى ضخ أموال المساعدات إلى زيادة الاستهلاك. وليست معظم مشاكل لبنان، من انقطاع التيار الكهربائي إلى عدم جمع القمامة، ناجمة عن وجود اللاجئين، وإنما هي نتيجة لسياسات لبنان الفاسدة والمختلة وظيفياً.
يدفع المسؤولون اللبنانيون بفكرة أن سورية أصبحت الآن آمنة. ويقول أحد عمال الإغاثة: “هذا غباء، غباء، غباء”. وقد قُتل عشرات المدنيين في سورية مؤخراً، بينما تحاول الحكومة السورية استعادة آخر معقل رئيسي للمتمردين في محافظة إدلب وما حولها. وما يزال خطر التعرض للاحتجاز التعسفي والاختفاء كبيراً. ويواجه الشبان الذين يعودون التجنيد العسكري الإجباري. ويتعرض آخرون لهجمات انتقامية من الجيران المفجوعين أو العديد من الميليشيات الفالتة من عقالها في سورية.
الآن، يبدو أن السلطات في لبنان لا تتوانى عن انتهاك مبدأ “عدم الإعادة القسرية”، الذي يحظر إعادة الأشخاص إلى بلدان سيواجهون فيها الاضطهاد. وتدرس حكومات أخرى في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى اتخاذ إجراءات مماثلة بحق اللاجئين -بل وتتخذها. وعلى سبيل المثال، تُتهم تركيا، التي لديها نحو 3.6 مليون لاجئ سوري، بترحيل بعضهم إلى إدلب.
يعتقد الكثير من اللبنانيين أن باسيل يقوم بتحريض مشاعر الغيرة الوطنية من أجل المزيد من تعزيز طموحاته الرئاسية. ويقول أحمد فتفت، النائب السابق في تيار المستقبل، التكتل السياسي السني: “إنه ترامبنا الخاص، بإحدى الطرق”. وكانت استجابة السياسيين الآخرين هي الصمت. ويبدو أن معظمهم راضون عن التضحية باللاجئين السوريين ككبش فداء، بدلاً من تحمل المسؤولية عن إخفاقاتهم الخاصة.
المصدر: الغد الأردنية