أحمد مظهر سعدو
يُتم التحالف الدولي ضد داعش عامه الخامس في أيلول 2019، وهو التحالف الوحيد بقيادة الولايات المتحدة الأميركية الذي خرج بلا اسم، وضم منذ البداية 20 دولة، ثم وصل عديد الدول المشاركة به فيما بعد إلى ثمانين، حيث كانت الكونغو الديمقراطية الدولة رقم 80 التي تنضم إليه بعد مرور شهر ونصف على أول هجوم لتنظيم داعش في هذا البلد. معلنًا (داعش) إنشاء “ولاية وسط أفريقيا”.
لم تكن أهداف الولايات المتحدة ورئيسها (أوباما) بإعلانهم عن التحالف الدولي ضد داعش، إسقاط النظام السوري، ولا دعم النظام العراقي، بل كانت الغاية كما أُعلن في حينها، القضاء على خطر داعش الإرهابي في العراق وسورية ، وحماية الأقليات ، وخاصة أنه جاء التحالف بعد تمدد داعش في العراق وما جرى بعدها للطائفة الأزيدية، حيث أعلن (أوباما) بكل وضوح وقبل تشكيل التحالف بشهر واحد، يوم 7أغسطس/آب 2014، ” إن الأوضاع السيئة في العراق، والاعتداءات العنيفة الموجهة ضد الإيزيديين، أقنعتا الإدارة الأميركية بضرورة تدخل قواتها “لحماية المواطنين الأميركيين في المنطقة، والأقلية الإيزيدية، إلى جانب وقف تقدم المسلحين إلى أربيل” عاصمة إقليم كردستان العراق”.
قصفت الطائرات الأميركية بعد تصريحه بيوم واحد مقرًا ومستودعًا للسلاح يتبع تنظيم الدولة، وبعد ذلك يومين آخرين تمكنت القوات الكردية (بدعم أميركي) من الاستيلاء على منطقتين مهمتين (مهمور، وغوير) كان قد سيطر عليهما تنظيم الدولة قبل ذلك. ولأهمية هذه الحرب وضرورة الاستعجال فيها أوعز (أوباما) لقواته الجوية في 10 سبتمبر/أيلول 2014، ببدء شن الغارات في سورية، قبل موافقة الكونغرس، آمرًا بتكثيف غارات هذا التحالف في العراق.
لعل تشكيل التحالف الدولي ضد داعش في أيلول/ سبتمبر 2014 ساهم وعبر التزام أعضائه وتحديد مجال عمله، بإضعاف تنظيم داعش وإلحاق الهزيمة النسبية به في النهاية.
شدد التحالف على أهمية التزام كل من دخل فيه بدوله ال 80 بمواجهة تنظيم داعش على مختلف الجبهات، ومن ثم التقيد بأهداف التحالف، وهي تفكيك شبكات تنظيم الدولة، ومجابهة طموحاته على مستوى الإقليم والعالم أيضًا. من خلال الحملة العسكرية التي ينفذها التحالف في سورية والعراق، وأكدت الإدارة الأميركية على ضرورة التزام التحالف بما يلي: ” تدمير البنى التحتية الاقتصادية والمالية لتنظيم داعش، ومنع تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر الحدود، ودعم الاستقرار، واستعادة الخدمات الأساسية العامة في المناطق المحررة من داعش، ومجابهة الدعاية الإعلامية للتنظيم”.
في هذا التحالف توافقت كل الدول المشاركة على الاكتفاء بالمساندة الجوية عبر الطيران، والعمل على تدريب وتسليح الجيش العراقي، وكذلك ما سمي بالمعارضة السورية المعتدلة، والأهم كان دعم القوات الكردية في سورية (قسد) والعراق (البيشمركة).
شاركت بعض الدول الغربية والعربية فعليًا في ذلك، حيث شنت فرنسا أولى غاراتها بتاريخ 19 سبتمبر/أيلول 2014، كثاني دولة تشارك في الحملة. وفي 23 سبتمبر/أيلول 2014، شاركت قطر والبحرين والسعودية والإمارات والأردن أول غاراتها ضد داعش في الأراضي السورية.
وهناك من دول التحالف من اكتفى بالدعم داخل الجغرافيا العراقية، ومنهم من شارك فقط في سورية، أو من شارك في الدولتين، كذلك فإن بعض الدول المشاركة من حصر مشاركاته في عمليات الاستطلاع، أو التدريب، أو الدعم اللوجستي، أو حتى الإعلامي أو المعنوي، ومنهم من تعدى ذلك إلى المشاركة الجوية.
تجدر الإشارة إلى أنه وبالرغم من مشاركة تركيا في التحالف، ورغم حضورها الاجتماعات والنقاشات التي سبقت الإعلان عن وثيقة الاتفاق المعلن، بما يخص التحالف فإن وزير خارجيتها في حينه لم يوقع على الوثيقة. مع أن الجانب التركي شارك في كل الاجتماعات السياسية والعسكرية التي حصلت إبان تأسيس هذا التحالف، ومنها اجتماعًا عسكريًا مهمًا جرى يوم 14 أكتوبر/تشرين الأول 2014، بالإضافة إلى كل من (أميركا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، نيوزيلندا، إسبانيا، بريطانيا، أستراليا، بلجيكا، كندا، الدانمارك، قطر، السعودية، الإمارات، البحرين، العراق، الأردن، الكويت، لبنان) والذي عقد في قاعدة (أندروز) الجوية الأميركية بدعوة من (مارتن ديمبسي) رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة.
وبعد كل الجهد العسكري المبذول أميركيًا وتحالفيًا، وكل ما حققه هذا التحالف من نصر على داعش في كل من العراق وسورية، إلا أنه أعلن في 13 شباط / فبراير 2018 وفي بيان مشترك عن المبادئ التوجيهية من التحالف الدولي لهزيمة داعش، عبر وزارة الخارجية الأميركية. جاء فيه ” بعد مضي ثلاث سنوات ونصف من هذا الجهد، نرى تنظيم داعش بحالة متدهورة لا يمكن إنكارها، حيث فقد قبضته على الأراضي في العراق، وتبقت بضعة أجزاء من الأراضي تحت سيطرته في سورية. وتخضع قيادته وتواجده على الإنترنت وشبكاته العالمية للضغط. إلا أن عملنا لم ينتهِ بعد، حيث ما زال تنظيم داعش يشكل تهديدًا خطيرًا على استقرار المنطقة وأمننا المشترك وأمن أوطاننا. إن الهزيمة الدائمة ستتحقق عندما لا يتبقى لداعش ملاذات آمنة ينطلق للعمل منها، وعندما يفقد القدرة على إيصال أيدولوجيته المبنية على الكراهية دوليًا.”
ثم أكد البيان على أن ” نهجنا يتركز على عدد من الركائز الأساسية، أولها: إننا نرى بأن هذا التحالف كآلية حشد وتنسيق يراعي نظام إيكولوجي دبلوماسي وعسكري ومناهض للإرهاب، وذلك وفقًا لمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ثانيًا، نحن ندرك أن الدول تتحمل المسؤولية الأولية للدفاع عن أوطانها ضد داعش، ولذلك ينبغي على تحالفنا أن يعمل بجانب ومع ومن خلال شركائنا. ثالثًا، عضوية هذا التحالف هي عضوية طوعية، كما هو الحال بالنسبة لمساهمات كل منا في هذا الجهد. رابعًا، نحن نتفق على أنه لا يوجد هناك نهجًا واحدًا محددًا لهزيمة داعش، فكل نهج مصمم من أجل معالجة الطبيعة الفريدة للتهديد في منطقة أو إقليم ما، والأهم هو أن معظم المنهجيات ضد داعش عالميًا لن تعكس جهودنا في العراق وسورية، حيث كان التصرف العسكري بقيادة التحالف مركزيًا. وعليه، نتفق على أن هناك فائدة عظيمة من إدامة التعاون ووحدة الهدف في التحالف”.
وإذا تم تأسيس هذا التحالف نتيجة القلق العالمي الذي أحدثه ويحدثه تنظيم الدولة/ داعش، وكذلك التهديد الذي أحدثه ضد السلام والأمن في المنطقة والعالم، فهل استطاع هذا التحالف وبعد انتصاره المفترض على التنظيم، أن يكون قد حقق الأمن للمنطقة في ظل وجود أنظمة ديكتاتورية استبدادية في سورية وسواها؟ ومن ثم ماذا سيقول ذوي مئات بل آلاف القتلى الذين ذهبوا في سورية والعراق نتيجة غارات خاطئة أو شبه ذلك؟
(العربي الجديد) حملت هذه التساؤلات إلى بعض الباحثين والكتاب السوريين المهتمين بهذا الشأن وقالت: برأيكم هل وصل هذا التحالف إلى أهدافه؟ وهل قارب على نهايته أو استنفذ غايته؟ وما مدى الأثر الذي تركه من نتائج سلبية على واقع المدنيين السوريين، حيث لم يلتفت هذا التحالف إلى أرواح المدنيين خلال عملياته الجوية أو البرية؟
الباحث السوري حسن النيفي تحدث للعربي الجديد بقوله ” بات من المعلوم أن التدخل الأميركي في الشأن السوري إنما حصل تحت شعار عريض هو الحرب على الإرهاب المتمثل بتنظيم داعش، ثم ألحقت به واشنطن شعارًا آخر هو مقاومة نفوذ إيران في سورية، ولم تفصح أميركا أبدًا عن رؤية عملية محددة بخصوص نظام الأسد، على الرغم من المواقف الاعلامية الأميركية المنددة بجرائم نظام دمشق.” وأضاف ” حرب التحالف الدولي على داعش كانت بالتحالف مع قوات (سورية الديمقراطية) التي يشكل حزب الاتحاد الديمقراطي عصبها الأساسي، تلك الحرب التي كانت تتم من الجو، من خلال كثافة الطيران وغزارة النيران، بالتوازي مع عمليات التمشيط على الأرض لقوات قسد الأمر الذي جعل هذه الحرب لا تختلف في أسلوبها ووسائلها عن الحرب التي يشنها بوتين على الشعب السوري، وذلك من حيث حجم الدمار وعدد القتلى المدنيين المرتفع، وفداحة الدمار في الممتلكات والمساكن، ويكفي التذكير أن في منبج وحدها سقط ٨٠٠ من الضحايا المدنيين ١٩٠ منهم في ليلة واحدة، ومكان واحد أعني مجزرة (التوخار) بتاريخ ١٩ تموز/ يوليو ٢٠١٦ ، في حين لم ير أحد عشر جثث لتنظيم داعش، إضافة لحجم الخراب وعدد القتلى المماثل في الرقة والباغوز وسواها. وحين انتهى تنظيم داعش نلاحظ مبالغة أميركية بحجم الخلايا المتبقية للتنظيم، أعتقد أن المراد من هذه المبالغة الأميركية هو تبرير استمرار الدعم لقسد، فضلاً عن تبرير التواجد الأميركي كحام لقسد في مواجهة تركيا”. ثم انتهى إلى القول ” إن الدعم الأميركي المطلق لقسد إضافة إلى تجاهل مصير أهالي المنطقة من المكونات الأخرى قد خلق شرخًا في النسيج السكاني باتت علائمه تظهر بشكل متزايد، وهذا ما بات يشكل مبعث قلق على مستقبل المنطقة الشرقية بشكل عام”.
أما الكاتب السوري عبد الرحيم خليفة فقد أشار إلى أن ” الأهداف المعلنة للتحالف تتمثل في القضاء على الإرهاب الذي يمثله من وجهة نظرهم، فقط، ما يعرف باسم تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وهو هدف تم تحقيقه باعترافهم، وتم القضاء عليه وتصفيته في آخر جيوبه ومعاقله قبل أشهر في ريف محافظة دير الزور، وبالتأكيد هناك أهداف عديدة غير معلنة هي التي دفعت أميركا قبل أربع سنوات للتدخل مع حلفائها، وأعطت لتدخلها الصفة الدولية، ولكنه من خارج مجلس الأمن، لإضفاء نوع من الشرعية عليه، وهو يخفي أجندة تحتوي على قائمة من الأهداف المباشرة وغير المباشرة، يمكن رصدها وكشفها بسهولة ويسر” . ثم قال خليفة ” التحالف تحت حجة القضاء على الإرهاب، دمر البنية التحتية للمناطق التي استهدفها بشكل شبه كامل وشرد سكانها بل وقتل منهم المئات، بل الآلاف، دون مراعاة للقيم الإنسانية والقانون الدولي، وهو ما عزز القناعة لدى الكثيرين بأن الهدف أبعد من القضاء على إرهاب داعش وحده.” وأضاف ” لا أعتقد أن أميركا أنجزت أهدافها من التدخل، بل قد يطول أمر وجودها لتحقيق غاياتها ومخططاتها كاملة، خصوصًا أن المنطقة التي تتواجد فيها هي محور صراع محتدم بين مختلف الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، وتختصر الصراع على سورية مع منطقة إدلب المشتعلة هي الأخرى. لا شك أن قوات التحالف لم تأبه لحال المدنيين وتركت أثارًا مادية ونفسية وسياسية لن تمحى بسهولة من ذاكرتهم، فهم انتظروا تدخلها لتخليصهم من نظام الطغيان الكوني فاذا بها تقتلهم وتزيد معاناتهم تحت حجج ومبررات لم يكونوا طرفا فيها. “
الدكتور تغلب الرحبي الناشط في الثورة السورية يرى أن ” التحالف يجب تسميته بالتحالف (الإرهابي الدولي) ضد الشعب السوري. لعدة أسباب أولًا تحالفه المعلن مع منظمات مصنفة ارهابية مثل (بي كي كي) التي قامت بجرائم عنصرية وجرائم ضد الانسانية والغالبية العربية في الجزيرة وشرق الفرات. ثانيًا قام هذا التحالف بذريعة داعش بجرائم الاستهداف الممنهج للمدنيين، مما أدى إلى استشهاد الآلاف وتهجير مئات الآلاف من سكان الجزيرة وشرق الفرات، بما يتماشى مع جرائم الإبادة والتغيير الديمغرافي، التي اقترفها النظام مع روسيا وإيران.” ثم نبه إلى أن ” قصف التحالف يتجنب دائمًا استهداف مقرات داعش ومعسكراتهم المعروفة لدى الجميع، ويركز على قصف المدنيين العزل، وهناك شهود كثر على ذلك، ومعروف لدى أهل مدينة الباب أنهم كانوا يتركون بيوتهم ويستأجرون بالقرب من مقرات داعش لتجنب القصف.” ثم قال ” التحالف وعن طريق ذراعه على الأرض الميليشيات الكردية تمنع عودة السكان الذين تم تهجيرهم، كما أن هؤلاء الموجودين تحت سيطرتهم يعانون من جرائم الخطف والابتزاز وحرق المحاصيل وتجنيد الشباب في هذه الميليشيات. كما يرعى هذا التحالف جرائم (بي كي كي) في اعتقال عشرات الآلاف من العرب في مخيمات الاعتقال منها مخيم الهول، حيث جرائم التعذيب والقتل والاغتصاب والابتزاز والتجويع بحق العرب المعتقلين”. ثم أضاف ” هذا التحالف يتحمل مسؤولية كبيرة في تنفيذ جريمة العصر، وهي جريمة التغيير الديمغرافي في سورية”.
المصدر: العربي الجديد