هبة محمد
تكشف التصريحات الرسمية الروسية والتركية أولويات كل طرف منهما، وملامح تحركاتهم الأساسية في الملف السوري، وسط تركيز موسكو على الحسم العسكري وفق نموذج القضم «خطوة خطوة»، من أجل حماية قواعدها وانتشارها العسكري غربي سوريا، وتأمين الطرق الدولية التي تربط حلب بدمشق واللاذقية، ثم الانتقال إلى ملفات أخرى منها اقتصادية وإنسانية، كملف إعادة الإعمار، واللاجئين، فيما تنشغل أنقرة بترتيبات منطقة شرق الفرات، والحد من موجات نزوح وشيكة، آتية من إدلب باتجاه ولاياتها الجنوبية، بعد هجمة عسكرية شرسة، شنها الحلف الروسي – السوري على الأمتار الأخيرة المتبقية للمعارضة السورية شمالاً، وهو ما أثار مخاوف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس، الذي هدد بفتح الطريق إلى أوروبا أمام المهاجرين السوريين ما لم يتلق دعماً دولياً كافياً.
وأمام تعقد المشهد، وقفز ملف النزوح الذي يهدد أنقرة إلى الواجهة، وتكثيف المزاعم الروسية حول تهديد قواعدها العسكرية في «حميميم وطرطوس» على الساحل، في ظل اتفاق تركي – روسي، يعتقد خبراء ان يدفع ذلك بإدلب، نحو سيناريوهات قد تشابه ما حدث في درعا مع مراعاة بعض الخصوصيات، أو ربما انزلاقها باتجاه سيناريو حلب.
وفي كلمة ألقاها خلال الاجتماع الموسع لرؤساء أفرع حزب «العدالة والتنمية» في الولايات، في مقر الحزب في العاصمة أنقرة، قال أردوغان، إن تركيا قد تفتح الطريق إلى أوروبا ما لم تتلق دعماً يساعدها من اجل التعامل مع اللاجئين السوريين، مؤكداً عزمه على إقامة «منطقة آمنة» في شمال شرق سوريا بالتعاون مع الولايات المتحدة بحلول نهاية أيلول/سبتمبر، أو التحرك منفرداً إذا اقتضى الأمر.
تفهم روسي
ومن الواضح تفهم موسكو للمخاوف التركية في سوريا، فقد قال أردوغان حول مستجدات الأوضاع في محافظة إدلب السورية، إن «التطورات الحاصلة في هذه المحافظة تنذر بخطر تدفق أفواج جديدة من اللاجئين نحو تركيا، قد تصل أعدادهم إلى المليون، لافتاً إلى ان بلاده تسعى عبر التعاون مع روسيا، للحفاظ على الأمن في محافظة إدلب، وإبقاء السوريين المقيمين هناك في منازلهم وديارهم، متسائلاً عما اذا كانت بلاده الوحيدة التي ستتحمل عبء اللاجئين.
وأشار إلى أن «تركيا أنفقت على اللاجئين المقيمين على أراضيها نحو 40 مليار دولار، وأن المساعدات الخارجية التي وصلت إلى اللاجئين لا تتجاوز 3 مليارات يورو» حسب ما ذكرت الأناضول.
وفي الجهة الرديفة، كشفت موسكو عبر وزير دفاعها سيرغي شويغو، تركيز جهودها على حماية قاعدتي حميميم وطرطوس، وتوفير كل ما هو ضروري للطيران الحربي، وتجهيز منشآت خدمة وصيانة سفن الأسطول البحري الروسي في ميناء طرطوس، فيما تسعى موسكو على المدى البعيد حسب مراقبين لأن تقدم الأولوية للحل السياسي الذي يرضيها، عبر تشكيل لجنة دستورية.
نائب وزير الخارجية أوليغ سيرومولوتوف، أعلن أمس الخميس ضرورة «وضع تدابير قانونية وتكنولوجية لمكافحة استخدام المركبات الجوية» المسيّرة، والتي زعم استخدامها من قبل الفصائل المسلحة المنشرة شمال غربي سوريا، وتهدد الانتشار الروسي في سوريا، وأشار سيرومولوتوف، متحدثًا في المؤتمر الدولي الثاني لـ»مكافحة الإمداد غير المشروع بالأسلحة لمكافحة الإرهاب الدولي»، أن وزارة الخارجية تدرس بجدية مشكلة استخدام المركبات الجوية غير المأهولة، والتي تستخدم حتى ضد المسؤولين، ولها نطاق عالمي».
وقال نائب وزير الخارجية: «نحن نسجل بانتظام الاستخدام المكثف لهذه التقنية لتنظيم هجمات على القواعد الروسية في سوريا. وفي الوقت نفسه، فإن بنية الطائرات المسيرة ليست حرفية.
«كلام فارغ»
حديث المسؤول الروسي، عن عمليات الاستهداف لقاعدة حميميم في الساحل السوري عبر الطائرات المسيرة، اعتبرها الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي «كلاماً فارغاً» وهي حسب رؤيته، ليست أكثر من ذرائع تحاكي روسيا من خلالها خطراً مقبلاً على وجودها العسكري في المنطقة، وتستخدمها في إبعاد أي مجموعات مسلحة خارج الدولة عن محيطها سواء كانت إسلامية أم وطنية، هذا في حال تعسرت قدرتها على السيطرة التامة. ومن الواضح للباحث، ان لا قدرة للمعارضة حالياً على استخدام أنواع مطورة متوفرة، ولا توجد نية إقليمية أو غربية لتزويدهم بها، ولو كان ذلك حقاً قد حصل، لدلت عليه النتائج وليس الإعلان الأحادي الجانب من روسيا، هذا عدا عن عدم تبني المعارضة لذلك سواءً الإسلامية أو الوطنية».
ما تتخوف منه روسيا، حسب المتحدث لـ«القدس العربي»، ليس الطائرات المسيرة فحسب، بل حتى الصواريخ التي تصيب قاعدة حميميم، وهذا يقود إلى صواريخ الغراد التي استخدمها فيلق المجد ومجموعة أنصار التوحيد في استهداف القاعدة، مبيناً «أن ما تريده حالياً روسيا إبعاد أي خطر محتمل عن وجودها العسكري والترويج المستمر لوجود هجمات هو محاكاة لهذا الخطر المقبل والمحتمل. وطبعاً لا ينفي ذلك هدفها باستعادة السيطرة التامة على كل المناطق الخارجة عن سلطة النظام».
وفي الإطار ذاته، يعتقد الخبير في العلاقات التركية – الروسية، د.باسل الحاج جاسم ان ما يهم روسيا بالدرجة الأولى هو تأمين قاعدتها العسكرية في حميميم وذلك بجعل عمق جغرافي معين محيط بها خالياً من اي جماعات يمكن أن تشكل تهديداً لها، أو تقوم باستهدافها كما يحصل بين الحين والآخر، بالإضافة إلى موضوع فتح وتأمين الطرق الدولية معرباً عن اعتقاده للقدس العربي «أنها مصلحة اقتصادية، لجميع الأطراف المتشابكة، وهي رسالة من روسيا إلى الاوروبيين على وجه الخصوص في حال تم ذلك، بأن الأوضاع باتت تحت السيطرة ويمكن التمهيد لعودة اللاجئين وإعادة الإعمار».
سيناريو درعا
وبيّن الخبير في الشأن الروسي، ان تركيا لا تريد موجات جديدة من اللاجئين، وكذلك تتقاطع مع الأوروبيين بذلك، كما انها لا ترغب بالظهور بأنها تتخلى عن حلفائها من المعارضة السورية، لكن استمرار وجود مجموعات مصنفة على قوائم الإرهاب، تنتشر في المنطقة، هو ما يعقد الامور ويدفعها نحو سيناريوهات مختلفة وبعضها خارج الحسبان.
فقد يكون سيناريو مشابه لدرعا، مع مراعاة بعض الأمور، وذلك في حال تم تنفيذ خلال وقت قريب معظم بنود سوتشي أستانا، أما إذا استمرت الامور على نفس المنوال والأعمال العسكرية في تصاعد، فإن سيناريو حلب سيكون هو الأقرب، واعتبر الحاج جاسم، ان الجانبين لديهما تفاهم واضح على وحدة أراضي الجمهورية العربية السورية وتطهيرها من المجموعات الإرهابية، لكن هناك تعقيدات وتفاصيل على الارض تعيق ذلك.
من جهته، شدد الاتحاد الأوروبي على ضرورة إيقاف هجمات نظام الأسد وحلفائه على البنى التحتية المدنية شمالي سوريا، وأكد أنه لا يمكن تبريرها تحت أي ظرف، وأوضحت المفوضية الأوروبية في بيان للأناضول، أن المعارك شمالي سوريا «زادت بشكل صادم»، وأعربت عن قلقها إزاء هجمات النظام وحلفائه على البنى التحتية المدنية كالمدارس والمرافق الصحية والمائية.
وقالت: « لا يمكن تبرير الهجمات العشوائية وتدمير البنية التحتية المدنية بأي ظرف من الظروف، ونذّكر جميع أطراف النزاع بضرورة الامتثال للقانون الدولي الإنساني، وإيصال المساعدات الإنسانية لكافة المدنيين المحتاجين دون أي عوائق، مضيفة «ننتظر من النظام السوري وضامني أستانة أن يفوا بمسؤولياتهم وتعهداتهم فورًا وضمان حماية المدنيين بأقرب وقت».
رئيس المسار العسكري في مركز طوران للدراسات، النقيب رشيد حوراني، قال لـ»القدس العربي»، ان روسيا تسعى إلى تحقيق جملة من الأهداف، ومن الممكن اعتبارها أهدافاً مرحلية للوصول إلى الأهداف الاستراتيجية، وتتربع على رأسها في الفترة الحالية ثلاثة أهداف، الأول الإيحاء لأمريكا بشكل خاص والمجتمع الدولي بشكل عام بأنها تحارب الارهاب وهذا تدلل عليه تصريحات المسؤولين الروس الذين تعالت أصواتهم بعد سيطرة ميليشيات النظام بمساندة جوية روسية على مدينة خان شيخون وضرورة محاربة التنظيمات الإرهابية والمقصود بها «هيئة تحرير الشام».
ويتمثل الثاني، حسب الحوراني، في إعادة شرعية النظام ومحاولة تأهيله رغم الموقف الأمريكي الذي تم الاعلان عنه مؤخراً بعدم القبول بعودة تأهيل النظام أو بأي دور له في مستقبل سوريا، لكنها تحاول فرض أمر واقع جديد من خلال السيطرة على المزيد من الجغرافيا السورية وانتزاعها من قوى الثورة السورية. والأمر الثالث هو الضغط على الحكومة التركية الحالية والتضييق عليها في ظل الوضع السياسي الداخلي المضطرب في تركيا، ونسف ثقة السوريين بالدولة التركية وسياساتها تجاه الثورة السورية واظهارها بمظهر العاجز رغم انها لا تزال حتى الآن إلى جانب الثورة السورية وتحقق أهدافها في إسقاط النظام.
كما أنها تريد من خلال تصعيد استهدافها للمنشآت المدنية كالمدارس والمساجد، حسب رؤية المتحدث التضييق على المدنيين ودفعهم إلى المصالحات على غرار ما جرى في مناطق أخرى سابقاً وهذا يصب لصالحها في أي عملية سياسية مستقبلاً.
المصدر: القدس العربي