أمين العاصي
ضربت طائرات “مجهولة”، يعتقد أنها إسرائيلية، ليل الأحد – الإثنين، أهدافاً تابعة لـ”الحرس الثوري الإيراني” في الشرق السوري، وتحديداً في مدينة البوكمال القريبة من منفذ القائم العراقي. هذا الاستهداف، الذي لا يعد الأول في المنطقة ضد “المصالح” الإيرانية، والذي أكدت مصادر أنه طاول قاعدة عسكرية إيرانية أنشئت حديثاً، وأصاب مقاتلين إيرانيين ومن المليشيات المدعومة منهم، يقع بدوره في خانة استمرار الصراع المفتوح على كل الاحتمالات في سورية، وفي شرقها تحديداً، مع سعي إسرائيل والولايات المتحدة إلى منع تكرس الوجود العسكري الإيراني هناك، حيث تسعى طهران لتثبيت ممرها إلى المتوسط. تزامناً، أعلن الجيش الإسرائيلي أن قذائف أطلقت من قِبل “مليشيات مرتبطة بفيلق القدس” من سورية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون أن تصل إلى هدفها، في ما يبدو رداً على الاستهداف في البوكمال، الذي يُرجح أنه إسرائيلي. وفي جنوب لبنان، رُصد إعلان “حزب الله” إسقاط طائرة مسيرة إسرائيلية، وهو ما أكده الاحتلال، وذلك بعد نحو أسبوع من مواجهة بينهما على الحدود.
واستهدفت غارات مجهولة، بعد منتصف ليل الأحد – الإثنين، مواقع لمليشيات إيرانية وأخرى عراقية في مدينة البوكمال ومحيطها، في ريف دير الزور الشرقي، قرب الحدود العراقية. وقالت مصادر محلية لـ”العربي الجديد”، إن أربع غارات استهدفت ما يعرف بـ”مجمع الإمام علي” التابع للمليشيات الموالية لإيران، قرب المنطقة الصناعية في البوكمال، ودمرته بشكل كامل. وأوضحت المصادر أن القصف الذي استهدف مواقع عدة في محيط المدينة، أسفر عن اندلاع حرائق ووقوع انفجارات يعتقد أنها ناجمة عن إصابة مستودعات سلاح وذخيرة، مشيرة إلى أن القصف “أوقع عدداً من القتلى والجرحى في صفوف تلك المليشيات، مع وصول سيارات إسعاف إلى مناطق الاستهداف”. وأكدت أن القصف استهدف القاعدة العسكرية التي بنتها إيران على الحدود السورية – العراقية أخيراً، والتي أطلقت عليها اسم “مجمع الإمام علي”، ومواقع عدة لكتائب “حزب الله” العراقية، ومليشيا “فاطميون” الأفغانية المرتبطة بـ”الحرس الثوري الإيراني”.
من جهته، أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن الضربات الجوية استهدفت مواقع وآليات ومستودعات ذخيرة وسلاح للقوات الإيرانية والمليشيات الموالية لها في البوكمال ومحيطها، متحدثاً عن مقتل ما لا يقل عن 18 مقاتلاً، موزعين بين إيرانيين وعناصر المليشيات المدعومة من “الحرس الثوري”. وقال “المرصد” إن “طائرات مجهولة استهدفت مواقع للإيرانيين في كل من: مركز الإمام علي، منطقة الحزام الأخضر، المنطقة الصناعية، وفي قرية العباس بالقرب من مدينة البوكمال، والمعبر الحدودي مع العراق، ومواقع أخرى في منطقة البوكمال بريف دير الزور الشرقي”. ولم تعلن إسرائيل مسؤوليتها عن هذه الغارات، علماً أنها تعهّدت بمنع إيران من ترسيخ وجودها عسكرياً في سورية.
وجاءت الغارات الجوية عقب تقرير نشرته شبكة “فوكس نيوز” الأميركية، الثلاثاء الماضي، قالت فيه إن إيران أنشأت قاعدة عسكرية جديدة بإدارة “فيلق القدس” الإيراني في منطقة البوكمال، شرقي سورية، وتخطط لإيواء آلاف الجنود فيها. ونشرت الشبكة الإخبارية صوراً ملتقطة من أقمار صناعية توضح وجود القاعدة الإيرانية الجديدة على الحدود السورية – العراقية بالقرب من معبر القائم، الذي تسعى إيران لافتتاحه ليكون ممراً إلى سورية.
وفي ما يبدو أنه رد على الغارات الجوية على مواقع إيرانية في الشرق السوري، أطلقت فصائل مدعومة من إيران، فجر الإثنين، صواريخ من سورية باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، إلا أنها سقطت دون بلوغها هدفها. وقال الجيش الإسرائيلي في بيان، إنه “في وقت مبكر من صباح اليوم (أمس الإثنين)، أطلق عدد من الصواريخ من سورية باتجاه إسرائيل، أخفقت كلها في بلوغ الأراضي الإسرائيلية”، مضيفاً أن “الصواريخ أطلقها من ضواحي دمشق أفراد في مليشيا شيعية مرتبطة بفيلق القدس” التابع لـ”الحرس الثوري الإيراني”. وفي السياق، حذر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، عبر “تويتر”، النظام السوري لسماحه للإيرانيين والمليشيات المرتبطة بهم بالعمل من داخل الأراضي السورية، قائلاً “نحن نحذر نظام بشار الأسد أنه سيدفع ثمناً باهظاً على سماحه للإيرانيين وللمليشيات الشيعية العمل من داخل أراضيه حيث يغضّ طرفه، وحتّى يتعاون معها”.
وفي تطور غير بعيد، أعلن “حزب الله” اللبناني، في وقت مبكر من صباح أمس الإثنين، أنه أسقط طائرة إسرائيلية مسيّرة (أمس)، قرب بلدة رامية، جنوبي لبنان، مضيفاً في بيان، أن “الطائرة المسيّرة الإسرائيلية أصبحت الآن بيد المقاومين”. من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إن إحدى طائراته المسيّرة “سقطت داخل جنوب لبنان خلال عمليات اعتيادية”، من دون أن يذكر سبب سقوطها، مشيراً في الوقت ذاته إلى أنه “لا توجد مخاوف من إمكانية الحصول على معلومات منها”.
وفي ما يتعلق بغارات البوكمال، فإن قوات النظام والمليشيات الموالية لإيران كانت قد سيطرت على المدينة التي تقع على الضفة الجنوبية لنهر الفرات، في نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بعد معارك مع تنظيم “داعش” الذي انسحب منها.
وفي هذا الصدد، لفت رئيس تحرير موقع “الشرق نيوز” فراس علاوي، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنها “ليست المرة الأولى التي تُستهدف فيها مواقع إيرانية على الحدود العراقية السورية وفي محيط مدينة البوكمال”، مرجحاً “كما يُعتقد بأن تكون إسرائيل هي الجهة التي تقف خلفه”.
ورأى علاوي أن الهدف من وراء الاستهداف المتكرر “عدم السماح لإيران بإقامة قواعد دائمة تؤسس لبقاء طويل الأمد في المنطقة”، مضيفاً أن “إسرائيل تعمل بموافقة أميركية على منع إيران من تحقيق أهدافها في إقامة قاعدة على الحدود، تدير من خلالها العمليات العسكرية في غرب العراق وشرق سورية، وتكون صلة وصل للمشروع الإيراني الكبير الذي يعتمد على فتح ممر يصل طهران ببغداد فدمشق ومن ثم بيروت والبحر المتوسط”. وأشار إلى أن “استمرار الغارات الهدف منه إبقاء القوات الإيرانية في حالة عدم استقرار من جهة، واستنزافها من جهة أخرى، وبالتالي إرباك الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة لحين الوصول إلى حل مستدام”.
وحوّلت طهران مدينة البوكمال إلى “قاعدة عسكرية” متقدّمة لها، إذ أكدت مصادر مطلعة أن “الحرس الثوري الإيراني أقام فيها مرافق تدريب مخصصة للقوات الموالية لإيران، فضلاً عن تحويل أبنية مدارس ومستشفيات إلى مستودعات أسلحة”. ولفتت المصادر إلى أن “إيران نشرت في البوكمال عناصر من حزب الله اللبناني وكتائب حزب الله العراقي ومليشيا النجباء ومليشيا فاطميون ومليشيا الزينبيون”.
ومنذ أواخر عام 2017، تعمل إيران على السيطرة على ريف دير الزور الشرقي، جنوب الفرات، أو ما يطلق عليه محلياً تسمية “الشامية”، في مقابل سيطرة أميركية عن طريق “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على ريف دير الزور الشرقي، شمال نهر الفرات، أو ما يطلق عليه تسمية “الجزيرة”. وإضافة إلى مدينة البوكمال التي لا تبعد سوى كيلومترات عن الحدود السورية العراقية، يسيطر الحرس الثوري الإيراني من خلال “لواء القدس”، الذي يضمّ مسلحين إيرانيين ومليشيات محلية، على مدينة الميادين في ريف دير الزور الشرقي على الضفة اليمنى لنهر الفرات، أي أن الوجود الإيراني يمتد على طول نهر الفرات من مدينة الميادين غرباً إلى مدينة البوكمال شرقاً.
وتولي إيران أهمية خاصة للشرق السوري كونه محطة رئيسية في الطريق البري الذي تعمل على فتحه من طهران مروراً بالعراق وسورية وانتهاء بالضاحية الجنوبية في بيروت، وهو ما تعتبره إسرائيل والولايات المتحدة خطراً محدقاً. ولا يوجد أي حضور للنظام في ريف دير الزور الشرقي، ومن الواضح أن إيران وضعت يدها عليه تحسباً لأي مواجهة مستقبلية مع الجانب الأميركي.
المصدر: العربي الجديد