أحمد مظهر سعدو
بعد سنتين متواصلتين من المراوحة بالمكان، والتسويف، والمماطلة، والمعوقات التي وضعها الروس حينًا، والنظام حينًا آخر. أعلن غويتيرس في الأمم المتحدة عن تشكيل اللجنة الدستورية والتي يُفترض أنها ستكون خطوة على طريق عملية الانتقال السياسي المزمعة، حيث جاءت اللجنة الدستورية بمجموعاتها الثلاث، معارضة ونظام ومجتمع مدني، ليكون أمامها الجهد الأصعب، وهو يأتي قبل إنجاز الدستور أو التعديلات الدستورية التي يصر عليها النظام السوري، لدستور أصدره عام 2012، حيث يراد وضع آليات العمل والانجاز، وخطة الطريق لصياغة دستور لم يكن مشكلة الشعب السوري في يوم من الأيام، بل كان دائمًا الهم الأساس للشعب السوري، وكما قال الراحل(محمد الماغوط) في مسرحيته، (المشكلة في الحمار الذي دأب على أكل الدستور، وكل القوانين)، التي لا قيمة لها في وطن تحكمه العصابات الأمنية، والكتائب المسلحة، والعقل اللا قانوني واللا دستوري.
في سورية لا توجد قوانين ولا دساتير، منذ أن سرق حافظ الأب السلطة من رفاقه، وتغول مع آلة دولته الأمنية على كل شيء، فألغى السياسة من المجتمع، وحقق ما حلم به من الهيمنة على الحزب والحكومة والقضاء ورجالات الدين، والجيش، ليعيش الناس تحت سطوة القهر والاستلاب للبشر، ولجم كل رأي أو فكرة لا تندرج تحت يافطة التأييد للسلطة الأسدية القاهرة.
ليست المشكلة في سورية في دستور لا يطبق، وفي وطن فيه من هو أهم وأعلى من الدستور، وكل القوانين، ليكون رجل الأمن من يُسيِّر الدستور والقانون، خصيصًا في ظل تصريحات للخارجية السورية تقول فيها ” إن انطلاق أعمال اللجنة الدستورية لا يعني وقف العمليات العسكرية في سورية، فالحرب لا تزال قائمة في سورية، وسنستمر حتى تحرير كل أراضينا، وهذا لا يتعارض مع العمل على الدستور”. بهذه العقلية يبدأ النظام السوري عمل اللجنة الدستورية، فأي خطوة يُفترض أن تكون نحو الحل السياسي في ظل هكذا تفكير، وضمن هذه الممارسة العسكرية الهمجية في مواجهة الشعب السوري.
يقول جورج صبره عضو الائتلاف السابق ” أي حجم من الضلالة والتضليل تلزم المرء، حتى يسوق اللجنة الدستورية على أنها (انتصار للشعب السوري)؟! الشعب السوري وحده صاحب القول الفصل، لنصغي لصوته جيداً”.
ويتساءل المحامي أيمن أبو هاشم المنسق العام لتجمع مصير بقوله” وأولا وأخيراً، هل تغيير النظام الأمني في سورية يمر من بوابة التغيير الدستوري، وبالشراكة مع نظام لا يساوي عنده الدستور ولا القوانين ولا القواعد ولا المبادئ ولا كل الدم السوري رفة جفن !!”
بينما يرى الكاتب عبد الوهاب بدرخان أن ” من شأن أنطونيو غوتيريش أن يحتفل بـ “اللجنة” التي توصّل إليها مبعوثه غير بيدرسون، والترويج بأنها (ذات مصداقية ومتوازنة وشاملة ومملوكة لسورية وبقيادة سورية وتسيير أممي)، لكن كلاً من هذه التوصيفات يحتاج الى تدقيق شديد ولن يتأكّد إلا بعد أن تغوص اللجنة في العمل. وعندما قال إن اللجنة استيفاء لأحد بنود القرار 2254 كان حريّاً بالأمين العام أن يعتذر للسوريين وللعالم عن عجز الأمم المتحدة عن فرض أو تطبيق أيٍّ من البنود الأساسية في هذا القرار، ليكون مبرّراً اليوم القفز الى الدستور”.
الناشط السوري يوسف الغوش المنسق العام لتجمع أحرار الثورة قال ” من الواضح أن الهدف من اللجنة الدستورية لم يكن صياغة دستور يعيد توحيد السوريين المتنازعين، ولا إعادة بناء سورية التي لا تزال تمزّقها الحرب، وإنما التغطية على غياب الدستور، بالتوافق مع الهدف الأول لرعاة إنشائها، وهو إعادة تأهيل النظام القائم والحيلولة دون التغيير السياسي المنشود.
إذ لا يرتبط الانتقال السياسي بتشكيل أي لجنة دستورية، وإنما بدرجة حضور الشعب والجمهور المعني بالانتقال في الميدان”.
وهي حقيقة لا تغيب عن فكر أي منصف لما يجري في سورية في ظل حكم آل الأسد، وارتباط هذا النظام في حالة تبعية واضحة لكل من دولة الملالي في إيران، وكذلك الاتحاد الروسي الذي أعاد قيامة النظام السوري قبل أن يقع أرضًا تحت أقدام ثوار سورية، منذ أربع سنوات، عندما تدخل في 30 أيلول / سبتمبر 2015، ليكون محتلًا لأكثر من خمسين بالمئة من الجغرافيا السورية.
القضية في سورية اليوم ترتبط مباشرة بعدم وجود سلطة أو أجهزة تنفيذية تحت سقف الدستور والقانون، والمسألة في سورية كانت ومازالت كذلك، ولا قدرة للجنة دستورية تهيمن عليها روسيا وأجهزة النظام الأمنية التشبيحية، أن تنتج دستورًا حقيقيًا في سورية، وهي لجنة أقل ما يقال فيها أنها ليست الجمعية التأسيسية، التي طالما حلم بها السوريين، وهذه اللجنة لم تنتخب بشكل ديمقراطي من الشعب السوري، ولا يبدو أن جموع السوريين يضعون الأمل فيها أو عليها.
المصدر: موقع (المدار نت)