محمد الحموي كيلاني
ليست دعوى لتغيير المسار بقدر ما هي إشراقات لاتزال عليها الثورة المخذولة والمرهقة في سنواتها الثمان من القتل والتنكيل والاعتقال والاغتصاب والحصار والتهجير والتدمير الممنهج مارسته ولا تزال عصابة الأسد بحق من طالب بالحرية والكرامة وإنهاء حكم مزرعة آل الأسد ونظامه الذي أفسد معنى الوطن والحالة الطبيعية للمواطنة .
بالرغم من التخاذل الدولي وغض الطرف عن مقتلة جماعية باستخدام كل أنواع السلاح الجوي والثقيل والكيماوي المحرم دوليا، تقف الأمم المتحدة عاجزة عن تخطي حق النقد الدولي لتنهزم الأخلاق والمواثيق الدولية أمام الفيتو الصيني والفيتو الروسي الخصم والحكم في مهزلة أممية لم تعد خافية .
وتُمنع الثورة من الدفاع عن نفسها في استخدام السلاح القادر على إسقاط أو منع طائرات النظام وحلفائه من القتل الجماعي وآلية الأرض المحروقة بكل ما تحمل عليه من بشر وحجر وشجر.
يُفسح الطريق أمام روسيا وحلفاء الشر من إيران والمليشيات الطائفية والمنظمات المصنفة على قوائم الإرهاب في دعم وحماية نظام الأسد ولو كانت التكلفة ملايين السوريين سبيلاً لتحقيق المصالح في الوصول إلى المياه الدافئة وتسويق السلاح بعد تجربته على الشعب السوري في حالة روسيا، أو تنفيذاً للحقد الطائفي البغيض الذي تمارسه دولة الشر الوظيفية في العراق وسوريا واليمن ولبنان ودول الخليح العربي .
أمام قرارات التضييق على اللاجئين السوريين في الدول العربية والإقليمية، والممارسات العنصرية البغيضة، ونشر الشائعات المزيفة في الغالب، وحرمان اللاجئ من أدنى حقوقه وإذلاله بلا رادع أخلاقي أو حتى قانوني نقف عاجزين أيضا .
أمام تمزيق الوطن بتمكين حالة التقسيم الجغرافي والمجتمعي من خلال دعم جماعات وأحزاب متطرفة ومؤدلجة وفرضها على المجتمع السوري وإعطائها الضوء الأخضر لممارساتها البشعة من قتل وخطف واعتقال وإذلال .
ثم المساهمة المفضوحة لحصر من تبقى داخل الحدود، في سجن كبير، وساحة من التجارب وسياج من الموت فمن لم يمت بقصف الطائرات وسلاح الدول العظمى مات اغتيالًا أو جوعًا أو قهرًا .
تُسيِّر الأمم المتحدة فرق التحقيق في انتهاكات استخدام الكيماوي والانتهاكات ضد الإنسانية ، رغم اليقين بالفاعل الوحيد والحقيقي ، لم تعد يصدمنا إجراءاتها المجحفة والكيل بمكيالين فالنظام كل متكامل مترابط له منظومة إدارية وتنفيذية بالتالي فإن أي انتهاك يقع على عاتق النظام في مقابل ثورة شعبويَّة لا تملك رأسا واحداً أو منظّماً، والحكم على انتهاك فصيل لا ينسب للثورة ولا يتحمله إلا من قام به .
وهذه خديعة تمارسها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية وحتى المحلية بقصد أو غير قصد .
المقال لا يتسع لمأساة القرن عند السوريين ولم نجد طلقة واحدة تطلق خارج الحدود بإمضاء الثورة السورية، أو عمل طائش تم تنظيمه والتخطيط له على الإطلاق .
بل وكلما صدر عنواناً من هذا النوع من فئة مؤدلجة أو عصبة مجهولة تصدت له الثورة بالإدانة ، وإصرار أحرارها على أنها ثورة محقة تسعى للتغيير والحرية والحداثة.
على العكس تمامًا لم يطأ السوريون أرضًا إلا اندمجوا مع مجتمعها وجعلوا له حياة، الوصف الأدق للشعب الحي .
وهذا له من الدلالات الشيء الكثير بالرغم من كل التشويه الذي اشتغل عليه الإعلام في إلصاق العناصر الغريبة والمشوهة فكرياً، وتغيير الحقائق والتعمية عن كل الظلم والمجازر اليومية على مدار ثمانية أعوام .
ويبدو اننا ندفع ضريبة نَبذ كل من تواصل مع الاحتلال الإسرائيلي أو دعا للتطبيع معه، وضريبة دعم ثورات التحرر العربي ضد محور الاستبداد والدول الداعمة لمناهضة الربيع العربي .
ولا تزال الثورة السورية تلزم التوثيق ، ومخاطبة العالم من خلال منصاته الدولية ، الحقوقية والسياسية والإنسانية ، ودعوته للتحقيق بإشراف الأمم المتحدة ، والتزام مبادئ العدالة والقوانين التي ألزم المجتمع الدولي نفسه بها ويدعو إليها .
بل وحاولت الثورة بكلف عالية جدا أن تحارب التطرُّف والتبرؤ من النهج المتشدد وكل ما يمت لمنظمات او جماعات متشددة أو مصنفة إرهابياً.
رغم كل الضغوط التي لا تحتمل، لم يكن هناك خطاب يدعو للتهديد أو الانتقام، ولم نشهد عملاً منظماً خارج الحدود السورية كعملية ميونخ سنة 1972 أثناء دورة الأولمبياد .
ولم نسمع عن تشكيل خلايا تستهدف سفارات أو شخصيات تابعة للنظام أو حلفائه في أي دولة عربية أو أجنبية كما الحرس الثوري الإيراني وحزب الله في لبنان وفروعه في الكويت والسعودية والعراق واليمن من عمليات إرهابية مرتبطة بأحزاب ودول.
والعالم يقابل مذبحة شعب منهك بإطلاق يد الحرس الثوري الإيراني المصنف إرهابياً،
والمتهم بتفجير مقرات حفظ السلام الأمريكية والفرنسية بما عُرف بتفجيرات بيروت من سنة 1983، وفي الرابع عشر من حزيران سنة 1985 باختطاف الطائرة المدنية 847 مع 153 مسافراً متجهين من أثينا إلى روما، واحتجازها ستة عشر يوما راح ضحيتها مواطن أميركي، تلاها اختطاف طائرة الخطوط الجوية العراقية سنة 1986 لتسقط بعد ذلك مخلفة ستون بريئاً.
حزب الدعوة الإسلامي العراقي ورغم صريح أهدافه في تغيير المفاهيم والسلوكيات والأعراف على أساس التعاليم الإسلامية وإحلال القوانين الشرعية الإسلامية محل القوانين الوضعية، وليس هذا بحثنا الآن، المعضلة أن حزب الدعوة المدعوم من القيادة الإيرانية متهم باختطاف الطائرة التابعة للخطوط الجوية الكويتية سنة 1988 قُتل خلال العملية مواطنان كويتيان من بين تسعين راكبا كانوا على متن الطائرة، ومع هذا فإن إبراهيم الجعفري القيادي في حزب الدعوة، يشغل منصب أول رئيس لمجلس الحكم ثم رئيسا للوزراء سنة 2005.
والحديث يطول عن تقارير استخباراتية وثقتها السي آي إي وغيرها عن عمليات إرهابية كثيرة تحمل البصمات الإيرانية، وتجنيد طائفي ممنهج أسفرت عن حرب طائفية في العراق سنة 2006 وحرب أهلية في اليمن، واحتلال حزب نصر الله الموالي لإيران لبيروت سنة 2008، وإطلاق كل الأيادي الطائفية في سوريا قتلاً وتدميراً منذ 2011 وحتى يومنا هذا.
والحديث يطول.. ولا يُسفرُ إلا عن مؤتمرات واجتماعات وقِمم لتوزيع كعكةٍ على مائدة بحجم الوطن المنهوب والمقتول والمخذول. هي ثورة اليتم، ولا حراك بحجم الدم المغدور، ولا فسحة للضوء في أزقَّة الأُمم الضيقة.