هبة محمد
انتهت أعمال اللجنة الدستورية الموسعة ليوم أمس، بعد اجتماعات مغلقة، وأخرى موسعة، اتفقت خلالها الكتل السورية على إقرار نظام داخلي لأعمالها، خلال جلسة مباحثات ترأسها بداية المبعوث الأممي غير بيدرسون، تلاه الرئيس المشترك للجنة هادي البحرة، بالتناوب مع الرئـيس المشـترك عن النظـام أحمـد الكزبري.
واعتبر النظام الداخلي «مدونة السلوك» وثيقة أولية تسعى اللجنة الدستورية لإقرارها من أجل ضبط التعاطي بين وفدي النظام والمعارضة في سوريا بعد مشادات وقعت بين الطرفين في جنيف. ويفترض نظرياً أن يكون انطلاق أعمال اللجنة الدستورية خطوة أولى على طريق الحل النهائي في سوريا، لكن مناخ الاجتماع وتراشق الاتهامات وارتفاع أصوات المجتمعين وإثارة الفوضى والاستفزازات داخل قاعة الاجتماعات، وتبني طرف النظام دفاعه عن الجيش الذي تنظر له المعارضة السورية على أنه طرف أساسي في استباحة دماء الأطفال والنساء وتهجير الملايين، عدا عن تبرؤ النظام السوري من اللجنة الدستورية، وإطلاق اسم «اللجنة المدعومة» أو «الوفد المدعوم» على الخمسين شخصاً المشاركين باسمه في اللجنة، وهو ما يجعل هذه الخطوة تفتقر من الناحية العملية لأيّ مقومات تسمح لها بالقيام بمثل هذا الدور.
وقال مصدر مسؤول من داخل قاعة الاجتماعات الموسعة لـ»القدس العربي» إن «أول متحدث من وفد النظام، خلال جلسات الجمعة وجه تهمة الإرهاب إلى وفد المعارضة، ما أثار جواً من الاضطراب والتوتر، وبالرغم من محاولات وفد النظام تعطيل الجلسة وشحن الأجواء تمهيداً للانسحاب، تابعت اللجنة الدستورية أعمالها المقررة». وأضاف المصدر المشارك في أعمال القاعة الموسعة بأن «محاولات من وفد النظام لتعطيل عمل اللجنة الدستورية الموسعة هي خطوة تمهد للانسحاب، وذلك بعد وقت قصير من بدء أعمال اللجنة برئاسة هادي البحرة، تلاها تدخل وفد المجتمع المدني الذي سجل نقطة نظام على قيام وفد النظام بمقاطعة مداخلات وفد المعارضة ومحاولة التشويش عليها».
إيجاد العراقيل
واعتبر مصدر مسؤول من وفد المعارضة أن محاولات وفد النظام إيجاد العراقيل وتمييع الوقت، تصرف غير مسؤول، لافتاً إلى وجود محاولات حثيثة من أجل الجدية والالتزام بهدف انجاح هذه الخطوة السياسية. وتوعد المتحدث الواسع الاطلاع بعدم «توفير فرصة النجاة» التي يمكن من خلالها التملص من العملية السياسية، لافتاً إلى أن هاجس الامم المتحدة هو تطبيق قراراتها حيث قال «وفد المعارضة والأمم المتحدة تعمل وفق أجندة موحدة، وتقرأ من الصفحة ذاتها، ليس لأنها ولية أمرنا لكنها أصدرت قرارات تحفظ حقوقنا».
وفي القاعة، تابعت اللجنة الدستورية أعمالها في مقر الأمم المتحدة برئاسة الرئيس المشترك هادي البحرة، وأقرت مدونة السلوك لأعضاء اللجنة الدستورية داخل قاعة الاجتماعات، والممارسات الإجرائية الأولية للرئيسين المشتركين للجنة الدستورية. كما تابع أعضاء اللجنة الدستورية من الوفود الثلاثة التعريف بأنفسهم، وطرح رؤيتهم لدستور سوريا المستقبل أمام أعضاء اللجنة، وكان انطلاق أعمال اللجنة قد تأخر بانتظار حل مسألة تمثيل لجنة الصياغة في مجموعة المجتمع المدني.
وقال عضو اللجنة أحمد الأحمر في كلمته إن التحديات التي تواجهها سوريا اليوم تستهدف شعبًا ومؤسسات في ظروف إقليمية ودولية صعبة، كما تستهدف سيادتها في نسيجها الوطني وفي وحدتها الجغرافية، وهو ما يجعل لقاءنا هذا حافزًا لإنجاز يليق بتضحيات شعبنا العظيم. وتحدثت عضو اللجنة الدستورية مرح البقاعي عن سوريا الجديدة، وقالت: «نريدها دولة واحدة تنتظم في لامركزية إدارية، تمنح الحقوق القومية لكافة مكوناتها، وتعتد بلغات أبناء تلك المكونات وثقافاتهم؛ دولةً تقوم على مبادئ العدالة الاجتماعية والديمقراطية الفعلية لا اللفظية، تلك التي تتساوى فيها الفرص وتخلق بيئة ملائمة للتنمية ومواصلة الدور الحضاري التاريخي الذي عرفت به على مر العصور».
تبرؤ النظام
وفسر مصدر مسؤول من وفد المعارضة السورية، في جنيف، تبرؤ النظام من وفد بشكل خاص واللجنة الدستورية عموماً، إلى أنّ الأسد شخصياً قلق من اللجنة، «ولعلّها المرة الأولى التي عليه أن يقلق حقيقة من ظهور فجوة بينه وبين باقي النظام الموالي له».
وأضاف المتحدث بأن الأسد كما فقد «السيادة» على أجزاء واسعة من الأرض السورية التي يسيطر عليها الآن جهات عديدة بين دولية ومحلية، كذلك هو فقد السيادة على أجزاء من نظامه في جميع المستويات الأمنية والعسكرية والحكومية والحزبية توزّعت بين ولاءات دولية ومحلية عديدة، حتى ضمن الطائفة نفسها التي ينتمي إليها حدثت انقسامات حوله شخصياً. وأن هذه الأجزاء جميعها لا تمانع في إخراجه من السلطة مقابل الإبقاء على أكبر قدر ممكن من مكاسبها، وهذه الأجزاء جميعها أيضاً أرسلت ممثلين لها إلى اللجنة الدستورية.
واعتبر المتحدث ان بشار الأسد يعتبر نفسه موضوعاً الآن في «المزاد»، وأن صفقة التفاهمات الدولية بشأن الإطاحة به آتية لا محالة، وأنّ ذلك سيمرر دستورياً عبر هذه اللجنة، وهو يعلم الآن جيداً أنها ليست تحت سيطرته الكاملة، لذا بدأ يتبرأ منها ومن نتائج عملها مسبقاً».
«وفد مدعوم»
ومن المعلوم، أنه قبل يومين فقط من انعقاد الجلسة الافتتاحية للجنة الدستورية في جنيف، بدأت وسائل الإعلام الرسمية للنظام السوري بإطلاق اسم «الوفد المدعوم» من الحكومة على وفد النظام المشارك باسمه في اللجنة في محاولة منه للتملّص من اعترافه السابق باللجنة الدستورية، وموافقته على المشاركة فيها، وهو ما اعتبره معارضون سوريون، محاولة للتملّص من شرعية وقانونية النتائج التي يمكن أن تتوصّل إليها اللجنة في حال لم تكن في صالحه.
وفي هذا الإطار كتب المعارض السوري وعضو وفد اللجنة الدستورية، المحامي، إدوار حشوة «ما أريد من الباب القانوني ان افهم، كيف يمكن ان يكون الاتفاق على اللجنة الدستورية في وثيقة الامم المتحدة المبرمة بين طرفين هما حكومة الجمهورية العربية السورية، وهيئة التفاوض ثم يتم التنصل الحكومي من اللجنة الدستورية عبر الادعاء بأن الوفد الموجود في جنيف، لا يمثل الحكومة السورية بل هو فقط مدعوم منها».
ولفت عضو الوفد إلى انه «في السياسة لا يستقيم هذا» وتابع حشوة القول «الامر الثاني فالأمم المتحدة وبإقرار مجلس الامن اعتبرت العودة إلى مسار جنيف هو الطريق وبالتالي صار ما تم الاتفاق عليه في سوتشي من الماضي وفي أحسن الأحوال، يمكن الاستفادة من إيجابياته، ويبقى انه من غير المناسب ان نتبادل الاتهامات والتخوين خاصة اذا كان ذلك ينطوي على تدخل الدول وهو حقيقة لا ننكرها وعلى الجانبين، وبقي ان ما وراء اللجنة الدستورية اذا تم إفشالها من هنا أو هناك هو حكم عسكري جديد ستكون من خلاله الديمقراطية مؤجلة لسنوات».
من جهتهم أشاد وزراء خارجية الولايات المتحدة، وبريطانيا، وألمانيا، والسعودية، ومصر، والأردن، الجمعة بانطلاق أعمال اللجنة الدستورية السورية في جنيف. وأعلن وزراء خارجية البلدان الست في بيان مشترك، دعمهم لأعمال اللجنة، معربين عن إشادتهم بعمل أمين عام الأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومبعوثه الخاص لسوريا جير بيدرسن لإطلاقهم هذه المبادرة حسب وكالة الأناضول.
وتابعوا: «هذه مرحلة إيجابية منتظرة منذ فترة طويلة وهي تتطلب أفعالا وتعهدات قوية لكي تنجح». واعتبر الوزراء أن هذه المبادرة تأتي لتكملة تطبيق باقي الشقوق المتعلقة بقرار مجلس الأمن رقم 2254 خاصة بما يتعلق بإشراك جميع السوريين ومنهم النساء في العملية السياسية. وأضافوا: «نحن ندعم الجهود لخلق مناخ آمن وحيادي يسمح لسوريا بتنظيم انتخابات حرة ومنتظمة تحت رعاية الأمم المتحدة». وذكر الوزراء بضرورة تطبيق الوقف الفوري والحقيقي لإطلاق النار على كامل الأراضي السورية مشددين على أنه «لا حل عسكري في سوريا لأن الحل الوحيد هو حل سياسي».
المصدر: القدس العربي