أمين العاصي
أفضت اجتماعات اللجنة الدستورية يوم الجمعة الماضي إلى التوافق على تسمية الهيئة المصغّرة المكوّنة من 45 اسماً، يمثلون النظام والمعارضة والمجتمع المدني من كلا الطرفين، مهمتها وضع مسودة دستور تُعرض بعد ذلك على اللجنة الموسعة المؤلفة من 150 عضواً يمثلون الأطراف الثلاثة. ومن المقرر أن تبدأ اللجنة المصغرة العمل مطلع الأسبوع المقبل، بدرس الدساتير السورية التي وضعت منذ عام 1920، وصولاً إلى دستور 2012، وفق ما أفاد به الرئيس المشترك للجنة الدستورية عن المعارضة هادي البحرة، الذي أشار إلى أنه “لا يوجد توقيت زمني لعمل اللجنة المصغرة، وستعمل بشكل مستمر ومتواصل، لتضع صيغاً لمضامين دستورية، تُناقش لاحقاً في اللجنة الموسعة”. وعلى الرغم من تأكيد المبعوث الأممي إلى سورية غير بيدرسن، أن الاجتماعات كانت “إيجابية”، إلا أن من الواضح أنه ليس في نيّة النظام السوري الانخراط في حوار جاد من أجل التوصل إلى دستور جديد ربما مهّد الطريق أمام حل للازمة السورية، إذ لا تزال وسائل إعلام النظام تطلق على وفد المعارضة صفة “الطرف الآخر”، وهو ما يعني عدم اعتراف النظام بوجود معارضة له.
وتجنبت وكالة “سانا” للأنباء التابعة للنظام عرض صور أعضاء اللجنة الدستورية من وفد المعارضة السورية، بل حذفت صورة الرئيس المشترك للجنة هادي البحرة من الصورة الكاملة التي جمعته مع المبعوث الأممي إلى سورية، غير بيدرسن، ورئيس وفد النظام، أحمد الكزبري، خلال الجلسة الافتتاحية الأولى. وذهب رئيس النظام السوري بشار الأسد، أبعد من ذلك، عندما قال في مقابلة مع الفضائية السورية يوم الخميس الماضي، إن حكومته ليست موجودة في اللجنة الدستورية، معتبراً أنّ الوفد الذي من المفترض أن يمثل النظام في اللجنة مجرد “أشخاص من نفس جو الحكومة السورية السياسي”. واعتبر أعضاء وفد المعارضة السورية ممثلين لما سمّاهم “إرهابيين”، ناسفاً المرجعية الدولية لمفاوضات الدستور. وشدّد على أن اللجنة الدستورية جزء من مسار سوتشي، مضيفاً: جنيف (مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة) ليست موجودة.
وأكدت الاجتماعات اتساع الهوّة بين النظام والمعارضة السورية بعد أكثر من 8 سنوات على انطلاق الثورة التي لم يكن الدستور أحد أهم مبادئها، بل المطالبة بتغيير سياسي عميق يفضي إلى وضع دستور جديد للبلاد من طريق جمعية تأسيسية منتخبة. ولم تخلُ اجتماعات اللجنة الدستورية من تجاذبات كادت أن تفضي إلى “حرد” سياسي من قبل وفد النظام الذي حاول استفزاز أعضاء المعارضة من خلال التركيز على بطولات جيش النظام الذي تراه المعارضة السورية مجرد مليشيا من ضمن مئات المليشيات التي شرّع النظام لها أبواب البلاد للفتك بالسوريين. وأدى التوتر والتراشق الكلامي بين وفد المعارضة والنظام إلى تعليق الاجتماع قبل تدخل المبعوث الأممي لإنهاء الخلاف.
ولم يستقبل الشارع المعارض التئام اللجنة الدستورية بترحاب، واعتبر كثير من السوريين أن ما يجري لا يعدو كونه “سيركاً سياسياً” يقدم عروضاً مرتجلة لدول باتت تمسك بخيوط اللعبة وتوجهها وفق مصالحها في سورية، التي باتت مناطق نفوذ لتركيا وروسيا وإيران والولايات المتحدة، ومن خلفها اسرائيل. كذلك فإن اللجنة الدستورية تعد تجاوزاً صريحاً للقرارات الدولية ذات الصلة، خصوصاً بيان جنيف1، الذي استند إليها القرار الدولي 2254. ودعا البيان الصادر منتصف عام 2012، إلى “إقامة هيئة حكم انتقالية باستطاعتها أن تُهيّئ بيئة محايدة تتحرك في ظلها العملية الانتقالية”، وأن “تمارس هيئة الحكم الانتقالية كامل السلطات التنفيذية، ويمكن أن تضم أعضاءً من الحكومة الحالية والمعارضة ومن المجموعات الأخرى، ويجب أن تُشكّل على أساس الموافقة المتبادلة”.
ودعا البيان إلى إعادة النظر في “النظام الدستوري والمنظومة القانونية، وأن تُعرض نتائج الصياغة الدستورية على الاستفتاء العام”، مضيفاً أنه “بعد إقامة النظام الدستوري الجديد، من الضروري الإعداد لانتخابات حرة ونزيهة وتعددية وإجراؤها لشغل المؤسسات والهيئات الجديدة المنشأة”. ولم تكن المعارضة السورية ولا النظام في وارد الشروع في مفاوضات الدستور، لولا الضغط الإقليمي والدولي عليهما، فالمعارضة كانت تبحث عن تطبيق القرارات الدولية، ما يعني الشروع في الانتقال السياسي، وهو جوهر العملية السياسية وليس الدستور. لكن المعارضة رضخت للضغوط تحت مبدأ الواقعية السياسية، وجرّ النظام إلى التفاوض حول السلال الأممية الأربع للتفاوض، وهي الحكم والدستور والانتخابات ومحاربة الإرهاب. فتحت المعارضة بذلك باب القفز فوق الإرادة الدولية، وهو ما سيجبرها على نسيان مبدأ الانتقال السياسي والدخول في انتخابات مع النظام وفق الدستور الجديد، ما يعني بقاء الوضع في سورية على ما كان عليه في مارس/آذار 2011، على الرغم من مقتل وتشريد ملايين السوريين. كذلك فإن النظام ظلّ يحاول عرقلة التئام اللجنة عاماً ونصف عام، لأنه لا يريد الانخراط بأي عمل تفاوضي وفق قرارات الشرعية الدولية، لأنه قد يدفعه إلى تقديم تنازلات قد تفضي إلى تصدّعه، كذلك فإنه لم يكن يعترف بوجود معارضة له، ويسعى إلى حسم عسكري يتيح له وضع التسوية التي يريد. لكن النظام رضخ هو الآخر للضغوط الروسية في تسهيل تشكيل اللجنة وبدء اجتماعاتها، ولم يكن في مصلحة موسكو ظهور النظام الذي تدعمه في موقع الرافض للجهود الدولية لحل القضية السورية. بالتالي إن ما يجري في جنيف الآن مخالف للبيان ويدفع إلى تأجيل الحل السياسي في سورية، وهو ما يفتح أبواباً جديدة للأزمات التي لا تكاد تنتهي في الجغرافيا السورية.
المصدر: العربي الجديد