منير الربيع
يبدو لبنان بعيداً عن الاهتمامات الدولية. منذ تقديم الرئيس سعد الحريري لاستقالته، لم يصدر أي موقف دولي باستثناء تصريح لوزير الخارجية الفرنسي، أشار فيه إلى أن لبنان يقف على مفترق خطير. عدا هذا الموقف، تحرص الدول على عدم التدخل بالشأن اللبناني. وربما هذا أكثر ما يفيد المنتفضين، كي لا يتم تخوينهم.
الضياع والتنازع
مع ذلك هذا الغياب ملفت ومستغرب. فلا يبرز هناك حتى أي حراك علني للسفراء. وحسب ما تفيد معلومات، فإنه بعد تقديم الرئيس سعد الحريري لاستقالته، بعث برسالة إلى الأميركيين حول موقفه، لكنه لم يلق أي جواب أو تعليق.
غالباً، في مثل هذه الحالات يضيع الأفرقاء اللبنانيون، حين يلف الغموض المناخ الدولي. فهم معتادون على العمل إنسجاماً مع وجهة الرياح الدولية. وربما هذا أكثر من يثير التخبط في صفوفهم، وصولاً إلى تعمّق الخلافات فيما بينهم، وعدم تحديد موعد للإستشارات النيابية. الكلام الدولي الوحيد الذي سمعه المسؤولون، هو ضرورة مكافحة الفساد، وتلبية مطالب الناس، بعد سأمهم من “الحديث عن الإصلاحات والإنجازات ومكافحة الفساد، الذي لم تنفذ منه الحكومة المستقيلة شيئاً”.
باسيل يريد “الخارجية” و”الداخلية”
وفي ظل ضياع الأفرقاء وسط اختلافاتهم، لا يزال النزاع مستمراً فيما بينهم، عبر وضع الشروط والشروط المضادة، لا سيما الشروط التعجيزية التي يضعها الوزير جبران باسيل، والتي لم تعد تقتصر على تمسكه بالبقاء في الحكومة، بل يتعدى ذلك، إلى حدّ التفاوض مع من يريد له أن يدخل إلى الحكومة الجديدة، وما هي حصة كل طرف، وما هي الوزارات التي سيحصل عليها.
وحسب المعلومات فإن عين باسيل تركز في هذه المرحلة على وزارة الداخلية والخارجية، مقابل التخلي عن وزارة الدفاع. كما يطرح محاسبة قائد الجيش ومدير المخابرات وحاكم مصرف لبنان على أدائهم طوال فترة الانتفاضة. يستند باسيل في فرض شروطه هذه على دعم حلفائه له، أو على إحراجه لهم، وعدم قدرتهم على معارضته في هذه اللحظة. وأيضاً، يستند على تظاهرته يوم الأحد أمام القصر الجمهوري، محاولاً ترجمتها بالسياسة. خصوصاً أنه وبدعم من عون غير مستعد للخروج من الحكومة.
اجتماع مع الحريري
وفي مقابل تعنت باسيل، تم لقاؤه مع الحريري بعد تدخل من حزب الله، الذي طلب من باسيل لقاء الحريري والتخفيف من شروطه. وهذا أيضاً يمثل خطوة تراجعية من الحريري، بعد أن كانت أجواء تيار المستقبل وبيت الوسط تبث أجواءً عن رفض الحريري للتواصل مع باسيل، وأنه شخص يصعب التعاطي معه، وغير قابل لعقد الاتفاقات والالتزام بها. استخدم باسيل شارعه، بعد ما اعتبر أن الحريري أيضاً استعرض قوته في الشارع للحفاظ على حقه برئاسة الحكومة، ولن يرضى بغيره رئيساً، وإلا لن يشارك أو يمنح الغطاء لأي حكومة أخرى.
يستخدم باسيل كل أساليب ضغطه لدفع الحريري إلى التراجع عن شروطه مقابل الاحتفاظ برئاسة الوزراء، بينما الحريري يقول إنه يريد حكومة من دون باسيل. ما حصل بين الحريري وباسيل هو كسر للجليد، لفتح الطريق أمام مفاوضات شاقة حول تسوية حكومية قبل الاستشارات النيابية.
فرنسا والسعودية وإيران
فيما يغيب التدخل الدولي المباشر بالمجريات السياسية، علناً على الأقل، تستمر المحاولات لتدويل الأزمة أو أقلمتها، خصوصاً بعد فشل محاولات جرّ الانتفاضة إلى قسمة 8 و14. إلا أن المحاولات مستمرة لجعل الأزمة جزءاً من المشكلة الإقليمية، سواء بالموقف الذي أطلقه مرشد الجمهورية الإسلامية في إيران علي خامنئي قبل أيام، حول ما يجري في لبنان والعراق، أو من خلال الحديث عن رسالة إيرانية إلى المملكة العربية السعودية للبحث في مشاكل المنطقة وإحلال السلام فيها. وهذا يعني التمهيد لحوار إيراني سعودي، يشمل لبنان كما العراق كما الوضع في الخليج. وهنا أيضاً تكشف معلومات أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أجرى اتصالاً بولي العهد السعودي للبحث في حل الأزمة اللبنانية عبر عودة الحريري واستيعاب حزب الله، وعدم محاصرته، كي لا يلجأ إلى العنف. هذا موقف أبلغه الفرنسيون إلى الأميركيين.
طرق حزب الله والتسوية “الجديدة”
يستند باسيل أيضاً على ريبة حزب الله من الانتفاضة، التي يرى فيها الحزب أنها خطة لمحاصرته. ولذلك لم يقبل بحكومة تكنوقراط. وأكثر ما يقلقه هو إقفال الطرقات. ويتهم جهات داخلية وخارجية بمواجهته بهذا الأسلوب، لإغراقه في الصراع الداخلي واشغاله في مشاكل البلد، وتحميله مسؤولية الأزمة وتشويه صورة أمينه العام. وأكثر ما يقلق باسيل والحزب هو قطع الطرقات، التي تظهر أنهما لا يسيطران على الوضع في البلد، وسط أفكار يتم التداول فيها لفتح الطرقات، ولو اقتضى ذلك استنساخ التجربة العراقية بجعل المواطنين الموالين لهم يصطدمون مع المتظاهرين لفتحها.
هذه المعادلة قد تنعكس لاحقاً بتنازلات متبادلة بين الحريري وباسيل والعودة إلى تجديد التسوية، مقابل طي “الغيمة السوداء” التي عبرت فوق سمائهما والعودة إلى اتفاقهما سالمين، على أن يستمر باسيل في تجديد تسوية مستقبلية مع الحريري للاستحقاق الرئاسي المقبل. وهذه هي حقيقة معادلة جبران مقابل سعد، واستمرار مساعيه لإخراج جنبلاط وجعجع من التسوية الجديدة التي تقوم على تحجيم المعارضين في السياسة والحكومة وإبعادهم، واستخدام القوة إن اضطر الأمر لانهاء المعارضين في الشارع. الأمر يتوقف مجدداً على موقف الحريري.
المصدر: المدن