لم تسلم مدينة «تل أبيض» السورية في ريف الرقة الشمالي، من مسلسل السيارات المفخخة، التي يذهب ضحيتها من حين إلى آخر العديد من المدنيين، بعد أن سيطرت عليها قوات «الجيش الوطني» التابع للمعارضة السورية المسلحة والجيش التركي، ضمن عملية «نبع السلام» التي أطلقتها تركيا ضد قوات سوريا الديمقراطية «قسد» في شرقي الفرات شمالي سوريا، حيث بات لزاماً على أهالي المدينة التعايش مع الوضع الجديد، والتأقلم معه.
وبحسب مدنيين، فقد أضحت الفوضى السمة البارزة للمدينة، وأصبحت مشاهد الموت روتينية، حيث يستيقظ سكان المدينة بين الحين والآخر على تفجير يذهب ضحيتهُ عدد من المدنيين. وخلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وتشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وقعت في مدينة تل أبيض وحدها أربعة تفجيرات بسيارات مفخخة راح ضحيتها اكثر من 20 مدنياً، وحصلت التفجيرات في مناطق عادة ما تكون مزدحمة بالمدنيين، كما لم تستهدف أية مقرات عسكرية للفصائل، عدا تفجير واحد استهدف مقراً لفصيل «فيلق المجد» أصيب فيه شخصين مدنيين. وللآن لم تعرف الجهة التي تقوم بعمليات تفخيخ السيارات، ولا شك أن عدداً من سكان المدينة يشيرون بأصابع الاتهام لوحدات الحماية الكردية المنضوية تحت راية «قسد».
يقول الناشط مهاب ناصر، من أبناء محافظة الرقة: «من يقوم بهذه التفجيرات بدون شك هم أنصار حزب PYD ، وهذه اساليبهم وباتت معروفة لدى الجميع ولهم سوابق بهكذا عمليات في مناطق ريف حلب مثل إعزاز والباب وعفرين وغيرها». وأضاف أنه «سبق أن تم القبض على عشرات المنفذين للتفجيرات في تلك المناطق، واتضح أنهم من خلايا وحدات الحماية، وها نحن نشاهدها اليوم في ريف الرقة الشمالي، سواء في تل أبيض او سلوك أو حمام التركمان، والتفجيرات الدامية كانت من نصيب مدينة تل أبيض». واستدرك مهاب قائلًا: «عموما المنطقة لازالت عسكرية ويستحيل دخول طرف ثالث إليها، وجميع الآليات التي انفجرت في تل أبيض وغيرها جاءت من مناطق سيطرة الوحدات، وعلى سبيل المثال فإنه منذ عدة أيام تم ضبط آلية مفخخة كانت قادمة من مدينة عين عيسى، متوجهة نحو تل أبيض وتم تفجيرها من قبل الأتراك».
وفي السياق اتهم الإعلامي محمد عثمان من الرقة، بأن من يقوم بهذه التفجيرات هم وحدات الحماية الكردية، مبيناً أن غالبية سكان المنطقة يتهمون هذه الوحدات بالتفجيرات، لسببين هما خروج المنطقة عن سيطرتهم، والثاني كرد فعل ومعاقبة للأهالي الذين عادوا للمدينة، حيث لا زالت حواجز الوحدات تمنع سكان تل أبيض والمناطق التي خضعت للجيش الوطني النازحين من العودة لمناطقهم.
وتشهد مدينة تل ابيض فلتاناً أمنياً كبيراً، وتسيباً واضحاً، وهناك استهتار من عناصر الفصائل ولايوجد اي مظهر من مظاهر الاستقرار بالمدينة للآن.
بدوره، يقول الناشط الاعلامي محمد الشامي، والذي يقيم في المدينة: إن غالبية الحواجز التابعة للفصائل والجيش التركي في تل أبيض تختفي جميعها قبل حلول المساء، مبيناً أن عناصر الفصائل التابعة للمعارضة لا يكترثون أصلاً لما يحصل في المدينة.
وذكر الشامي على سبيل أحد المواقف التي حصلت أمامه عندما كان خارجاً من المسجد من صلاة العشاء، وإذا بشاحنة توقفت وسط السوق ليلاً، وصدف أن مر عناصر لفصيل «الجبهة الشامية» بالقرب منها، حيث قال أحد العناصر لآخر كان برفقته: «ما الذي جاء بهذه الشاحنة إلى هنا؟ فأجابه الثاني: ليس من شأننا، اتركها». كما أضاف «أن هناك عدم اكتراث بأرواح الناس ببساطة، وقد حاول الأتراك ضبط الوضع الأمني، حيث قاموا بترقيم السيارات والآليات في مدينة تل أبيض ومراقبة كل سيارة دخيلة، ولكن المصيبة أن الأمن والحواجز العسكرية فقط تقام في النهار وتختفي جميعها ليلاً».
أما بالنسبة للناشط سعد الصبر من تل أبيض، فقد أكد أن عدداً كبيرا من عناصر الاستخبارات التابعين لقسد لازالوا في المدينة، ولم يغادروها، حيث أن عشائرهم قامت بتزكيتهم، مستدركاً «هؤلاء برأيي هم من يقف خلف أعمال التفجير في المدينة، والوضع الأمني فيها مأساوي بشكل كبير».
وحتى الآن، لا يوجد جهاز للشرطة في المدينة، على الرغم من افتتاح باب التطويع فيها منذ قرابة الشهر، والذريعة: «لا يوجد منتسبون»، بحسب الناشط الصبر. وفيما يخص موضوع الشرطة، بين الناشط محمد عثمان، أن «جهاز الشرطة بات مطلباً ضرورياً للأهالي لضبط المدينة وحل النزاعات بين المدنيين، ولإخراج حواجز الفصائل لخارج المدينة». ويتواجد في مدينة تل أبيض فصائل عدة للمعارضة أبرزها «فيلق المجد» و»الجبهة الشامية»، وهما المتحكمان في المدينة حالياً والمسؤولان عن أمنها.
ويبدو أن القصة أكبر من قصة سرقات في تل أبيض، حسب ما يعتقد الناشط «سعد الصبر»، إذ يقول إن: هناك عدة عمليات اعتقال تعسفي طالت عدداً من المدنيين في «تل أبيض»، وقام عناصر الفصائل باعتقال عدد من المدنيين واتهموهم بموالاة PYD، وتم استغلال ذويهم حيث يشترطون دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحهم، وهذا الأمر يجري حالياً في المدينة بشكل واسع، كما ينفذ هذه العمليات عناصر تابعين للجبهة الشامية غالباً».
المصدر: القدس العربي