عبد الله البشير
استقبلت مناطق كثيرة في الشمال السوري، خصوصاً محافظة إدلب، مهجّرين من كل أنحاء البلاد منذ عام 2011. ونزوح هؤلاء يُعَدّ عملية منهكة للجميع، كباراً كانوا أم صغاراً، وسط الحرب الدائرة في سورية وتبعاتها والظروف التي خلّفتها طوال الأعوام الأخيرة. ولعلّ الأطفال هم أكثر فئات المجتمع تأثّراً بالتهجير، الأمر الذي دفع منظمات عدّة إلى تخصيص مشاريع دعم نفسي لهؤلاء السوريين الصغار الذين اضطروا إلى ترك منازلهم وبيئاتهم الأصلية. وتُستهدف المخيّمات والمدارس بصورة رئيسية في هذا السياق، فيما تختلف وجهات النظر حول مدى جدوى تلك المشاريع.
ومشاريع الدعم النفسي، تكون أهدافها في الغالب بعيدة المدى، من قبيل تطوير مهارات مختلفة لدى الطفل وتنمية خياله وبناء قدرات تواصل جيّدة بينه وبين محيطه، سواء أقرانه أم الأكبر سنّاً. وتقسم المشاريع في شمال سورية إلى قسم خاص بالحماية يضمّ فرع الدعم النفسي وفرع إدارة الحالة، وقسم خاص بالتوعية يختصّ بمخلفات الحرب وآثارها على الأطفال.
“شبكة حرّاس” لحماية الطفل من المجموعات المتخصصة في الدعم النفسي والاجتماعي، وهي تهدف إلى منع أيّ حالة من حالات العنف أو الإيذاء أو الاستغلال التي قد يتعرّض لها الطفل في كل البيئات، بالإضافة إلى التصرّف إزاءها والقضاء عليها. وهي كانت قد بدأت نشاطها بحسب ما تفيد مديرة المشاريع فيها ليلى حسو في يناير/ كانون الثاني من عام 2012، في مدينة داريا الواقعة بالقرب من العاصمة السورية دمشق.
تضيف حسو لـ”العربي الجديد” أنّ “الشبكة تلتزم بتوفير خدمات الدعم النفسي والاجتماعي للأطفال، وتحرص على رفع الوعي حول حقوق الطفل ورعاية مصالحه في المجتمع وخلق بيئة آمنة يتمتع فيها جميع الأطفال بالقدرة على اكتساب المعارف وتطوير المهارات التي يحتاجونها، فيما تفتح أمامهم المجال لإطلاق طاقاتهم كلها وتعزيز قدراتهم بما يحقق التنمية المطلوبة في المجتمع”. وتشير حسو إلى أنّ “ثمّة منظمات كثيرة تعمل في مجال الدعم النفسي للأطفال، غير أنّ أنشطتها تكون بالجزء الأكبر منها ترفيهية وليست مترابطة وهادفة. بالتالي، فإنّها تروّح عن الطفل أكثر من دعمه حقيقة”. وتتابع أنّ “استفادة الأطفال من الأنشطة ليست حقيقية دائماً، لأنّ التزامهم بها متقطّع وغير منتظم، بحكم عدم تنسيق دوامات المراكز مع المدارس”.
وعدم الانتظام يؤثّر سلباً على مشاريع الدعم النفسي في هذا الإطار، فتتعرّض بالتالي إلى انتقادات كبيرة، خصوصاً في المخيمات حيث يرى المعنيون أنّها لا تؤدّي إلى نتائج ملموسة بين الصغار. ويقول الناشط الإعلامي يامن عبد الهادي لـ”العربي الجديد” إنّه اطّلع عن كثب على نشاطات في السياق تقام في المخيمات، ومنها توعية صحية، شارحاً أنّ “العمل في المخيمات تنفّذه فرق متنقلة تزور الأطفال. ومن النشاطات التي شهدتها تدريب الأطفال على استخدام فرشاة الأسنان وغسل اليدَين قبل تناول الطعام وما إلى ذلك، بالإضافة إلى نشاطات أخرى ترفيهية تنتهي بانتهاء زيارة الفريق”. يضيف أنّه بعد متابعته الأمر للتأكد من الفائدة المحققة، “تبيّن لي أنّ الطفل الذي يحصل على فرشاة أسنان، يتوجّه سريعاً إلى أقرب بقالة ويقايضها ببسكويت أو سلع أخرى”. ويلفت عبد الهادي إلى أنّ “العاملين في مثل تلك المشاريع يتقاضون أجوراً مرتفعة بالمقارنة مع سواهم من الذين يعملون في المنظمات، بالتالي بات الهمّ الأساسي هو الحصول على التمويل وليس الاهتمام بالنتائج”.
وثمّة من يرى أنّ مشاريع الدعم النفسي للأطفال في المخيمات ليست بالمستوى المطلوب وهي كذلك غير قابلة للقياس، لكنّهم لا ينكرون أنّها قد تساهم إلى حدّ ما في كسر عزلة الأطفال أو إفساح المجال أمامهم للتعرّف أكثر على محيطهم وتخطّي حواجز الخوف. في السياق، يقول مصطفى محمد وهو مدّرس من مدينة بنش في إدلب، لـ”العربي الجديد” إنّ “الأمر جيّد، غير أنّ الدعم النفسي ليس أولوية اليوم، لا سيّما أنّه لا يحقّق الفائدة المرجوّة منه وأنّ حجم الإنفاق عليه كبير من قبل الجهات الداعمة”. بالنسبة إلى محمد، “من الأفضل توجيه الدعم إلى عملية التعليم، ومن خلالها يمكن بالتالي تطوير العمل في هذا المجال والعودة بالفائدة على الأطفال والمدرّسين على حدّ سواء. فكثر هم المدرّسون الذين يعملون لساعات طويلة ولا يتقاضون رواتب، فيما بعضهم يتقاضى مبلغ 100 دولار أميركي لا يكفيه لسدّ حاجاته المعيشية”.
المصدر: العربي الجديد