أمين العاصي
تمخضت الجولة الرابعة عشرة من اجتماعات الثلاثي الضامن في سورية (تركيا، روسيا وإيران)، والتي استمرت يومين في العاصمة الكازاخية نور سلطان (أستانة سابقاً)، وانتهت أمس الأربعاء، عن بيانٍ جاف، ولم تتمايز عن سابقاتها لجهة تحقيق انفراجات جادة في مختلف الملفات التي أخذ هذا المسار على عاتقه التعامل معها، خصوصاً على الصعيدين العسكري والميداني، وملف المعتقلين. وانتهت هذه الجولة، على غرار سابقاتها، من دون أي اختراق يذكر. يحدث ذلك في وقت تجد فيه التفاهمات التركية – الروسية في الشمال الشرقي من سورية طريقها للتنفيذ، فيما لا يزال التباين سيد الموقف في الشمال الغربي.
وفي غمرة الانشغال بأعمال جولة أستانة، خرجت تقاريرٌ تؤكد مضي إيران في السيطرة على الشرق السوري، حيث تقيم أنفاقاً، وتحديداً في قاعدة “الإمام علي” العسكرية في البوكمال، على الحدود السورية – العراقية.
بيان أستانة
وجدد الثلاثي الضامن في سورية، عقب انتهاء الجولة 14 من مسار أستانة، الالتزام القوي بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها، في الوقت الذي تحول فيه هذا البلد إلى مناطق معلنةٍ له. ورفض الثلاثي الضامن ما سمّاها بـ”الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة وسلامة الأراضي السورية”، قائلاً “نرفض في هذا الصدد جميع المحاولات الرامية إلى خلق واقع جديد على الأرض، بما في ذلك مبادرات الحكم الذاتي غير المشروعة، بذريعة مكافحة الإرهاب، ونعرب عن عزمنا على الوقوف ضد الأجندات الانفصالية التي تهدف إلى تقويض سيادة سورية وسلامتها الإقليمية، وكذلك تهديد الأمن القومي للبلدان المجاورة”. وأضاف البيان أن الدول الثلاث اتفقت على أن الاستقرار والأمن في شمال شرق سورية على المدى الطويل لا يمكن تحقيقه إلا على أساس الحفاظ على سيادة البلاد وسلامة أراضيها”، ورحب في هذا السياق، بإبرام مذكرة 22 أكتوبر/ تشرين الأول (الماضي) الروسية – التركية، بشأن الاستقرار في تلك المنطقة، والتي أكدت أهمية اتفاقية أضنة لعام 1998. وتنص الاتفاقية في جزء منها على إعطاء أنقرة حق ملاحقة الإرهابيين في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، واتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر.
وندّد بيان الثلاثي الضامن بالهجمات الإسرائيلية على سورية، باعتبارها تنتهك القانون الدولي وتقوض السيادة السورية والدول المجاورة، كما عبّرت الدول الثلاث، تركيا وروسيا وإيران، عن “رفضها للاستيلاء والتوزيع غير المشروعين لعائدات النفط السوري، التي ينبغي أن تعود إلى الجمهورية العربية السورية”. أعرب الثلاثي الضامن في بيانه عن قلقه البالغ إزاء “تعزيز هيئة تحرير الشام وغيرها من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بها، وجودها في إدلب وتصعيد نشاطها الإرهابي هناك، ما يشكل خطراً على المدنيين داخل منطقة خفض التصعيد وخارجها”. وأكدت أطراف “أستانة” عزمها على مواصلة التعاون من أجل القضاء على كافة الجماعات الإرهابية المرتبطة بتنظيم “داعش” أو “القاعدة” بشكلٍ نهائي.
وشدد بيان أستانة على أن لا حلّ عسكرياً للنزاع السوري، مجدداً التزام الضامنين بعملية سياسية طويلة الأمد وقابلة للحياة، يقودها وينفذها السوريون أنفسهم بدعم من الأمم المتحدة، مشيراً في هذا الصدد إلى أهمية انعقاد اللجنة الدستورية السورية في جنيف. كما أكد البيان أهمية مواصلة الجهود الرامية إلى الإفراج عن المعتقلين، وزيادة المساعدة الإنسانية لجميع المواطنين السوريين على كافة أراضي البلاد دون تمييز وتسييس وطرح شروط مسبقة، إضافةً إلى تقديم مساعدة دولية لعملية عودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم.
إدلب: قصف متواصل
في غضون ذلك، لم تتوقف قوات النظام عن قصف مدن وبلدات في ريف إدلب بالمدفعية الثقيلة، على الرغم من انعقاد مفاوضات أستانة، إذ قصفت، أمس الأربعاء، قرية بداما بريف إدلب الغربي. من جهتها، تحاول فصائل المعارضة استلام دفة المبادرة العسكرية في المحافظة الواقعة في شمال غربي سورية، حيث شنّت، فجر الأربعاء، هجوماً في جنوبي شرق إدلب، تمكنت خلاله من استعادة السيطرة على مواقع بعد اشتباكات عنيفة مع قوات النظام السوري.
وقالت شبكة “أخبار إدلب” إن الفصائل تمكنت ضمن معركة “لا تهنوا”، من السيطرة على الكتيبة المهجورة الواقعة شرق قرية أم تينة بريف إدلب الجنوبي الشرقي، إضافة إلى قتل أكثر من 20 عنصراً من قوات النظام. وذكرت مصادر محلية أن اشتباكات عنيفة دارت بين الطرفين في المنطقة، وسط قصفٍ صاروخي مكثف ومتبادل، مشيرة إلى أن الفصائل تحاول تثبيت السيطرة، فيما تسعى قوات النظام لاستعادة زمام المبادرة، وسط خسائر بشرية بين الطرفين. وبحسب مصدر مطلع فقد قتل 10 عناصر على الأقل من قوات النظام والمسلحين الموالين لها، بينما قضى 5 من مقاتلي الفصائل.
وتأتي العملية في إطار معارك الكرّ والفر المشتعلة منذ ما يزيد عن شهر في محاولة قوات النظام التقدم في المنطقة بدعمٍ وتغطية جوية كثيفة من جانب روسيا، بينما أطلقت فصائل “الفتح المبين” معركة مضادة حملت اسم “لا تهنوا”.
وكان قد أصيب عدد من عناصر قوات النظام، من بينهم ضابط، مساء أول من أمس الثلاثاء، جراء قصف مدفعي لفصائل المعارضة على مواقع قوات النظام في محيط مدينة خان شيخون بريف إدلب الجنوبي. وقالت مصادر محلية إن الفصائل تمكنت من تدمير جرافة عسكرية كانت تقوم بأعمال تحصين في معسكر النمر، شمال مدينة خان شيخون، عبر استهدافها بقذائف المدفعية الثقيلة، إضافة إلى إصابة نحو أربعة عناصر لقوات النظام، من بينهم ضابط برتبة نقيب.
كما استهدفت “الجبهة الوطنية للتحرير”، أكبر تجمع لفصائل المعارضة في شمالي غرب سورية، أحد مقرات قوات النظام على محور بلدة الحويز، غرب حماة، بصاروخ موجه، ما أدى إلى مقتل وجرح عدد من عناصره. وأظهر مقطع فيديو بثته “الجبهة” على صفحتها في موقع “تلغرام” تدمير المقر الذي كان يتحصن في داخله عدد من عناصر النظام.
وفي الشمال الشرقي من سورية، أو ما بات يعرف بـ”شرقي الفرات”، يبدو أن التفاهمات الروسية – التركية أدت الى هدوء في المنطقة التي لم تعد تشهد اشتباكات بين قوات سورية الديمقراطية (قسد) وبين فصائل الجيش الوطني السوري المدعوم من الجيش التركي.
وقال قيادي في “الجيش الوطني السوري” في تصريحات صحافية، إن الجانبين التركي والروسي اتفقا على تسيير دوريات مشتركة يومية على الطريق الدولي “إم 4” الذي يربط غربي شرقي الفرات بشرقه، لمدة ثلاثة أشهر في محافظتي الحسكة والرقة، شمالي شرقي سورية. وأشار القيادي إلى أنه بعد انتهاء تسيير الدوريات المشتركة، ستبدأ مرحلة اتفاق آخر مدته ستة أشهر، ويتعلق بمناطق عين العرب (كوباني)، شمال شرقي حلب، إضافة إلى مدن الرقة والحسكة والقامشلي، دون ذكر طبيعة الاتفاق.
من جهتها، قالت وكالة “سانا” التابعة للنظام، أمس، إنه “تمّت إعادة فتح الطريق الدولي الحسكة – حلب أمام حركة النقل والسير، بعد استكمال انتشار وحدات الجيش عليه التي ثبتت يوم الجمعة الماضي نقاطاً جديدة على الطريق في إطار مهامها الوطنية في مواجهة العدوان التركي على الأراضي السورية وحماية الأهالي”، وفق الوكالة.
وبحسب موقع “روسيا اليوم”، فإن الاتفاق بين روسيا وتركيا يقضي بأن تنسحب تركيا والفصائل المدعومة منها لمسافة 4 إلى 5 كيلومترات شمال الطريق “إم 4″، كما تسحب “قسد” قواتها جنوب الطريق، على أن يجري تزويد مدينتي تل أبيض ورأس العين بالكهرباء من محطة سد تشرين. وأضاف الموقع أن الشرطة العسكرية الروسية والقوات التركية ستقوم في فترات لاحقة بإجراء دوريات مشتركة على هذا الطريق. إلى ذلك، جددت المعارضة السورية على لسان رئيس وفد المعارضة السورية لمحادثات أستانة، أحمد طعمة، دعمها للعملية العسكرية في شمال شرقي البلاد “كونها تحقق أهدافاً استراتيجية في وحدة الأراضي السورية”. وقال طعمة، في حديث لوكالة “سبوتنيك” الروسية على هامش محادثات أستانة، إن المعارضة “دعمت بقوة عملية نبع السلام (العملية التركية) لأنها تحقق أهدافاً استراتيجية بالنسبة لنا تتمثل بوحدة الأراضي السورية، وتحقق عودة أكبر قدر ممكن من اللاجئين السوريين إلى مناطق سكنهم، وهذا بحد ذاته إيجابي، ويساهم في عملية الحل السياسي والانتقال السياسي في سورية”.
إيران ترسخ وجودها شرقاً
وفي أقصى الشرق السوري، تسابق إيران الزمن من أجل ترسيخ وجودها على الحدود السورية – العراقية، بحيث تخلق وقائع لا يمكن تجاوزها. وفي هذا الصدد، أفادت تقارير إعلامية أميركية، بأن إيران بدأت بحفر أنفاق في “قاعدة الإمام علي”، شرق سورية، على الحدود مع العراق، والتي تعرضت لقصف إسرائيلي ومن قبل التحالف الدولي أكثر من مرة خلال العام الحالي. وتسيطر إيران بشكل مطلق على جانب من ريف دير الزور، جنوب نهر الفرات، من مدينة الميادين غرباً وحتى مدينة البوكمال شرقاً، حيث باتت هذه المنطقة، إضافة الى قسم من بادية دير الزور، منطقة نفوذ إيراني، حيث تريد طهران إتمام إنشاء “كوريدور” (ممر) بري يبدأ من أراضيها ويمر بالعراق وسورية وينتهي على المتوسط في لبنان.
كما نشرت شركة “إيماج سات” الإسرائيلية، أول من أمس الثلاثاء، صوراً من أقمار صناعية قالت إنها تظهر حفر الأنفاق في “قاعدة الإمام علي” العسكرية في البوكمال. وأشارت الشركة إلى أن عرض النفق يقدر بما بين أربعة إلى خمسة أمتار، ما يكفي لمرور شاحنات وعربات كبيرة. ورجحت أن الأنفاق مخصصة لتخزين أسلحة أو مواد حساسة.
من جهتها، أشارت قناة “فوكس نيوز” الأميركية، أول من أمس، إلى أن مصادر استخبارية أكدت لها صحة الصور التي نشرتها الشركة الإسرائيلية المختصة بالاستطلاعات وتحليل البيانات من الأقمار الصناعية. وبحسب المعلومات التي أوردتها “فوكس نيوز”، فإن طول النفق يقدر بنحو 400 قدم (120 متراً)، وعرضه بـ15 قدماً (4.5 أمتار)، وعمقه بـ13 قدماً (نحو 4 أمتار).
وقالت المصادر الاستخبارية لـ”فوكس نيوز” إن النفق سيكون مخصصاً لتخزين صواريخ وأسلحة، وأنه في المراحل النهائية من بنائه وسيبدأ استخدامه قريباً.
المصدر: العربي الجديد