هبة محمد
دخل الشمال السوري جراء الحرب العسكرية المتصاعدة التي تقودها روسيا جواً والنظام السوري براً، منعطفاً مصيرياً من نواحي السيطرة والنفوذ، وزادت الأعباء الإنسانية والسياسية وكذلك العسكرية على المعارضة السورية وحاضنتها الشعبية، مع غياب أي حراك دولي فاعل لإيقاف الحملة العسكرية التي تحمل في جعبتها، السيطرة على الطرقات الدولية الحيوية كعناوين بارزة، فيما سجلت المعارضة السورية المسلحة مشاركة عسكرية خجولة في ساحات القتال، رغم ما تمتلك من إمكانيات تخولها الدخول في حرب استنزاف أطول تفيد في تحسين شروط المفاوضات السياسية، في حين يبدو أن روسيا تسابق الزمن لتحقيق أهداف حملتها في إدلب قبل دخول «قانون قيصر» (سيزر) مرحلة التنفيذ.
وعبرت منظمة الصحة العالمية، عن قلقها الكبير بشأن الوضع الصحي للمدنيين بمحافظة إدلب شمال غربي سوريا. وذكرت المنظمة في بيان صادر عنها الأربعاء، أن الأيام الأخيرة شهدت نزوح نحو 130 ألف مدني عن منازلهم بسبب الهجمات المتزايدة من قبل نظام بشار الأسد وروسيا حسب وكالة الاناضول التركية.
مأساة إنسانية
وأشارت إلى أنها تشعر بقلق عميق إزاء تدهور الأوضاع الصحية في شمال غربي سوريا. ولفت البيان، إلى أن الهجمات التي تستهدف المدنيين تولد تأثيرًا سلبيًا وتجعل الوضع الإنساني في إدلب أكثر صعوبة. وأوضح أن 12 مليون شخص في سوريا بحاجة إلى خدمات صحية، 2.7 مليون منهم شمال غربي البلاد. ونوه البيان، إلى أن 500 ألف شخص في جنوب إدلب، في حاجة إلى خدمات صحية عاجلة، بالتزامن مع إغلاق 14 مركزاً صحياً أساسياً ومستشفيين في المنطقة بسبب الظروف الأمنية.
وأضاف أن استمرار الهجمات التي تستهدف المنطقة قد يؤدي إلى تعليق العمل في 42 مؤسسة صحية. كما لفت إلى أن سوريا شهدت منذ تشرين الثاني/نوفمبر استهداف 83 مركزًا صحيًا منهم 63 مركزًا في محافظة إدلب. وكشف البيان أن التوترات العسكرية الأخيرة في المنطقة أدت إلى وقوع إصابات بين المدنيين وتفاقم معاناة السكان، ونزوح نحو 130 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، عن منازلهم. وحول النازحين السوريين على الحدود مع تركيا، أشار البيان إلى أن الهجمات التي يشنها نظام بشار الأسد وروسيا ضد إدلب أدت إلى نزوح نحو ألفي مدني نحو الحدود التركية خلال الـ 24 ساعة الماضية.
وأوضح البيان أن عدد المدنيين الذين نزحوا إلى المناطق الحدودية مع تركيا منذ بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ارتفع إلى 217 ألف شخص. وفي مايو/ أيار 2017، أعلنت تركيا وروسيا وإيران توصلها إلى اتفاق «منطقة خفض التصعيد» بإدلب، في إطار اجتماعات أستانة المتعلقة بالشأن السوري. إلا أن قوات النظام وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة، رغم التفاهم المبرم بين تركيا وروسيا في 17 أيلول/سبتمبر 2018، بمدينة سوتشي الروسية، على تثبيت «خفض التصعيد».
تزامناً أكدت مصادر حقوقية وإنسانية فاعلة ومتابعة للملف السوري، وقوع خسائر كبيرة في صفوف المدنيين، توثيق الدفاع المدني مقتل قرابة 150 شخصاً في ريف إدلب، شمال البلاد منذ بداية الشهر الحالي، من ضمنهم 35 طفلاً و30 سيدة، و3 متطوعين في المجال الإنساني. فيما حرمت حملة النظام السوري وحليفه الروسي قرابة 114 طالباً وطالبة من حق التعليم، جراء الغارات والقصف العنيف، التي وصلت إلى 700 غارة جوية و3500 قذيفة وصاروخ، مما أدى إلى إغلاق العديد من المدارس، ونزوح عشرات آلاف العائلات نحو المناطق الأكثر أمناً.
وتحدثت منظمة «يونيسيف»، عن نزوح أكثر من 130 ألف مدني سوري، بينهم 60 ألف طفل من مدينة معرة النعمان وبلدات أخرى في جنوب محافظة إدلب خلال الشهر الحالي، بسبب العمليات العسكرية، وكذلك أشارت المنظمة إلى مقتل وإصابة 500 طفل سوري خلال الأشهر التسعة الأخيرة.
ميدانياً، عادت المواجهات بين النظام السوري والمعارضة إلى الواجهة بعد يوم هادئ، حيث أشارت مصادر النظام إلى استئناف العمليات العسكرية في ريف إدلب، فيما أكدت الجبهة الوطنية للتحرير- من المعارضة السورية – استعادة مواقع كانت قد تقدمت إليها قوات النظام، فيما شهدت الأيام القليلة الماضية، سيطرة قوات النظام السوري على أكثر من 30 بلدة وقرية، من ضمنها «جرجناز»، وأصبحت تلك القوات على بعد كيلو مترات قليلة من مدينة معرة النعمان الاستراتيجية في الريف الجنوبي الشرقي من إدلب.
الخبير بالشؤون الروسية الإيرانية التركية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا إبراهيم إدلبي، قال لـ «القدس العربي»: بدأت روسيا وإيران مع النظام السوري حملة التصعيد العسكري في إدلب بشكل مكثف بالتزامن مع انطلاق اللجنة الدستورية، التي تمخضت عن محادثات «سوتشي». وكانت روسيا تتذرع في بدايات عملياتها في إدلب بوجود «جبهة النصرة»، كما كانت ذريعتها في حلب سابقاً، والمراقب للوضع السوري يعلم أنه لم يكن في حلب سوى أعداد قليلة منهم لا يتجاوزون 250 مقاتلاً فقط، أما البقية فقد كانوا من المعارضة المعتدلة، وهذه الحالة اليوم تتكرر في إدلب، أمام عجز تركي عن إقناع روسيا بأنها قادرة على حسم ملف النصرة وحكومة الانقاذ التابعة لها، حيث كان الملف مؤجلاً بالتراضي لمدة ستة أشهر بموجب «أستانة 12»، إضافة إلى تأجيل وصول القوات الروسية واستعادة سيطرتها على الطريقين الدوليين «إم-4» و»إم-5».
السيطرة على الطرق الدولية
فروسيا والنظام وإيران تسعيان وفق الخبير، إلى إعادة هذه الطرق والسيطرة عليها، كونها تمثل شرياناً حيوياً في سوريا، وإن تسارع الأحداث الدولية وخاصة قانون «سيزر» الذي سيدخل حيز التنفيذ في مدة 180 يوماً، ومن هنا روسيا بدأت باتخاذ إجراءات متسارعة لإنهاء ملف إدلب قبـل أن تخـرج الأحـداث عن سـيطرتها.
تركيا، أيضاً، وهي الأخرى كانت قد رفعت من سقف طموحاتها بالتعاطي مع ملف إدلب، ولكنها صدمت بقانون «سيزر»، ووقعت خياراتها بين «السندان والمطرقة»، فهي حليف لروسيا، وفي الوقت ذاته تلعب دوراً وسطياً مع الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو واستحقاق ادلب.
موسكو، وفق ما قال «الإدلبي» لـ»القدس العربي»: كانت ولا تزال تحاول في الحقيقة الحسم العسكري، فروسيا الاتحادية بحاجة إلى اثبات نفسها على أنها دولة قطب في محاولة لتغيير الهيمنة القطبية الأحادية على مجرى قرار العالم، وليس خفياً على أحد. وللتذكير فإن روسيا، هي من الدول التي وقعت على القرار 2254، بشأن سوريا، والذي يتحدث في مجمله عن انتقال سياسي سلمي للسلطة في سوريا، ولكن لنكون واضحين، روسيا بعد أن أدركت ان تشاركيتها في اتخاذ القرار من أجل سوريا، الذي يتمثل بجنيف، سعت إلى الالتفاف عليه وتشكيل حلفاء من الدول الطامحة، لتتفرد بالقرار السوري العام.
ما يحدث اليوم في ادلب – وفق الإدلبي – هو نسخة مستنسخة من نظرية الحل العسكري الروسي، في إعادة إخضاع الأراضي الخارجة عن سيطرة دمشق لها، من خلال إجراءات عدة عبر فترة زمنية مدروسة، لكن روسيا، وجدت في إدلب معادلة مختلفة حيث ان الأصدقاء من دول أستانة، بدوا يغيرون بعض القواعد من أجل تحقيق مكاسب أوسع من التي كانوا قد اتفقوا عليها جميعاً في أوقات سابقة.
هيئة تحرير الشام، منذ انطلاق مسار أستانة، رفضته علناً، وطبقته حرفياً على الأرض، وذلك بعد اجتماع حصل في قرية «أبو دالي» بين الروس والهيئة منذ ثلاث سنوات، وأرغمت الهيئة، الفصائل على تطبيق ما كانوا يرفضونه بالأمس.
وبالحديث عن اتحاد الجبهة الوطنية للتحرير، التي تمتلك إمكانيات خجولة، تحاول الدفاع عما بقي في إدلب، وهي تعلم ضمنيا، وفق المصدر، أن وفد أستانة والدول الضامنة توافقوا على تسليم القرى شرق الطريق الدولي، وتسليم الطريق الدولي، وتسيير دوريات مشتركة من روسيا إيران وتركيا. والمعضلة الأكبر تبقى اليوم، هي مدينة معرة النعمان وسراقب، التي حمل السكان المدنيون فيهما السلاح للدفاع عنها بعيداً عن التنظيم والقوى العسكرية.
المصدر: القدس العربي