هبة محمد
توغلت قوّات النظام السوري خلال الأسبوع الأخير من الحملة الرابعة التي تشنها بدعم روسي وإيراني، داخل قرابة 300 كم2 واجتاحت أكثر من أربعين بلدة وقرية في ريف إدلب الجنوبي الشرقي شمال غربي سوريا، على حساب المعارضة السورية ومناطق نفوذها، رغم ما تبذله الأخيرة من جهود لاحتواء الخسائر الميدانية التي تعرّضت لها، والتي تهدد مدينة معرة النعمان الاستراتيجية، إحدى المدن الرئيسية الكبرى في معقل المعارضة الأخير، حيث استعادت السيطرة على إحدى النقاط التي تقدمت إليها القوات المهاجمة على محور أبو جريف في ريف إدلب الشرقي، وذلك بعد أسبوع من المعارك والاشتباكات.
الموقف التركي وخيارات المعارضة
ومع تجدد المواجهات، تتواصل عمليات القصف الصاروخي والمدفعي، على مدن وقرى ريف ادلب، وسط مواجهات عنيفة بين الجيش الوطني وفصائل جهادية من جهة وقوات النظام السوري والميليشيات الحليفة لها، من جهة أخرى، حيث استهدفت قوات النظام دير الشرقي ودير الغربي ومعرشورين ومعرشمشة وأماكن أخرى في المنطقة، في ظل توقف القصف الجوي على محافظة إدلب منذ أكثر من يومين، بسبب سوء الأحوال الجوية التي تتعرض لها المنطقة.
وقال مصدر مطلع ان اشتباكات عنيفة شهدها محور الدير غربي بريف معرة النعمان الشرقي، بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جانب، والفصائل وهيئة تحرير الشام من جانب آخر، ترافقت مع قصف واستهدافات متبادلة، حيث تمكنت المجموعات المقاتلة من استعادة السيطرة على نقاط كانت قوات النظام قد تقدمت إليها خلال الساعات الفائتة.
وذكرت وكالة النظام الرسمية «سانا» ان وحدات الجيش حققت تقدماً بريف إدلب الجنوبي الشرقي وسيطرت على قرى ومزارع حلبان وسمكة وتل خطرة، مشيرة إلى ان القوات المهاجمة خاضت «خلال الساعات الماضية اشتباكات عنيفة على محور أبو الضهور وتمكنت بنتيجتها من السيطرة على قرى ومزارع حلبان وسمكة وتل خطرة وخربة نواف على اتجاه أبو الضهور معرة النعمان.
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، قال لـ»القدس العربي»، إن قوات النظام السوري استطاعت خلال أيام معدودة من السيطرة على أكثر من 30 قرية بينها جرجناز وباتت على بعد بضعة كيلومترات من مدينة معرّة النعمان الاستراتيجية جنوب شرقي إدلب.
ويرتبط هذا الانهيار المتسارع لمساحات واسعة، حسب المتحدث لـ «القدس العربي»، ليس لمجرّد استخدام أساليب الحرب التقليدية والعنيفة التي توفّرها روسيا للنظام السوري، بل بسبب إخفاق المعارضة عسكرياً وسياسياً في احتواء وفهم طبيعة دورها وتحركاتها حتى في إطار تفاهم سوتشي 2018.
واعتبر عاصي، أنّه من غير المجدي التعويل على موقف حاسم من تركيا التي لن تدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا والنظام السوري في الوقت الحالي على أقل تقدير، وهذا لا يعني أنّ فصائل المعارضة مطالبة بتقويض اتفاق سوتشي، بل التحلّي بمزيد من الجرأة والبحث عن أساليب غير تقليدية وهجينة في الحرب.
وبالرغم من ادراك المعارضة السورية أنّ النظام السوري وروسيا يتجنّبان تحويل المعارك إلى عمليات استنزاف طويلة الأمد، إذ «تشير سياسة تطويق المدن بدل التقدّم المباشر نحوها والقضم البطيء إلى فقدان العنصر البشري لتغطية كافة المحاور والجبهات، لكن المعارضة غير قادرة على تحويل هذا الواقع الذي تدركه إلى ثغرة استراتيجية لصالحها عسكرياً وسياسيا».
لذا فإن فصائل المعارضة وحسب قراءة عاصي تمتك كافة الإمكانيات والقدرات التي تتيح لها الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد ضد النظام السوري وروسيا، بما يؤدي إلى تقويض قدراتهما العسكرية على المستوى البشري والاقتصادي واللوجستي، بعد تشتيت جهودهما ورفع التكلفة عليهما، وبما يخلق انطباعاً لدى قواته باستحالة تحقيق أهداف المعركة.
خلافات تركية – روسية
بينما لا تزال المعارضة السورية قادرة على احتواء الخسائر الميدانية التي تتعرّض لها، مع لزوم العمل على تطوير استراتيجية دفاعية طويلة الأمد بما ينسجم مع صعوبة وعدم قدرتها على القيام بعمليات عسكرية هجومية تحمل طابع الاستدامة.
وفي هذا الصدد يقول عاصي ان فصائل المعارضة تمتلك تجارب محفزة من قبيل عملية السيطرة على تل ملح والجبين في ريف حماة الشمالي الغربي، والعمليات الوقائية التي تعتمد على قوات خاصة تنفّذ هجمات في الخطوط الخلفية ومن ثم تعود لمواقعها بعد تدمير وإبطال مفاعيل نقاط تمركز العدو. كما من الممكن إيجاد آلية تنظيمية – عسكرية، تساهم في التخلّص من أعباء الالتزامات السياسية مع روسيا وضامني أستانة، من قبيل دعم مجموعات قتال وطنية غير مركزية. فلطالما شكّل هذا النموذج عائقاً أو معطّلاً لسياسات الاستعمار. مشيراً إلى ان على فصائل المعارضة السوريّة أنّ تدرك ما لديها من خيارات وبدائل تكتيكية لا ترتبط بالإمكانات المادية والعسكرية بقدر ما تربط بالمرونة والمناورة العالية، على اعتبار أنّها قوّة وطنية.
ونتيجة بروز الخلافات الروسية التركية ومحاولة الطرفين الحفاظ على الدبلوماسية وتظريف التصريحات الإعلامية بهدف الإبقاء على العلاقات في إطارها المصلحي، بحث مجلس الأمن القومي الروسي برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الجمعة الأزمة السورية، في حين قالت مصادر عسكرية تابعة لوزارة الدفاع التركية أن تركيا تقوم بالتنسيق مع روسيا حول هذه القضية.
وقالت «الدفاع»، ان نقاط جيشها في إدلب قادرة على الدفاع عن نفسها، وأكدت حسب وكالة الأناضول التركية على عدم وجود أي مخاوف أمنية حول نقاط المراقبة ولا عملية إمدادها. جاء ذلك عقب مؤتمر صحافي للمتحدثة باسم وزارة الدفاع التركية، ناديدا شبنم أكطوب، في العاصمة أنقرة، حيث اكدت مصادر عسكرية أن تركيا تقوم بالتنسيق مع روسيا حول هذه القضية، مضيفة «رغم أن واجبات نقاط المراقبة في المنطقة تتمثل في مراقبة الأنشطة وإعداد التقارير عنها، إلا أنها قادرة على مواجهة أي هجوم ضمن نطاق الدفاع عن النفس» حيث يمتلك الجيش التركي 12 نقطة مراقبة عسكرية أقيمت في إطار اتفاق منطقة «خفض التصعيد» في إدلب.
ويبدو أن الخلافات الروسية التركية بدأت تطفو على السطح، حسب المعارض السياسي السوري درويش خليفة، الذي لفت إلى ان روسيا وتركيا تحاولان الحفاظ على العلاقات في إطارها الذي يخدم الطرفين- عبر فتح الطرق الدولية في سوريا حسب اتفاق سوتشي أيلول/سبتمبر 2018، والحفاظ على مخرجات المسار العسكري في العاصمة الكازاخية، ليبقوا متفردين في الصراع العسكري دون دخول أطراف أخرى، ليأتي قانون قيصر كصفعة على وجه الروس، من حيث حصاره للنظام وحلفائه زمانياً واقتصادياً. وهذا ما يضر استراتيجيتهم في فتح الطرق الدولية ام 4 وام 5.
وبالتالي أصبح الروس أمام واقع جديد يحتم عليهم القيام بعمل عسكري واسع النطاق على أطراف الطرق الدولية من جهة الجنوب والشرق الادلبي، وتشديد قصفهم الجوي والمدفعي على منطقتي سراقب ومعرة النعمان ذات الكثافة السكانية والتي ساهمت في تهجير وتشريد سكانها ليشكلوا كارثة إنسانية على الشريط الحدودي مع تركيا مع استمرار إغلاق الحدود التركية في وجههم، حيث صرح الرئيس التركي اردوغان أن بلاده غير قادرة على استيعاب لاجئين جدد، مطالباً الدول الأوروبية والعربية بتحمل مسؤولياتها في إغاثتهم.
وما زاد الطين بلة، حسب وصف المتحدث لـ»القدس العربي» هو استخدام روسيا والصين للفيتو في مجلس الأمن الجمعة الفائت بشأن مشروع قرار قدمته ألمانيا وبلجيكا والكويت بتمرير مساعدات من الأمم المتحدة عبر نقاط حدودية لا يسيطر عليها النظام إلى 4 ملايين سوري لمدة عام. ولكن الروس يريدون أن تذهب المساعدات لنظام الأسد.
المصدر: القدس العربي