أحمد مظهر سعدو
يمضي عام 2019 لدى السوريين ليس كما يمضي في مناطق أخرى من العالم. وهو الذي كان مُدمىً على طول المدى. ومليء بالآلام والمآسي التي ما برحت تُثقل أيام وليالي السوريين في إدلب بل في كل الجغرافيا السورية.
لم يكن هذا العام إلا كأيام متتابعة متوالية من القهر والعسف والقتل والاعتقال والتهجير القسري الذي يطال بثقله كل الأسر السورية. ومنها وبين ظهرانيها تلك التي كُتب عليها أن تعيش المأساة والمحرقة الأسدية الروسية الإيرانية ضمن مربعات الدمار، النازل فوق رؤوس البلاد والعباد، في معرة النعمان وريفها وفي أريحا وجبل الزاوية. بل في جل الريف الإدلبي الذي طالما استقبل مهجري النظام السوري المجرم من كل محافظات سورية. ليكون المصير اليوم إلى حيث لا مكان يؤويهم. السوري في إدلب اليوم يحمل سفوديه لا يلوي على شيء. فلم يعد بالإمكان الاحتماء بأشجار الزيتون. ولم يعد من الممكن الجلوس على قارعة الطريق، بينما درجات الحرارة دون الصفر بكثير. ولسان حاله يقول إن كنا نَجونا من براميل العصابة الأسدية فهل ننجو من برد الشتاء القارس وعواصفه المتتابعة وثلوجه المقبلة وصقيعه القاسي.
الواقع الذي يعيشه السوري في إدلب وريفها بات أشد وطأة من وقع كل سوءات الأيام الخوالي، وكل شظف العيش وفداحة التغول الأسدي السابق. حيث لا مغيث من هول ما يجري، والأمة كل الأمة فاغرة فاها، مندرجة في أتون قضاياها الأخرى، ولا حتى من بيان استنكاري لما يجري، رغم تفاهة أي بيان أمام الموت المحيط بحيوات البشر، على الطرقات المترامية الأطراف. حيث لا حماية دولية، ولا اهتمامًا عربيًا ولا اقليميًا، ولا إسلاميًا، ولا قانونًا دوليًا إنسانيًا ما انفك العالم المتحضر يُطنب آذاننا به كل صباح وكل مساء. حتى ظنناه سيحمينا من إجرام المجرمين أو صواريخ الطائفيين، أو حقد الفرس الحاقدين.
لم يعد في ريف إدلب أي مشفىً أو مركزًا طبيًا يعالج الجرحى والمصابين، وينقذ ما يمكن إنقاذه، ولم يعد هناك من مخبزٍ يلوذ به الناس ليقتاتوا مما فيه كي لا يمر عليهم الموت جوعًا بعد أن جانبهم الموت قصفًا. ولم يعد هناك أي مدرسة يحتمون بها ولا أي دار عبادة يحمونها ويحتمون تحت مآذنها، من وحشية وعنف وهمجية الأسد الذي أحرق البلد.
المأساة أضحت كارثية بامتياز. والتخلي والخذلان سيد الموقف. وكل الأهل والجيران من عرب ومسلمين باتوا غافلين عن المساعدة، أو بث الهمة وغوث المحتاجين. في وقت يعيش فيه السوري أسوأ أيامه وأشد حالاته قسوة.
ومنطق حال السوريين يقول: هل سنجد في عام 2020 مالم نجده في ثنايا العام الآفل والمنفلت من كل عقال. وهل سيكون (العالم المتحضر) أكثر اهتمامًا بنا وأشد تطبيقًا لقوانينه الإنسانية الحقوقية، التي ينادي بها، ويقيم لها المآدب والاحتفالات والمؤتمرات، وبعض ورشات العمل، والقليل من الندوات والدورات التدريبية، التي يُجير فيها الشعب السوري ليكون مجالًا رحبًا وخصبًا للاستثمار والابتزاز ليس إلا.
من جهتها فقد عبرت منظمة الصحة العالمية، عن قلقها الكبير بشأن الوضع الصحي للمدنيين بمحافظة إدلب شمال غربي سورية. وذكرت المنظمة في بيان صادر عنها الأربعاء الماضي، أن الأيام الأخيرة شهدت نزوح نحو 130 ألف مدني عن منازلهم بسبب الهجمات المتزايدة من قبل نظام بشار الأسد وروسيا. وأوضح أن 12 مليون شخص في سورية بحاجة إلى خدمات صحية، 2.7 مليون منهم شمال غربي البلاد. ونوه البيان، إلى أن 500 ألف شخص في جنوب إدلب، في حاجة إلى خدمات صحية عاجلة، بالتزامن مع إغلاق 14 مركزاً صحياً أساسياً ومستشفيين في المنطقة بسبب الظروف الأمنية. وأضاف أن استمرار الهجمات التي تستهدف المنطقة قد يؤدي إلى تعليق العمل في 42 مؤسسة صحية. كما لفت إلى أن سورية شهدت منذ تشرين الثاني/نوفمبر استهداف 83 مركزًا صحيًا منهم 63 مركزًا في محافظة إدلب. وكشف البيان أن التوترات العسكرية الأخيرة في المنطقة أدت إلى وقوع إصابات بين المدنيين وتفاقم معاناة السكان، ونزوح نحو 130 ألف شخص، بينهم نساء وأطفال وكبار في السن، عن منازلهم. وحول النازحين السوريين على الحدود مع تركيا.
في الوقت ذاته ماتزال قوات النظام السوري وداعميه تواصل شن هجماتها على المنطقة، رغم التفاهم المبرم بين تركيا وروسيا في 17 أيلول/سبتمبر 2018، بمدينة سوتشي الروسية، على تثبيت ما يسمى «خفض التصعيد».
ويستمر وقوع الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، حيث تم التوثيق من قبل الدفاع المدني بمقتل قرابة 150 شخصاً في ريف إدلب، شمال البلاد منذ بداية الشهر الحالي، من ضمنهم 35 طفلاً و30 سيدة، و3 متطوعين في المجال الإنساني. فيما حرمت حملة النظام السوري وحليفه الروسي قرابة 114 طالباً وطالبة من حق التعليم، جراء الغارات والقصف العنيف، التي وصلت إلى 700 غارة جوية و3500 قذيفة وصاروخ، مما أدى إلى إغلاق العديد من المدارس، ونزوح عشرات آلاف العائلات نحو المناطق الأكثر أمناً.
تحدثت منظمة «يونيسيف» المعنية بالطفولة، عن نزوح أكثر من 130 ألف مدني سوري، بينهم 60 ألف طفل من مدينة معرة النعمان وبلدات أخرى في جنوب محافظة إدلب خلال الشهر الحالي، بسبب العمليات العسكرية، وكذلك أشارت المنظمة إلى مقتل وإصابة 500 طفل سوري خلال الأشهر التسعة الأخيرة.
وهناك من يشير إلى أن تسارع الأحداث الدولية وخاصة قانون «سيزر» الذي سيدخل حيز التنفيذ في مدة 180 يوماً، ومن هنا فقد بدأت روسيا باتخاذ إجراءات متسارعة لإنهاء ملف إدلب قبـل أن تخـرج الأحـداث عن سـيطرتها.
الأمم المتحدة، تؤكد نزوح أكثر من 235 ألف شخص خلال نحو أسبوعين جراء التصعيد العسكري الأخير في محافظة إدلب بشمال غربي سورية. وأورد «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية» التابع للأمم المتحدة، في بيان، أنه «بين 12 و25 ديسمبر (كانون الأول)، نزح أكثر من 235 ألف شخص من شمال غربي سورية»، مشيراً إلى أن كثيرين منهم فروا من مدينة معرة النعمان وقرى وبلدات في محيطها، وجميعها باتت «شبه خالية من المدنيين».
بقي أن نقول إن محافظة إدلب، التي تؤوي ومحيطها ما يزيد عن ثلاثة ملايين شخص، نصفهم تقريباً نازحون من مناطق أخرى. يدافع أهلها والنازحين إليها من باقي المحافظات عن وجودهم في وجه العدوان الأسدي ضمن إمكانيات متواضعة من السلاح، وفي سياق وقف الدعم العسكري بشكل شبه كلي من معظم الداعمين السابقين. ليبقى السوري لوحده وبصدره العاري يدافع عن وجوده، ضد كل أنواع الحقد والبغي الممارس ضده أسديًا وروسيًا وإيرانيًا.
المصدر: المدار نت