تقرير خاص ترجمة: علاء الدين أبو زينة
“إيران هي جزيرة استقرار في واحدة من أكثر المناطق اضطراباً في العالم”. هكذا قال جيمي كارتر، الرئيس الأميركي في ذلك الحين، بينما كان يتناول العشاء مع نظيره الإيراني، الشاه محمد رضا بهلوي. ولكن، بينما كان الزعيمان يستمتعان بمأدبة عامرة بالأطباق المتنوعة، كان الإيرانيون الذين يعانون يطبخون الحساء. وبعد أكثر من عام بقليل، في العام 1979، تمت الإطاحة ببهلوي وتولّى الملالي، بقيادة آية الله العظمى روح الله الخميني، زمام السلطة في البلد. واتضح أن إيران لم تكن مستقرة. وظلت تتسبب في المتاعب للمنطقة منذ ذلك الحين.
قليلون في العالم، وأقلهم مروجو الرعب الأميركان، رأوا الثورة قادمة في العام 1979. كما لم يتخيل الكثيرون، قبل بضعة أعوام فقط، أن أميركا وإيران يمكن أن تصلا إلى حافة الحرب في العام 2019. لكن الرئيس دونالد ترامب كاد يقصف إيران في حزيران (يونيو)، بعد أن هاجمت الشحن التجاري وأسقطت طائرة أميركية من دون طيار. ثم جاء المزيد من الحديث عن الحرب في أيلول (سبتمبر)، بعد أن هاجمت إيران -أو وكلاؤها- منشآت النفط في المملكة العربية السعودية. وسوف يستمر خطر نشوب صراع شامل في أن يلقي بظلاله على العام 2020.
كانت خلفية هذه الصورة القاتمة هي قرار السيد ترامب في العام 2018 التخلي عن صفقة تم التفاوض عليها في عهد سلفه باراك أوباما، والتي كبحت جماح البرنامج النووي الإيراني مقابل حصول طهران على غوث اقتصادي. ويقول الرئيس الآن أنه يريد اتفاقاً جديداً يحدُّ أيضاً من برنامج الصواريخ الإيراني ومن تدخل البلد في المنطقة. وقد انتهجت إدارته سياسة تقوم على ممارسة “أقصى قدر من الضغط”، وأهالت العقوبات على إيران أملاً في إعادتها إلى طاولة المفاوضات -أو التسبب في قيام ثورة أخرى. وعلى الرغم من ذلك، أدت هذه السياسة حتى الآن إلى تقوية المتشددين الإيرانيين وتعزيز عدم ثقتهم في أميركا.
يراهن المسؤولون الأميركيون على أن إيران ستصل إلى نقطة انهيار في العام 2020، أو بعد ذلك بوقت قصير. ويقول ترامب: “إنها ذاهبة إلى الجحيم. إنهم مفلسون”. وقد تمكنت العقوبات من عزل إيران عن الاقتصاد العالمي. وأصبحت صادراتها النفطية قريبة من الصفر، حيث تهدد أميركا المشترين المحتملين. وأدت الأحوال الصعبة إلى اندلاع الاحتجاجات في البلد. وفي المقابل، يقول محللون أميركيون أن إيران لم تنكسر. وهم يتوقعون أن يكون لديها ما يكفي من الاحتياطيات الأجنبية لتصمد عامين آخرين. فقد تم بناء “اقتصاد المقاومة” في إيران لتحمل الضغوط الخارجية والتهرب من التدقيق. واستطاع البلد أن ينجو من العقوبات ويتحمل آثارها من قبل.
لن ينهار النظام الإيراني في العام 2020. وبدلاً من ذلك، سوف يعيد تشغيل أجزاء أخرى من برنامجه النووي، والتي كانت قد توقفت بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة. ومثل حيوان محاصر، سوف تضرب إيران في كل أنحاء المنطقة. ومع تضاؤل تجارتها، لن يكون لدى إيران الكثير لتخسره من تحويل مضيق هرمز، الذي يمر عبره خُمس إمدادات النفط العالمية، إلى قفاز للملاكمة. وسوف يشن الحرس الثوري للنظام ووكلاؤه في اليمن والعراق المزيد من الهجمات على حلفاء أميركا في المنطقة. وستُظهر إيران لأميركا أنها تستطيع إيقاع الألم هي أيضاً.
ومع ذلك، ليس الأمل غائباً تماماً. الآن، تقول إيران أن المملكة العربية السعودية، خصمها اللدود، قد تواصلت معها من خلال وسطاء. وتشعر المملكة بقلق متزايد من مآلات تدخلها في اليمن، حيث تقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران. ويمكن التوصل إلى اتفاق ينهي تلك الكارثة الإنسانية. كما أن السيد ترامب حريص أيضاً على التحدث مع قادة إيران. وقد رفضوه حتى الآن، مدعين أنه يريد فقط “فرصة لالتقاط الصور”. لكن حسن روحاني، الرئيس، يقول إنه إذا قامت أميركا برفع العقوبات، “فإن المفاوضات مع الولايات المتحدة تصبح عندئذ احتمالاً” -حتى أنه يقر بأن الصفقة النووية بعيدة عن الكمال.
كان السيد ترامب وكيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية المستبد، قد تبادلا الشتائم والتهديدات قبل الاجتماع الذي انعقد بينهما في العام 2018. ويقول السيد ترامب: “لقد وقعنا في حب” (على الرغم من أنهما لم يحققا الكثير). ولن يكون حدوث تحول مشابه في علاقة أميركا بإيران مستحيلاً. وسوف يصرف مثل هذا التحول الانتباه عن المشكلات الداخلية للسيد ترامب ويعزز أناه المتضخمة (وربما حملته الرئاسية). بل إنه يمكن أن يستقر على صفقة تشبه إلى حد كبير الصفقة القديمة، لكنها تحمل اسمه. وسيكون الملالي، الذين يتعرضون لضغوط في الداخل، أغبياء إذا لم يسمحوا للسيد روحاني بالجلوس معه.
وإذن، لماذا لن يكون تحقيق اختراق حقيقي مرجحاً في العام 2020؟ يعرّف متشددو إيران أنفسهم إلى حد كبير بعدائهم لأميركا. ومن غير المرجح أن يدعم زملاء ترامب المتشددون في الحزب الجمهوري أي اتفاق يمكن أن تقبل إيران بتوقيعه. وتنطوي العلاقات المحسنة، والمساومات التي ستتضمنها، على مخاطر لكلا الجانبين. لكن فرصة لالتقاط صورة ستظل أفضل من خوض حرب.
المصدر: (الإيكونوميست) الغد الأردنية