هبة محمد
تسير محافظة إدلب في مسارات مشابهة لمسار المنطقة الجنوبية من سوريا، من حيث السيطرة على الطريق الدولي وكشف ظهر الفصائل المسلحة، ما يفرغ المعنى الحقيقي بعد ذلك، للفعل العسكري التقليدي المضاد للنظام وحلفائه، كما تشير المعطيات على الأرض الى ان ما يجري العمل عليه الآن شمال غربي سوريا، هو استكمال التطبيق الفعلي لاتفاق سوتشي الذي يمضي قدماً، في اتجاه تطبيقه لكن ليس قبل دفع الأثمان المترتبة على الطرفين، ربما تكون حسب مراقبين على شكل مقايضة تتعلق محلياً باتفاق شرق الفرات بين الأتراك والروس، وإقليمياً بالاصطفاف الروسي والتركي بين طرفي الصراع في ليبيا، ودولياً بـ» قانون قيصر».
استكمال الاتفاق
ففي الوقت الذي تواصل فيه قوات النظام غاراتها الجوية على ريف معرة النعمان الشرقي مستهدفة بلدة معرشورين وأطرافها، بعد غياب عن أجواء المنطقة لـ 100 ساعة، تدور اشتباكات عنيفة بين قوات النظام والميليشيات المحلية والاجنبية الموالية لها من جهة، وفصائل المعارضة والمجموعات المصنفة أمنياً من جهة أخرى، على محور بلدة جرجناز في ريف إدلب الجنوبي الشرقي إضافة الى محور قرية زمار بريف حلب الجنوبي، حيث شنت فصائل الجيش الوطني «إغارة نوعية» حسب وصف المتحدث باسم الجبهة الوطنية، على مواقع النظام في بلدات التح وجرجناز. وقال المتحدث ناجي مصطفى، ان مقاتلي الجيش الوطني دمروا غرفة عمليات لقوات النظام على المحاور المستهدفة، وأوقعوا عشرات المقاتلين للنظام بين قتيل وجريح.
وقال مدير الدفاع المدني السوري مصطفى الحاج يوسف، إن فرق الخوذ البيضاء وثقت أمس استهداف 11 منطقة بنحو 6 غارات جوية من قبل الطيران الروسي و 51 صاروخاً 8 منها تحمل قنابل عنقودية بالإضافة إلى 65 قذيفة مدفعية، كما تم تدمير فرن آلي في بلدة معصران جراء غارة جوية من الطيران الحربي الروسي أدت لدمار الفرن وخروجه عن الخدمة، بالإضافة لاستهداف فرن في بلدة محمبل دون تسجيل أضـرار فيه. وأوضـح الحـاج يوسف – لـ «القدس العربي» أن القصف شمل مدينـة معرة النعمان وبلدات عدة في ريف إدلـب الجنـوبي والشـرقي.
وبالرغم من ان الاتفاق التركي – الروسي لم ينته تنفيذه بعد، فثمة أثمان يرغب الطرفان بسدادها قبل التطبيق الكامل، حسب ما يقول الخبير السياسي منير الفقير، حيث اعتبر في حديث لـ»القدس العربي» انه يوجد بُعد مرتبط بإكمال تطبيق اتفاق شرق الفرات بين الأتراك والروس، وأيضاً بعد جديد بدأ يطفو على السطح وهو تصعد الصراع في ليبيا واختلاف الاصطفاف الروسي والتركي بين طرفي الصراع. ويأتي التصعيد الروسي في وقت تحاول فيه روسيا زيادة مكتسباتها السياسية والاقتصادية مع النظام السوري خصوصاً بعد توقيع «قانون قيصر» الذي أعاد محاولات روسيا الى نقطة الصفر، لإعادة تعويم النظام ومحاولة مد يد العون له من خلال اقناع الكثير من الدول وخاصة الغرب بالانخراط بإعادة الإعمار، إضافة الى ان تعثر اللجنة الدستورية فتح الباب على مصراعيه للمضي قدماً بالنسبة لروسيا لاستكمال ما تسميه «النصر العسكري».
نتيجة طبيعية
وأمام ذلك، قال الخبير السياسي لـ «القدس العربي»، أن تركيا تعتبر ان بإمكانها تحقيق أثمانٍ أفضل مقابل إكمال إنجاز «سوتشي»، لكن في النهاية ثمة مقايضة ستتم مقابل السيطرة على جنوب الطريق «إم 4» وشرق الطريق «إ م 5» ولكن الوصول إلى ذلك ربما سيحتاج زمناً ليس بالقصير ويحتاج إلى تفاهم تركي – روسي على إدارة ثلاث مشكلات، أهمها مشكلة محلية في غرب الفرات متعلقة بالتفاهم حول الهاجس التركي بما يتعلق بالمهجرين، ومشكلة على المستوى السوري متعلقة باستكمال مكاسب تركيا في شرق الفرات وخاصة فيما يتعلق بالإرهاب، ومشكلة على المستوى الإقليمي متعلقة بالتفاهم حول ملف الأزمة الليبية، ومشكلة دولية متعلقة بالتعامل مع مشكلة «قانون قيصر».
ويعتبر مراقبون وخبراء ان ما يجري في إدلب هو النتيجة المتوقعة لتسلسل الأحداث، فما قامت به روسيا عند تدخلها في سوريا بضوء أخضر أمريكي مع مجموعة الدول المصغرة ودخولها المباشر على خط المواجهة هو خطة بسيطة لكنها اثبتت فعالية كبرى، بعدما قسمت المناطق المحررة من سيطرة النظام السوري لأربع مناطق ثم إعلان هذه المناطق أنها مناطق خفض تصعيد حسب ما تقدمت به موسكو في اتفاق أستانة 2017 وهي «شمالي حمص، وأجزاء من درعا والقنيطرة، والغوطة الشرقية، وادلب مع أجزاء من أرياف حمص و حلب واللاذقية».
المحامي والمعارض السياسي، يوسف قدورة، اعتبر ان قبول المشاركين من المعارضين السوريين بمن فيهم من ساسة وعسكر كانت «بداية الهزيمة» حيث أن وقع كلمة خفض التصعيد بثت في النفوس شعور أنه لم يعد هناك قتال أو أنه إن وجد فهو على أضيق نطاق. ورأى المعارض السياسي، ان روسيا تعاملت مع القوى الثورية تعاملاً استراتيجياً «باعتبارها دولة عظمى وانطلت علينا باعتبارنا حديثي عهد بالسياسة فكان تكتيكنا على المدى القصير بينما الاستراتيجية الروسية على المدى البعيد، بحيث ان روسيا باستلامها للملف رأت انه معقد وكبير فقامت بكل بساطة بتقسيمه ليسهل حله، فتحول الملف من مشكلة كبيرة الى اربع مشكلات أصغر، ثم استفردت بكل منطقة على حدة، فبدأت بشمال حمص والمناطق الأخرى.
وتم الأمر في درعا في الوقت الذي كانت المنطقتان الباقيتان تردد الحديث نفسه: «هذا الأمر في درعا فقط ولن يصل الى الغوطة او ادلب»، ثم امتد الأمر الى الغوطة التي كانت سكيناً مسلطة على رقبة النظام لقربها من رأس السلطة بدمشق حتى الانتهاء منها، وبانتهاء الغوطة كانت ثلاثة ارباع الخطة الروسية في سوريا قد نفذت وانقلب الحال رأساً على عقب، من نظام آيل للسقوط لا يكاد يسيطر على كامل العاصمة ليصل الى بسط النفوذ على أغلب التراب السوري. وأضاف المتحدث إلى ذلك، ان روسيا جمعت كل المقاتلين من المناطق المحررة في مختلف المناطق الى منطقة ادلب، وفي ذلك الوقت «كانت جبهة النصرة قد ابتلعت فصائل الجيش الحر فأضحت منطقة خفض التصعيد الأخيرة مرتعاً لتنظيم القاعدة، وبدأ التسويق الروسي على أن «تورا بورا جديدة» موجودة في قلب الشرق الأوسط ساعدها في ذلك وجود عناصر كثيرة للقاعدة في منطقة ادلب ابو فلان التونسي ابو علان الاردني والاوزبك وحراس الدين و باقي الأسماء ممن يسمون أنفسهم بالجهاديين».
وفي غضون ذلك، بدأت روسيا بتنفيذ آخر خطة عسكرية على رابع منطقة خفض التصعيد، بالتحذير من تنظيم القاعدة، وإعطاء المهل لتركيا لإنهاء وجود هذا التنظيم، لكن التنظيم تضخم بابتلاع فصائل الجيش الحر التي كانت موجودة حتى أنه شكل حكومة إنقاذ لإدارة تلك المناطق، ولم يكن التحضير في إدلب، على مستوى ما هو قادم وينتظر هذه المحافظة.
وحسب تسلسل الاحداث وصل الملف السوري الى هذه النتيجة، ويتم الآن إنهاء الملف على الارض بالتوازي مع تفاهمات أخرى شرق الفرات ومناطق أخرى، فهذه التفاهمات الدولية التي لم نطلع عليها ولكننا نشهد الآن تنفيذها. وانتهى المعارض السوري بالقول إن الاستجداء الآن بالملف الانساني في إدلـب على أنه الاصعب في الـعالم، لن يـأتي بنـتيجة «فمتى كان الملف الانسـاني له قيمـة بالـتفاهمات السياسية والاتفاقيات الدولية.. وقـد تذوقنا ذلك في الغوطة ورأينا أهوال يوم القيامة مجاهرة ولم يتحرك المجتمع الدولي لوقف المجازر آنـذاك».
المصدر: القدس العربي