أمين العاصي
تؤكد المعطيات الميدانية أن النظام السوري وحلفاءه يتحضرون لبدء معركة جديدة في الشمال الغربي من سورية مع الأيام الأولى من العام الجديد، مسرحها هذه المرة ريفا حلب الغربي والجنوبي، حيث لا تزال فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) تحتفظ بالعديد من المواقع، التي من دونها لا يمكن لقوات النظام التقدّم للسيطرة على الطريق الدولي الذي يربط شمال سورية بوسطها، والذي يعد من أهم الطرق في البلاد. وعلى الرغم من سوء الأحوال الجوية في شمالي غربي سورية، وانصراف اهتمام قوات النظام للتجهيز لمعركة في ريف حلب، إلا أن محافظة إدلب لا تزال تحت وطأة تصعيد عسكري من قبل النظام والجانب الروسي، مع قصف قوات النظام أمس الثلاثاء، بالمدفعية الثقيلة بلدة تلمنس في ريف إدلب الجنوبي، بالتزامن مع قصف صاروخي على قرية كنصفرة جنوب مدينة إدلب من مواقع قوات النظام في معسكر جورين بريف حماة.
في موازاة ذلك، تؤكد المعطيات الميدانية والمعلومات التي ترد من جهات عدة، أن ريفي حلب الجنوبي والغربي سيكونان خلال الأيام القليلة المقبلة مسرح صراع واسع النطاق، إذ يريد النظام استعادة السيطرة على ما تبقى للمعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” من مواقع، فمن دون ذلك لا يمكنه التقدّم باتجاه مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي والسيطرة الكاملة على الطريق الدولي “أم 5” الذي يربط مدينة حلب كبرى مدن الشمال السوري بمدينة حماة، ومنها إلى حمص في وسط سورية.
ونقلت صحيفة “الوطن” التابعة للنظام عن مصدر في قوات الأخير تأكيده وصول تعزيزات عسكرية جديدة خلال اليومين الماضيين إلى ريف حلب الجنوبي، وخطوط تماس الجبهات الغربية لمدينة حلب، في مناطق الراشدين والبحوث العلمية وجمعية الزهراء. كما نقلت الصحيفة عمن سمتهم بـ”خبراء عسكريين” ترجيحهم فتح جبهات جديدة لقوات النظام تنطلق من ريفي حلب الغربي والجنوبي الغربي، لدعم وتعزيز عملياتها العسكرية التي انطلقت من ريفي إدلب الشرقي والجنوبي الشرقي من محورين قبل أن تشمل محور أبو الظهور. وأشار الخبراء إلى أن هدف قوات النظام من وراء العملية في ريف حلب الوصول إلى مدينة سراقب بالتوازي مع مدينة معرّة النعمان وعدد من النقاط على الطريق السريع بين حلب وسراقب. وجددت الصحيفة التأكيد أن السيطرة على مدينة معرة النعمان في ريف إدلب الجنوبي وعلى الجزء من الطريق الدولي “أم 5” المار منها، هدف بارز لقوات النظام بإدّعاء تنفيذ اتفاق سوتشي المبرم بين موسكو وأنقرة أواخر عام 2018 والذي “تأخر تطبيقه عاماً كاملاً”، وفق الصحيفة.
وفي السياق، أكدت مصادر في فصائل المعارضة أن النظام نقل قسماً كبيراً من قواته ومن مليشيات تسانده من محور تلة الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي إلى ريف حلب الجنوبي، مشيرة إلى أنه من الواضح أن النظام وحلفاءه الروس يخططون للسيطرة أولاً على الطريق الدولي “أم 5″، وهو لا يتأتى من دون السيطرة على ريف حلب الجنوبي كاملاً. من جهته، نقل موقع “زمان الوصل” الإخباري المعارض عن مصدر عسكري قوله إن الفرقتين الرابعة والسادسة في قوات النظام، أرسلتا أرتالاً عسكرية كبيرة خلال الأيام القليلة الماضية من جبهات ريف اللاذقية الشمالي، إلى ريفي حلب الجنوبي والغربي. وأوضح المصدر أن الأرتال التي أرسلتها الفرقتان، تضم دبابات ومدرعات، إضافةً لرشاشات ثقيلة ومتوسطة، محملة على “بيك آب”، وسيارات “زيل” عسكرية، ومدافع “130”، ومدافع “57”، وطواقم من راجمات “جولان”. ولفت إلى أن قوام الرتل تعدى الألف مقاتل من الفرقتين، إضافة إلى مليشيات عراقية، ومقاتلين من “الدفاع المحلي” التابع للحرس الثوري الإيراني، ومليشيا “الكميت” التي خضعت لتدريبات عسكرية في لبنان من قبل قيادات إيرانية، ومليشيا “الغيث” التابعة للفرقة الرابعة.
وأوضح القيادي في فصائل المعارضة السورية العقيد الطيار مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، “أن النظام والروس قاموا بنقل مجموعات كبيرة من القوات التي كانت في محور الكبينة في ريف اللاذقية الشمالي إلى ريف حلب”. ورأى أن هناك احتمالين من وراء الخطوة التي أقدم عليها النظام والروس، مفصلا بالقول: “إما أن تكون هذه القوات أنهكت بسبب كثرة القتلى والجرحى وفشلت بتحقيق أي تقدم على الرغم من عشرات المحاولات، لذا قام الروس بنقلهم إلى جبهة هادئة نسبياً لتتم إعادة الاستكمال وبالتالي لن يكون هنالك عمل عسكري في ريف حلب”. وبيّن أن “هذه القوات من نوعية خاصة وهي الفرقة الرابعة فوج العقيد غيث دلا، وربما نقلها جاء لفتح محور جديد من ريف حلب باتجاه مدينة سراقب أو باتجاه الطريق الدولي شمال سراقب وبالتالي وضع ريف إدلب الشرقي بحالة التطويق”. وأضاف: “المهم في الأمر أن الحشود موجودة واحتمالية التجهيز للعمل العسكري أقرب للحقيقة من الاحتمال الآخر”.
في غضون ذلك، أوضحت مصادر في فصائل المعارضة أن الأخيرة تسيطر على العديد من البلدات والقرى في ريفي حلب الجنوبي والجنوبي الغربي، أبرزها: بلدة الزربة وخان طومان والعيس التي يقيم الجيش التركي نقطة مراقبة فيها. كما تسيطر الفصائل على مباني الإيكاردا، وهو مجمع بحوث زراعية كان يتبع للأمم المتحدة قبل أن تغلقه مع اتساع دائرة الصراع في سورية.
ولطالما شهد ريفا حلب الجنوبي وحلب الجنوبي الغربي معارك كبرى بين فصائل المعارضة ومليشيات إيرانية كانت تتخذ من ريف حلب الجنوبي مقراً كبيراً لها، إذ كانت تخطط للوصول إلى بلدتي كفريا والفوعا بالقرب من مدينة إدلب قبل أن تبرم إيران اتفاقاً مع “هيئة تحرير الشام” منتصف عام 2018 نقلت من خلاله أهالي البلدتين إلى مناطق سورية عدة. وكانت الميلشيات الإيرانية انسحبت منتصف عام 2018 من قاعدة كانت لها في بلدة الحاضر في ريف حلب الجنوبي باتجاه قاعدة أخرى لها في جبل عزان جنوب مدينة حلب، لتحل محلها مليشيات محلية مرتبطة بالنظام والروس، إذ كان من المقرر فتح طريق حلب-حماة إلا أن الأمر تعرقل للعديد من الأسباب.
وفي ريف حلب الغربي تسيطر فصائل المعارضة السورية و”هيئة تحرير الشام” على حي جمعية الزهراء التابع للمدينة، وضاحية الراشدين، وبلدات: خان العسل دارة عزة والأتارب والمنصورة. وفي الشمال الغربي من مدينة حلب تسيطر الفصائل المعارضة والهيئة على حي الليرمون وعلى مدن وبلدات: كفر حمرة حريتان عندان، بيانون، حيان معارة الأرتيق. ومن الواضح أن النظام والجانب الروسي يخططان لتأمين مدينة حلب من خلال دفع فصائل المعارضة و”هيئة تحرير الشام” عن هذه المناطق في المرحلة الثانية من العملية العسكرية التي كانت بدأت في 19 ديسمبر/كانون الأول من العام الماضي، والتي خسرت فيها المعارضة والهيئة نحو 40 بلدة وقرية وموقعاً. وأبطأت الأحوال الجوية السائدة في الشمال الغربي من سورية هذه العملية، إضافة إلى بدء مفاوضات بين موسكو وأنقرة لحسم مصير المنطقة إلا أن الحشود في ريف حلب تشي أن الجانبين لم يتوصلا إلى اتفاق من شأنه وضع حد للأعمال العسكرية في محافظة إدلب ومحيطها.
المصدر: العربي الجديد