عبد الرحيم خليفة
اكتملت الإجراءات القانونية التي مر بها ما بات يعرف ب ” قانون سيزر” ليصبح نافذًا، ويأخذ مجراه للتنفيذ، بعد أن تم التصويت عليه في مجلسي النواب والشيوخ في الأسبوعين الماضيين، ثم وقعه (ترمب)، بعد مناقشات ومحاولات تمريره عبر مؤسسات السلطة التشريعية الأميركية استغرقت ثلاث سنوات.
” قانون سيزر” اجتاز أخيرًا مرحلة التشريع يوم الاربعاء 18 ديسمبر مع حزمة قوانين أخرى، أهمها ميزانية وزارة الدفاع للعام القادم، يعتبر سابقة في تاريخ الولايات المتحدة الأميركية، وتاريخ العالم لجهة شموليته وأبعاده وتأثيراته، ومن المتوقع أن تترتب عليه نتائج كبيرة على شخصيات وشركات من داخل النظام وخارجه، من رجال الأمن والجيش والشرطة، وأعوانهم من المدنيين، وحتى المتعاونين المحليين معه ومن جنسيات أخرى، الذين شكلوا غطاءً له، كل هؤلاء ستطالهم أذرع الملاحقات الأميركية عبر الخزانة.
القانون بغض النظر عن آليات تنفيذه، ومدى صرامة الادارة الأميركية في تطبيقه لاحقا، ومتى وكيف سيبدأ تطبيقه، يعتبر بمجرد صدوره، مصدر خوف ورهبة لمن يستهدفهم ويعنيهم.
ولا شك أيضا، أن آثار القانون الايجابية تتسع لتشمل الضحايا وذويهم، ويعوضهم عن العدالة التي افتقدوها في بلادهم وعلى صعيد المنظمات الدولية معًا، سواء لجهة التعذيب الذي طالهم أو أشكال الموت وصنوفه التي قتلوا بها، وسيعطي رسالة قوية للعالم بأن الحساب والعقاب سيلاحقان الطغاة والمجرمين وكل أعوانهم وحلفائهم حتى يطالهم جميعًا ولو بعد حين.
ولا شك أن القانون سيحد من حركة الذين تشملهم لوائح العقوبات، وفي مقدمتهم المجرم الكوني الأول بشار الأسد، وبقية أفراد وزمر عصابته وحلفائه من روسيا الى إيران فالعراق ولبنان، وعدد كبير من الشركات التجارية والاقتصادية المتعاملة معه في مجالات عديدة، وكانت أو ما زالت تمده بأسباب القوة، من السلاح إلى الطاقة والاتصالات وقطع الغيار.
ومن المتوقع أن تكون لمروحة العقوبات – نظرًا لاتساعها على النحو الموصوف – انعكاسات وآثار شديدة السلبية والإضرار على مؤسسات النظام العضوية، وتوقعه في مزيد من الأزمات الاقتصادية والمالية المركبة، تضاعف من وتيرة انهيار عملته الوطنية، وعجز القطاعات الانتاجية في البلاد، وحالة التضخم غير المسبوقة، منذ بداية الثورة أو الأزمة منذ بدايتهما في آذار/ مارس 2011.
ولا بد من الإشارة الى أن آثار القانون ستطال دولاً رئيسية كإيران وروسيا والصين، وكل منظماتهم الميلشوية وشركاتهم التجارية لأنه يحرمها من أي فرص استثمارية، الآن، ومستقبلا ويعاقبها على جرائمها بسبب دعمها وشراكتها لنظام متهم بآلاف الجرائم الإنسانية التي يعاقب عليها القانون الدولي، وبالطبع ستزيد هذه العقوبات توتير علاقات هذه الدول بالولايات المتحدة الأميركية فوق ما بينهما من نزاعات وصراعات، على القوة والنفوذ والمصالح والمكتسبات، وهو ما يكشف غايات ومصالح أميركية، في إطار استراتيجيتها كدولة عظمى وامبراطورية تقود العالم شبه منفردة حتى الآن.
سبق صدور القانون المذكور موافقة عدد متزايد من الدول الأوربية على تسجيل دعاوي قضائية أمام محاكمها الجنائية، بناء على شكاوى من مواطنين سوريين تعرضوا للاعتقال والتعذيب في سورية، لمحاسبة مسؤولين كبارا من أركان النظام الأمني والعسكري على أفعالهم المشينة التي وصلت مستوى جرائم الحرب والإبادة التي ارتكبوها، ما يبشر ب ” صحوة ضمير ” وتغير في نظر المجتمع الدولي مع نظام ذهب بعيدًا في انتهاك كل الحدود المقبولة من إجرام السلطة، واستنفذ أغراض بقائه واستمراره، واستهلك تمامًا، بعد أن نفذ كل المطلوب منه محليًا وإقليميًا ودوليًا.
لكي لانفرط في التفاؤل كثيرًا يجب التذكير بأن من حَمى النظام، ومنع سقوطه وعقابه، قوى إقليمية ودولية، إحداها الولايات المتحدة الأميركية، خصوصًا بعد مجزرة الكيماوي الشهيرة في آب/ أغسطس 2013، وصدور قانون سيزر لا يعني تنفيذه بشكل اوتوماتيكي، فربما يكون تنفيذه انتقائيًا وتدرجيًا، ولكنه في كل الأحوال يمثل موقفًا “أخلاقيًا” وسيفًا مسلطًا على رقاب عصابات من المارقين الدوليين، وسلاح قاطع في أيدي السوريين الذي طالهم ارهاب وإجرام الأسد وحلفائه، كما لم يحدث في أزمة أخرى، في عالم ديدنه المصالح الأنانية، لا الأخلاق ولا القيم بل على حسابهما .
كل السوريين كانوا يتمنون، ويتوقون، إلى أن تكون ساعة الحساب قريبة، أو أنها دنت، وأن تكون أدواتها وآلياتها بيدهم لا بيد (عمرو)، ولكن الارادات العالمية وقفت حائلاً دون آمالهم وأمانيهم.
“سيزر”، مصور يعمل مع الشرطة العسكرية والاستخبارات العسكرية في سورية قام بتوثيق وحفظ آلاف الصور لشهداء قتلتهم الاستخبارات المذكورة في العامين الأولين من الثورة فقط، ثم انشق وقام بتهريب 55 ألف صورة إلى خارج سورية وأوصلهم إلى أميركا، وهي دولة عظمى لا تنقصها، ولا تنقص دول العالم وهيئاته المعنية، لإيجاد القرائن والدلائل الدامغة على ما ارتكبه نظام فاق في بشاعته وممارساته العصور الأولى من عمر البشرية وتوحشها.
في كل الأحوال ربما يكون أجدى للسوريين ومن يمثلهم المضي قدمًا في ملاحقة النظام عبر مسار العدالة الدولية على جرائمه وانتهاكاته لحقوق الانسان بدلًا من الرهان على (العملية السياسية)، و(لجنة صياغة دستور) اختزلت فيها إرادة المجتمع الدولي دون إجراءات ثقة، وسابقًا على فتح ملف المعتقلين، والمغيبين قسرًا، والمختطفين، الذي يعتبر الأكثر إيلامًا لعموم المواطنين، خصوصًا أن القانون صدر بجهد ودأب يحسبان للجالية السورية في أميركا وتستحق عليهما كل تقدير واحترام، ويعطيان مثالًا عن إمكانية تحقيق الكثير إذا توفرت خطط علمية لحشد وتنظيم جهود وطاقات السوريين في الغرب، وابتكار استراتيجيات، وفق شروط ومناهج العمل الجماعي وجماعات الضغط، ولا سيما في الولايات المتحدة.
المصدر: إشراق